فلسفة أناكساجوراس في مبدأ لا أصغر ولا أكبر

اقرأ في هذا المقال


يشتهر الفيلسوف أناكساجوراس بآرائه العلمية وآرائه الفلسفية، حيث ادّعى أنّ الأجرام السماوية كانت حجارة وليست آلهة وقيل إنّه تنبأ بسقوط نيزك، كما جادل بأنّ كل شيء موجود في كل شيء وأنّه لا يوجد نصيب أكبر أو أصغر من أي شيء.

تأثر فلسفة أناكساجوراس بالفكر اليوناني القديم:

تأثر أناكساجوراس بسلالتين في الفكر اليوناني المبكر وهما:

1- أولاً هناك تقليد البحث في الطبيعة الذي أسسه الميليسيان واستمر به زينوفانيس وهيراكليتوس، حيث سعى العلماء والفلاسفة الميليسيون الأوائل (من مثل تاليس وأناكسيماندر وأناكسيمينيس) إلى شرح الكون وجميع ظواهره، من خلال مناشدة الانتظام داخل النظام الكوني نفسه، دون الإشارة إلى الأسباب غير الطبيعية أو إلى الآلهة المجسدة المرتبطة بجوانب الطبيعة حسب الديانة اليونانية التقليدية، ولقد أسسوا تفسيراتهم على السلوك المنتظم الملحوظ للمواد التي يتكون منها الكون.

2- كما تأثر أناكساجوراس بالحجج الإيلية بسبب بارمينيدس، وفيما يتعلق بالمتطلبات الميتافيزيقية لكيان توضيحي أساسي ضمن إطار عمل ميليسيا هذا، والطريقة الميتافيزيقة المناسبة لمتابعة البحث، يمكن النظر إلى بارمنيدس على أنّه يجادل بأنّ أي حساب كوني مقبول يجب أن يكون عقلانيًا أي يتوافق مع شرائع البحث الصحيح، ويجب أن يبدأ بكيانات مقبولة ميتافيزيقيًا والتي هي كليًا وكاملًا ما هي عليه، حيث لا تخضع للتوليد أو التدمير أو التغيير، وهي معروفة تمامًا أي يمكن فهمها بالفكر والفهم.

يبني أناكساجوراس روايته للعالم الطبيعي على ثلاثة مبادئ للميتافيزيقيا، والتي يمكن اعتبارها جميعًا متأصلة في هذه المتطلبات للنظرية الإيلية:

1- لا صيرورة أو تجاوز.

2- كل شيء موجود في كل شيء.

3- ليس أصغر أو أكبر.

المبدأ الميتافيزيقي لا أصغر ولا أكبر:

إنّ ادعاء أناكساجوراس بأنّ: “كل الأشياء كانت معًا” قبل حدوث الدوران الأصلي لا يضمن حقيقة مبدأ “كل شيء في كل شيء”، وإذا حدث الانفصال داخل مزيج أصلي من كل شيء مع كل شيء نتيجة للحركة التي يمنحها العقل، فقد يكون ذلك مع إعطاء الوقت الكافي سيتم فصل المكونات عن بعضها البعض، كما هو الحال في إمبيدوكليس أثناء انتصار الصراع عندما تنفصل الجذور الأربعة تمامًا.

يحتاج أناكساجوراس إلى منع ذلك حتى يتمكن من الحفاظ على التزامه بمبدأ عدم الصيرورة، وفي بعض المناطق التي جاء فيها الانفصال لاحتواء على سبيل المثال لا شيء سوى العظام سيكون هناك عظم نقي ككيان جديد، لاستبدال وتدمير الخليط الذي كان موجودًا في السابق، وإنّه يمنع هذا الاحتمال من خلال الادعاء بأنّه لا يوجد أصغر (ولا أكبر)، وإذا لم يكن هناك حد أدنى لكثافة أحد المكونات فلن تتم إزالة أي مكون تمامًا من أي منطقة من الخليط من خلال قوة الحركة الدورانية التي يسببها العقل.

وفيما يلي ادعاءات أناكساجوراس وهي:

1- لا يوجد أصغر صغير ولكن دائمًا أصغر (لما هو لا يمكن أن يكون)، ولكن أيضًا من الكبير يوجد دائمًا أكبر، والكبير يساوي المدى الصغير (plêthos)، لكن بالنسبة إلى نفسه كل شيء كبير وصغير.

2- بما أنّ حصص الكبير والصغير متساوية في العدد، فبهذه الطريقة أيضًا ستكون كل الأشياء في كل شيء، ولا يمكن أن يكون أي شيء منفصلاً، لكن كل الأشياء لها نصيب في كل شيء، ونظرًا لأنّه من غير الممكن أن يكون هناك أقل، فلن يكون من الممكن أن ينفصل أي شيء، ولا يكون من تلقاء نفسه ولكن تمامًا كما في البداية الآن أيضًا كل الأشياء معًا.

توضح ادعاءات أناكساجوراس أنّ مبدأ: “ليس أصغر” مرتبط بمبدأ كل شيء في كل شيء، كما يؤكد أنّ الادعاء: “ليس الأصغر” يعتمد على استحالة ما هو ليس كذلك، وإليك طريقة واحدة لتفسير ما يقوله أناكساجوراس، أي إذا كان هناك أصغر (جسيم وكثافة وكمية) من أي مكون (يطلق عليه S)، ويمكننا من حيث المبدأ من خلال الفصل تقليل كمية (S) في بعض مناطق الخليط إلى ذلك الأصغر، ثم الحث على مزيد من الانفصال من خلال الدوران، والذي من شأنه إزالة هذا المكون من منطقة معينة من الخليط.

من شأن ذلك أن يترك منطقة ما بدون: “كل شيء في كل شيء”، وستتوقف المنطقة عن أن تكون (S) إلى أي درجة وبالتالي لن تكون (S)، وفي هذا المجال سوف يفشل تفسير المجيء إلى الوجود من حيث النشوء من خليط سابق، حيث يلاحظ أنّ أناكساجوراس -مثل المفكرين اليونانيين الآخرين بما في ذلك أفلاطون– يفترض أنّ أي شيء يجب أن يكون شيئًا أو غيره، وبالتالي ينزلق بسهولة بين (ما هو غير) و(ما هو ليس كذلك).

حل أناكساجوراس هو إنكار وجود أي حد أدنى للصغر، وباعتماد نموذج الكثافة الموصوف أعلاه ويمكنه القول أنّه لا توجد أدنى درجة من الكثافة في الخليط، ويوضح هذا التركيز على الكثافة أنّ إحساس أناكساجوراس الفني بالصغر ليس حجم الجسيمات ولكن درجة الانغماس أو الظهور في الخليط، ولكي يكون المكون صغيرًا يجب أن تكون هناك كثافة منخفضة نسبيًا لهذا المكون في منطقة معينة من الخليط مقارنة بجميع المكونات الأخرى (كل شيء آخر) في تلك المنطقة.

يمكن بعد ذلك تفسير التأكيد المقابل على أنّه لا يوجد حد أعلى للسعة على أنّه ادعاء أنّه بغض النظر عن مدى انبثاق المكون (الذي يبرز من خليط الخلفية) فإنّه يمكن أن يصبح أكثر بروزًا، ولذلك بغض النظر عن طعم بعض الماء الحلو فلا يزال هناك بعض الملح فيه، والملح في العينة صغير أي مغمور في خليط الماء ومكونات أخرى ولكن لن يتوقف الملح أبدًا في العينة.

في المقابل بغض النظر عن مدى ملوحة عينة أخرى يمكن أن تصبح دائمًا أكثر ملوحة وحتى تتحول إلى ملح لأنّه لا يوجد حد أعلى لدرجة الانبثاق من الخلفية، وعندما يظهر الملح ستغرق المكونات الأخرى لكنها لن تختفي أبدًا، بحيث يتم غمر الرطب نفسه بعمق في المزيج، ويترك لنا كتلة صلبة على ما يبدو من الملح، على الرغم من أنّ الملح نفسه سيحتوي على جميع المكونات الأخرى مع معظمهم في مثل هذه التركيزات الصغيرة لدرجة أنّهم مغمورون تمامًا ولا يظهرون للمراقب.


شارك المقالة: