كان بعض أكثر أعمال الفيلسوفه إليزابيث أنسكومب تأثيرًا حول طبيعة العلاقة السببية، وكان من الصعب تحليل العلاقة بين السبب والنتيجة، وتحدى عمل أنسكومب في السببية والعزم بعض الأرثوذكسية التجريبية لرواية الفيلسوف ديفيد هيوم، فعلى سبيل المثال طعنت في الرأي القائل بأنّ العلاقة السببية تتميز بالارتباط المستمر في مناقشة قضية كايجر فاينمان.
المنظور العام لميتافيزيقية أنسكومب:
لنقل انّه إذا انفجرت القنبلة فقد نتج عن ترتيب عداد جيجر، فالسببية لا تنطوي على العزم أو الضرورة، ونظرًا لأنّ التحلل الإشعاعي لم يكن كافيًا لهذا التأثير فإنّ القضية تخبرنا عن اعتبار الأسباب شروطًا كافية، ولا توجد علاقة سببية عامة بين السبب والنتيجة، وسيتبين أنّ هذا التحدي لرواية هيومانية له تأثير كبير، فقد ساعد في دفع الفلاسفة نحو تطوير حسابات احتمالية للسببية لتفسير نوع الحالة.
فيما يتعلق بالتصنيف فإنّها تقع في المعسكر المفرد للسببية لأنّها رفضت أيضًا وجهة النظر الهيومية القائلة بأنّ السببية لا يمكن ملاحظتها في حالة واحدة، ومن وجهة نظرها فإنّ السبب المحدد ينتج عنه تأثير معين، وأنتجت أنسكومب أمثلة من اللغة العادية التي بدت وكأنها تظهر أننا ندرك العلاقة السببية، ومثل هذه الأمثلة وفيرة، حيث تشير عبارة: “رأيتها تنظف الأطباق” إلى تصور وجود عملية سببية.
يمكن للناقد أن يشير إلى أننا عندما ننطق بعبارات مثل هذه فإننا نتحدث بشكل فضفاض، وبالتأكيد لن ينكر هيوم أننا نقول أشياء مثل هذه، وبدلاً من ذلك لا يمكن للفحص الوثيق والتحقيق والفحص لعملية ما وحدها أن يفسر السببية.
أظهر عملها في السببية الاعتماد على منهجية اللغة العادية، وقد ساهمت أنسكومب أيضًا بشكل مباشر في تطوير الموضوعات الرئيسية في فلسفة اللغة العادية نفسها، فقد أثرت في محتواها وليس الاعتماد عليها منهجيًا فقط، وهذا واضح في عملها على التعبير بضمير المتكلم، حيث تركز في ورقتها البحثية (الشخص الأول) على استخدام رينيه ديكارت لكلمة (أنا) في تطوير حججه الفلسفية فيما يتعلق بوجود الذات.
على نفس الأسس التي يجادل بها ديكارت بأنّه يمكن أن يشك في عبارة: “لدي جسد” ولكن لا يمكنه الشك في عبارة: “أنا موجود” يمكنه أن يشك في عبارة: “أنا ديكارت” ولكن ليس “أنا موجود”، فـ”أنا ديكارت” إذن ليس بيان هوية، وعبارة: “أنا” لا تشير كاسم، فعندما يشك في عبارة: “أنا ديكارت” يجب أن يكون لديه فكرة: “أنا لست ديكارت”، لذلك في استخدام (أنا) في هذا السياق فهو لا يشير إلى نفسه، ونحن نميل إلى التفكير في (أنا) على أنّها مجرد تعبير يستخدمه الناس للإشارة إلى أنفسهم.
المشكلة مع وجهة النظر المرجعية لـ(أنا) هي أنّه عندما يجهل شخص ما هويته أو هويتها الخاصة فإنّ كلمة (أنا) لا تلتقط ما يدور في ذهن الشخص، وعندما يتحدث الشخص عن نفسه عندما يقول: “لقد شرب جون السم” دون أن يعرف أنّه هو جون فإنّه يتحدث عن نفسه بطريقة خارجية بحتة خالية من الوعي الذاتي الذي نربطه بألفاظ (أنا)، ولذا فإنّ عبارة: “شرب جون السم” لا تأتي مثل: “لقد شربت السم”، وسيؤكد جون الأول وليس الثاني.
ومرة أخرى سيكون لهذه المناقشة حول التعبير عن الذات تأثير كبير في فلسفة اللغة والعقل، فكيف تعمل المؤشرات الدالة في اللغة وطبيعة معرفة الذات والوعي بالذات والهوية الذاتية.
التسبب بالشىء:
مثل فيتجنشتاين كانت أنسكومب قلقة بشأن الثقافة المحيطة بها، فعملها في السببية هو هجوم على مفهوم السببية الذي كما تقول: “يساعد على تكوين قالب ذهني يميز ثقافتنا بأكملها”، فترفض أنسكومب وجهة النظر السائدة آنذاك (وربما التي لا تزال) والتي تأتي من هيوم والتي مفادها أنّ سبب بعض التأثير إما أن يستلزمه أو يرتبط به بواسطة قانون ما، حيث إنّها لا تنكر أنّ الأحداث قد حدثت ولكنها تريد أن تصر على أنّه من الممكن عادة أن تنحرف الأمور عن مسارها.
قد يستخدم المخرب العمد ما يكفي من البنزين لحرق منزل دون أن يحترق المنزل بسبب هذا الفعل، وقد يحدث شيء ما يفسد خططه، وما يمكن أن يكون عليه هذا الشيء لا يمكن تحديده مسبقًا أو بشكل عام لأنّه قد يكون كل أنواع الأشياء، وهذا يعني أنّ أي قانون سببي يربط بين سبب (C) وتأثير (E) يجب أن يكون على الشكل التالي: إذا كانت (C) ثم (E)، فإنّ الأشياء الأخرى متساوية.
في كثير من الأحيان لا تتساوى الأشياء الأخرى وهذا هو سبب سهولة التنبؤ بحركة الكواكب نسبيًا ولكن من المستحيل التنبؤ بحركات الحيوانات على سبيل المثال، كما إنّه مستحيل من الناحية العملية لأننا لا نملك أبدًا معلومات كافية عن بيئة الحيوان (قد يركض السنجاب ويخرج الحيوان عن مساره)، وكيمياء الدماغ (نحن ببساطة لا نعرف بالضبط كيف تعمل العقول حتى الآن)، وما إلى ذلك ولكن قد يكون أيضًا مستحيلًا حتى من الناحية النظرية نظرًا لتأثيرات الأحداث على المستوى الكمي.
يمكن لهذه بعد كل شيء أن تمتد إلى مستوى الأشياء المرئية، لأنّه لإعطاء أحد أمثلة أنسكومب الخاصة يمكن توصيل عداد جيجر بقنبلة بحيث تنفجر القنبلة في وقت يصعب تحديده اعتمادًا على على الإشعاع المؤين، وعندئذٍ سيكون سبب الانفجار ولكن ليس بطريقة يمكن حتى من حيث المبدأ التنبؤ بها.
وبالمثل تجادل أنسكومب إذا أصبت بمرض بعد أن تعرضت له فمن السهل معرفة سبب إصابتي بالمرض، ولكن إذا كان كل ما أعرفه هو أنني تعرضت للمرض فمن المحتمل جدًا ألّا يتمكن أحد من معرفة ما إذا كنت سأصاب بالمرض، ومن الأسهل بكثير تتبع أثر ما إلى سببه بدلاً من قراءة الآثار الحتمية المفترضة لأي سبب محتمل، ولذلك يمكننا أن نعرف أن شيئًا ما تسبب في شيء آخر دون معرفة أي قانون حقيقي يتضمن ارتباطًا ضروريًا بين أحداث من نوع عام وأحداث من نوع آخر.
يقال أحيانًا أنّه لا يمكن ملاحظة السببية لأننا نلاحظ الأحداث ولكننا لا نلاحظ الضرورة التي نعتقد أنّها مرتبطة بها، وتعترض أنسكومب على أننا نلاحظ الشرب والتحدث والقطع والكسر، وأنّ هذه كلها تبدو وكأنها أنواع من السببية، وإذا شربت قطة بعض الحليب فإنّ فعل القطة تسبب في ترك الحليب للصحن، وإذا قام الخياط بقص بعض القماش فيبدو أنّه من الممكن تمامًا رؤية سبب انقسام القماش.
تقترح أنسكومب أنّ أي شخص ينكر ذلك يفعل ذلك على أساس التحيز أو النظرية الفلسفية حول الملاحظة والسببية، كما إنّهم كما يعتقدون لا يؤمنون بالنظرية لأنّ التفكير غير المتحيز في التجربة يخبرنا أنّ هذا النوع من النظرية صحيح.