اقرأ في هذا المقال
تُعرض آراء الفيلسوف جورج إدوارد مورالأخلاقية في كتابين وهما المبادئ الأخلاقية والأخلاق، وكذلك قدم آرائه الأخلاقية في ورقتين وهما: مفهوم القيمة الجوهرية وهل الخير جيد؟
وعلى الرغم من أنّ كتاباته عن نظرية المعرفة والميتافيزيقيا كانت تفوق عددًا إلى حد كبير إلّا أنّ عمله في الأخلاق كان له نفس التأثير، ويرجع التباين في الحجم بشكل أساسي إلى حقيقة أنّ تفاصيل وجهات النظر الأخلاقية لمور كانت أكثر استقرارًا، وخضعت لمراجعة وتطوير أقل بكثير من تلك الخاصة بآرائه الميتافيزيقية والمعرفية.
الخير والقيمة الجوهرية في فلسفة مور:
أهم عمل أخلاقي لمور هو المبادئ الأخلاقية (Principia Ethica) حيث كان لها تأثير عميق في كل من الفلسفة والثقافة فور نشرها تقريبًا، وفي ذلك يضع مور نسخة من الواقعية الأخلاقية تتفق مع الواقعية الافتتاحية المبكرة والمذاهب المصاحبة لها، ووفقًا لنظرية الهوية الخاصة به عن الحقيقة فإنّ الافتراضات الأخلاقية تمامًا مثل الافتراضات غير الأخلاقية، فهي صحيحة موضوعياً أو خاطئة في حد ذاتها.
وبالاقتران مع وجهة نظره القائلة بأنّ الأشياء العادية متطابقة مع الافتراضات الوجودية الحقيقية، فإنّ هذا يعني أنّ الأشياء العادية التي تمتلك قيمة تفعل ذلك جوهريًا، أي إنّها افتراضات وجودية حقيقية تتضمن مفهوم الخير.
وبالتالي فإنّ وضع الشيء كجيد أو سيء أو في المجال الجمالي جميل أو قبيح لا يعتمد على أي شيء خارج نفسه ولا أسبابه وآثاره ولا علاقته بالبشر أو تفضيلاتهم أو أحكامهم، حيث أنّه يعتمد فقط على مشاركة الخير كمفهوم أو في مصطلح الوجود كملكية.
إذن تختلف الافتراضات الأخلاقية عن غير الأخلاقية فقط في ضوء أنواع المفاهيم التي تنطوي عليها، وعلى وجه التحديد تشتمل المقترحات الأخلاقية على مجموعة من المفاهيم الفريدة التي نطلق عليها أخلاقية أو أدبية، مثل الخير والحق والواجب. وأهم هذه المفاهيم هو الخير، بحيث يعتبر الآخرون مفاهيم أو خصائص أخلاقية فقط لأنّهم يحملون علاقات منطقية (بالمعنى الواسع لعلاقات المعنى) إلى الخير.
الفرضية المركزية لالمبادئ الأخلاقية (Principia Ethica) هي أنّ الصالح أو جيد هو مفهوم بسيط وغير طبيعي (أو خاصية)، وليس من الواضح تمامًا ما يعنيه مور بعبارة: “غير طبيعي”، ومع ذلك فإنّ ما يعنيه بكلمة (بسيط) واضح بما فيه الكفاية، بحيث أن يكون الشيء بسيطًا وجوديًا (وهو المعنى المعني هنا) يعني أنّه لا يمتلك أي أجزاء، وأن يعترف بعدم وجود انقسامات أو تمييز في دستوره.
فالبسيط لا يتكون من أي شيء، وبالتالي لا يمكن تقسيمه إلى أي شيء، ولذلك لا يمكن تحليل البسطاء، وفي حالة (الخير) فهو مفهوم لا يتكون من مفاهيم أخرى، وبالتالي لا يمكن تحليلها مقسمة إلى مكونات بالطريقة التي يمكن بها لأعزب (كما على سبيل المثال العازب هو رجل غير متزوج).
ويوضح مور الموقف من خلال مقارنة جيد بمفاهيم الألوان مثل الأصفر، فلا يمكن معرفة مفاهيم اللون عن طريق الوصف التحليلي، ولكن فقط عن طريق التعارف أي الإدراك المباشر، فمحاولات الوصف أو التعريف (أي التحليل) مثل الأصفر لون أكثر إشراقًا من اللون الأزرق تفشل في التقاط جوهر اللون الأصفر، وبالمثل فإنّ التحليلات المزعومة للخير من حيث مفاهيم مثل المتعة أو الرغبة أو التقدم التطوري تفشل في فهم المقصود بكلمة الخير.
حجة السؤال المفتوح والمغالطة الطبيعية في فلسفة مور:
يوضح مور عدم إمكانية تحليل الخير من خلال ما أصبح يُعرف باسم حجة السؤال المفتوح، أي بمعنى بالنسبة لأي تعريف للخير، الخير هو (X)، من المنطقي أن نسأل عما إذا كان الخير حقًا هو (X)، وما إذا كانت (X) جيدة حقًا، فعلى سبيل المثال إذا قلنا: “الخير هو المتعة”، فمن المنطقي أن نسأل: “هل الخير حقًا متعة؟” و”هل المتعة حقا جيدة؟”، من وجهة نظر مور هي أنّ كل محاولة للتعريف تترك سؤالًا مفتوحًا حول ماهية الخير حقًا.
ولكن قد يكون هذا هو الحال فقط إذا فشل التعريف في التقاط كل ما هو المقصود بكلمة ومصطلح جيد، فإذا تأمل المرء الحالة التالية: (العازب هو رجل غير متزوج)، فهنا لا معنى للإجابة بنعم، ولكن هل العازب حقًا رجل غير متزوج؟ أو لكن هل كل غير متزوج حقاً أعزب؟ والسبب في عدم ذلك هو أنّ المعنى الكامل لكلمة (أعزب) مأخوذ من (رجل غير متزوج).
من ناحية أخرى فإنّ السبب المنطقي لطرح هذه الأنواع من الأسئلة حول التعريفات المزعومة للخير هو أنّها فشلت في فهم معناها الكامل، وبما أنّ هذا ينطبق على كل تعريف مزعوم للخير، فلا يمكن تعريف الخير، بحيث لا يمكن التعرف عليه إلّا في حالات معينة من خلال أفعال تخوف حدسي.
وفقًا لهذا الحساب فإنّ أي نظرية أخلاقية تحاول تعريف الخير -وكلها تقريبًا تفعل ذلك- تخطئ، وقد أطلق مور على هذا الخطأ اسم المغالطة الطبيعية، وبشكل عام إنّ المغالطة تتمثل في تحديد المفهوم البسيط الذي نعنيه بكلمة جيد مع فكرة أخرى، أو بشكل سلبي الفشل في التمييز الواضح لتلك الصفة الفريدة التي لا يمكن تحديدها والتي نعنيها بالخير.
إلى هذا الحد من الواضح ما يعنيه مور بالمغالطة الطبيعية، ومع ذلك فإنّ اختياره لالطبيعي لوصف هذا الخطأ أمر محير تمامًا، وكذلك وصفه لجيد على أنّه خاصية غير طبيعية، ففي العصر الحديث كثيرا ما استخدمت الطبيعة كمرادف للعالم المادي، وهو العالم الذي تدرسه العلوم الطبيعية.
وبناءً على ذلك فإنّ مصطلح الطبيعي عادة ما يكون محجوزًا للآراء الفلسفية القابلة للتطبيق في العلوم الطبيعية، وآراء مثل العلموية والتجريبية والمادية وما إلى ذلك، وفي كتاب المبادئ (Principia)، تتوافق تصريحات مور المباشرة حول معاني الطبيعي والذي يستدل عليه من الطبيعية وما إلى ذلك مع هذه القاعدة.
في مرحلة ما وصف الطبيعة (ومن ثم الطبيعي) بأنّها: “ما هو موضوع العلوم الطبيعية وعلم النفس أيضًا”، وكما أنّه يقدم توصيفين بديلين لما هو طبيعي:
- الأول من حيث الوقت.
- الثاني من حيث القدرة على الوجود المستقل في الوقت المناسب (هذا الأخير ينطبق على وجه التحديد على الممتلكات).
حتى هنا لا يخرج عن القاعدة لأنّ عناصر البحث العلمي عادة ما يتم اعتبارها أفرادًا مؤقتين مثل الأحداث أو الأفراد الماديين بمستويات متفاوتة من التفصيل (الذرات والجزيئات والخلايا أي الأجسام العادية متوسطة الحجم والكواكب…إلخ).
من الواضح أنّ استخدام مور لمصطلح الطبيعي يبدو غير ملحوظ، فمن ناحية إنّ الشيء الغريب هو استخدامه لـ (الطبيعي) لوصف مغالطة مساواة الخير بأي مفهوم آخر، وإنّ (مغالطة مور الطبيعية) ليست مسألة الخلط بين الوقت والزمان، وكما أنّها ليست مسألة الخلط بين التجريبي والعلمي وغير التجريبي وغير العلمي.
قد ينطبق هذا الوصف على آراء المتعة التي تساوي الخير مع المتعة، حيث يمكن التعامل مع المتعة ككائن للدراسة التجريبية إما لعلم النفس أو علم وظائف الأعضاء، ومع ذلك فإنّ مور يقصد أن يشحن حتى النظريات الميتافيزيقية للأخلاق مثل نظريات أرسطو وأكويني وكانط بارتكاب مغالطة طبيعية، ولا يوازي أي منها الخير بشيء تجريبي أو علمي في المعنى الحديث.
في الواقع فإنّ المغالطة الطبيعية هي في الحقيقة مجرد مسألة الخلط بين غير المرادف للمرادف (وهكذا اقترح ويليام فرانكينا في ورقة مهمة عام 1939 أنّه ينبغي أن يطلق عليها مغالطة التعريف)، وهذا ليس له علاقة بالمرادف، والتمييز بين الطبيعي وغير الطبيعي في حد ذاته كما هو مفهوم عادة.
كل هذا يشير إلى حقيقة أنّ مور لديه فهم أوسع بكثير للطبيعة مما يعترف به في كتاب المبادئ، أو أنّ (المغالطة الطبيعية) ليست اسمًا مناسبًا للظاهرة المعنية، ففي كتاب المبادئ (Principia) يبدو مور مستعدًا لقبول الاحتمال الأخير عندما يدعي: “أنا لا أهتم بالاسم، فما يهمني هو المغالطة، ولا يهم ما نسميه بشرط أن نتعرف عليه عندما نلتقي به”.
ومع ذلك يجب أن تعني المصطلحات الطبيعية أو غير الطبيعية بالنسبة له أكثر مما سمح به لأنّه احتفظ بها طوال حياته المهنية، حتى أنّه افترق طرقًا عن الاستخدام العادي للقيام بذلك، وحدث هذا في ورقة بحثية نُشرت عام 1922 حول (مفهوم القيمة الجوهرية).
حيث هنا يرى مور أنّ مفاهيم القيمة وحدها يجب اعتبارها غير طبيعية، لذا فإنّ (غير الطبيعي) يكافئ عمليًا أخلاقي وطبيعي إلى غير أخلاقي، وهكذا في النهاية يبدو أنّ مور كان لديه فهم أوسع بكثير لـ (الطبيعي) ومفهوم أضيق بالمقابل لـ (غير الطبيعي) مما تم توضيحه في كتابه مبادئ (Principia).