فلسفة الأفعال لدى ديفيدسون

اقرأ في هذا المقال


الأفعال حسب الفيلسوف دونالد ديفيدسون هي أحداث، والأحداث في علم الوجود الخاص به هي أحداث مؤرخة بشكل خاص، والسمة الأساسية التي هي القابلية لإعادة الوصف، ومن أجل قبول كيان ما في علم الوجود يجب على المرء تحديد شروط التفرد لهذا الكيان.

فلسفة في مفهوم الحدث:

من وجهة نظر ديفيدسون تكون الأحداث متطابقة إذا وفقط إذا كانت لها نفس الأسباب والتأثيرات بالضبط، وقد يبدو أنّ هذا المعيار له طابع دائري حوله، ولكن إذا كان هناك دائرية فهو بالتأكيد ليس رسميًا، لأنّ المعيار هو ببساطة هذا حيث (x) و (y) حدثان:

(x) = (y) إذا وفقط إذا [(z) ((z) سبب (x) يعني (z) سبب (y)) و (z) ((x) سبب (z) يعني (y) سبب (z))].

من المهم أن يتم وضع في الاعتبار أنّه لكي يكون الحدث فعلًا، فإنّه يجب أن يكون الحدث قابلاً للوصف بطريقة معينة، والأفعال هي الأحداث التي يؤديها الناس بنية ولأسباب، ويمكن تحديد نفس الإجراء على أنّه متعمد تحت بعض الوصف وباعتباره ماديًا بحتًا تحت وصف آخر، ولكن لكي يكون الحدث إجراءً يجب أن يحتوي على وصف واحد على الأقل يتم تحديده على أنّه مقصود، ويتوقف المطلب أعلاه لإجراء ما على التمييز الأكبر بين تحديد الحدث بأكمله مع تحديده بالكامل.

العلاقة والتفسير السببي:

في حالة تسبب حدث ما في حدوث آخر فإنّ أي وصف يختار الحدث الصحيح يحدد السبب بالكامل، وستكون بعض الأوصاف بالطبع أكثر ثراءً في المعلومات التي يفصحون عنها حول حدث ما، ولا ينبغي أن يؤثر هذا الثراء بأي شكل من الأشكال على مقدار السبب الذي يشيرون إليه، وتختلف القصة تمامًا عندما يتعلق الأمر بما يسميه ديفيدسون السؤال الإضافي للتفسير السببي.

التفسيرات السببية هي بطبيعتها محاولات لشرح الأحداث من حيث أسباب هذه الأحداث، ولكن وفقًا لديفيدسون فإنّ التفسيرات السببية بالإضافة إلى ذلك حساسة لكيفية وصف الأحداث المعنية، فعلى سبيل المثال قد يشير الوصفان في هاتين الجملتين: “جاك يمشي في الغرفة” و “جاك يدوس في الغرفة” إلى نفس الحدث الذي تسبب في استيقاظ جيل، ومع ذلك قد يكون الأخير بمثابة تفسير سببي لاستيقاظ جيل في حين أنّ الأول قد لا يفعل ذلك.

إحدى مساهمات ديفيدسون الرئيسية في فلسفة الفعل هي ادعائه أنّ التفسير عبر الأسباب هو شكل من أشكال التفسير السببي، ومن أجل فهم ادعاءات ديفيدسون بأنّ الأسباب هي أسباب الأفعال التي هي أسباب لها، وأنّ تفسير السبب هو شكل من أشكال التفسير السببي، فإنّه يجب أن نفهم كيف يعمل التفسير السببي من وجهة نظره.

نظرية الاستنتاجية الاسمية:

تنبثق إحدى نظريات التفسير السببي من موقف ديفيد هيوم أنّه حيثما توجد علاقة سببية بين حدثين مختلفين (A) و(B)، فإنّه يجب أن يكون هناك قانون يربط بين نوعين من الأحداث (A) و (B) بحيث تقوم الأحداث المعنية بإحداثها، وتم تطوير هذا الموقف بشكل أكبر في منتصف القرن العشرين من قبل كارل همبل في النظرية الاستنتاجية الاسمية للتفسير، حيث وفقًا للاستنتاجية الاسمية يتم شرح الحدث (E) سببيًا فقط في حالة ما إذا كان البيان الذي يؤكد حدوث (E) يتبع بشكل استنتاجي من:

1- البيان الذي يؤكد حدوث سببها (C).

2- والبيان بعض قانون السببية العامة (L).

يجادل معارضو نموذج الاستنتاجية الاسمية بأنّه يمكن للمرء أن يحكم على أنّ الحدث (A) قد تسبب في حدث (B) دون معرفة القوانين التي تنشئها هذه الأحداث، ويزعم ديفيدسون أنّ المعارضة بين الخصوم وأبطال نموذج الاستنتاجية الاسمية أكثر وضوحًا من كونها حقيقية، ويعتمد حل النزاع على التمييز بين الأحداث وأوصافها.

باختصار يقدم ديفيدسون دعمه لمبدأ الطابع الاسمي للسببية، وتجدر الإشارة إلى أنّ ديفيدسون يقبل هذا المبدأ على أساس الإيمان كما أشار العديد من المعلقين، وعلى عكس ديفيد هيوم الذي يقبل المبدأ لأنّ تحليله لطبيعة السببية كإقتران ثابت يتطلب ذلك، ويتنصل ديفيدسون من تحليل طبيعة السببية نفسها، وهدفه المنصوص عليه صراحة هو تقديم تحليل للشكل المنطقي للبيانات السببية.

مناهضة السببية:

يمكننا الآن أن ننتقل إلى مسألة التفسير السببي للفعل وأن نناقش بإيجاز دافع ديفيدسون لادعائه بأنّ تفسير السبب يجب أن يكون شكلاً من أشكال التفسير السببي، حيث يدعي خصوم ديفيدسون (المناهضون للسببية) في تفسير الأفعال أنّ تفسير السبب يختلف نوعًا عن التفسير السببي، وهناك نوعان رئيسيان من الحجج للموقف المناهض للسببية وهما: المنهجية والمفاهيمية.

الموقف المنهجي:

يدعي مناهضو السببية الذين يعتمدون على الحجج المنهجية لموقفهم أنّ نموذج الاستنتاجية الاسمية الذي يعتمد على مفهوم الانتظام القانوني له مكان فقط في العلوم الفيزيائية، وعلى النقيض من ذلك فإنّ القيد الأساسي المفروض على التفسير في العلوم الاجتماعية هو قيد معياري، وبالتالي فإنّ الانتظامات القانونية المتعلقة بالأسباب بالأفعال ستكون ببساطة غير ذات صلة بالتفسير في العلوم الاجتماعية وفقًا لمناهضي السببية.

الموقف المفاهيمي:

تهدف الحجج المفاهيمية إلى إثبات الادعاء الأقوى بأنّ الأسباب لا يمكن أن تكون أسبابًا من حيث المبدأ، وتستند إحدى الحجج المعقولة للصنف المفاهيمي إلى افتراض أنّ وجود سبب لا يمكن تأكيده بشكل مستقل عن حدوث الفعل الذي يبرره، ومن المفترض أن يؤدي هذا إلى الالتزامات الإثباتية المتباينة للتفسير السببي وتفسير السبب، وهكذا فإنّ جميع الحجج ضد الموقف السببي بما في ذلك تلك المذكورة بإيجاز تدور حول القيود المعيارية الموضوعة على تفسير العقلية.

باختصار لا يمكن اعتبار تفسير تصرف الوكيل مناسبًا إلّا إذا أظهر أنّ الإجراء المعني معقول على خلفية معتقدات الوكيل ورغباته، وهذا الشرط الأخير جنبًا إلى جنب مع حالة الحقيقة التي تنص على أنّ المواقف الافتراضية التي يسميها التبرير إلى الوكيل يجب أن تكون صحيحة، وتشكل الشروط اللازمة لنموذج التبرير للتفسير.

يعتبر ديفيدسون الشروط المذكورة أعلاه ضرورية ولكنها غير كافية، حيث يتم تفسير قصور نموذج التبرير من خلال لفت الانتباه إلى التمييز بين وجود سبب لفعل ما ووجود سبب قيام المرء بعمل ما، ولسبب أن يكون السبب وراء قيام المرء بعمل ما يجب أن يتسبب السبب في هذا الإجراء.

مجرد احتمال أن يكون الشخص قد تصرف على أساس سبب واحد وليس على أساس آخر يمثل عقبة لا يمكن التغلب عليها، ولا يملك المضاد للسببية أي طريقة لحساب قوة (لأن) في التبرير، وبالتالي فإنّ نموذج التبرير صامت بشأن ما يمكن اعتباره التبرير الصحيح، والحل الوحيد وفقًا لديفيدسون هو النظر إلى الأسباب الفعالة (تلك التي تفسر التبرير الصحيح) كأسباب للفعل، وهذا يتركنا وفقًا لديفيدسون مع بديل واحد فقط للتبرير وهو الرأي القائل بأنّ تفسير السبب هو نوع من التفسير السببي.


شارك المقالة: