فلسفة الأكويني في الفضيلة

اقرأ في هذا المقال


إنّ تفسير الفيلسوف توما الأكويني الواسع للفضائل على أنّها امتياز أو كمال للقوى البشرية المختلفة يردد صدى أرسطو رسميًا، سواء فيما يتعلق بطبيعة الفضيلة أو العديد من الفضائل المحددة، والفضائل هي عادات متطورة للقوى التي تدفع الوكلاء إلى التصرفات الجيدة، لأنّ الأفعال البشرية هي تلك الأفعال التي تخضع لحكم العقل والإرادة البشرية، فإنّ الفضائل الإنسانية تكمن في القوى المختلفة التي تخضع لقاعدة العقل والإرادة.

بصفة الفضائل الإنسانية نزعات متطورة فإنّهم يقفون كحالات وسيطة بين القوى ببساطة والتدريبات الكاملة لتلك القوى، فالفضيلة هي نوع من الوسط بين الإفراط والعيب في ممارسة السلطة، على سبيل المثال فيما يتعلق بأكل شخص معتدل يأكل ما هو مناسب له أو لها، ولا يتبع الكثير مما قد يؤدي إلى الشراهة ولا إلى القليل مما قد يؤدي إلى الجوع.

ومع ذلك فمن الخطأ الاعتقاد بأنّ توماس يكرر ببساطة أرسطو، ففي المقام الأول يناقش مجموعة واسعة من الفضائل والرذائل الخاصة التي لم يناقشها أرسطو، والأهم من ذلك نتج عن الإعداد اللاهوتي لعمله عدد من الفروق المتعلقة بالفضائل التي تتعلق بالحياة البشرية والسعادة.

فلسفة الأكويني في مفهوم السعادة المزدوجة:

يميز توماس أولاً السعادة المزدوجة للبشر، الأول هو نوع السعادة التي يمكن تحقيقها من قبل الفاعل البشري في هذه الحياة من خلال ممارسة السلطات التي وهبتها الطبيعة له، حيث يقول إنّ هذه سعادة تتناسب مع الطبيعة البشرية، وقد يشمل ذلك نوعًا من التأمل في طبيعة الألوهية الذي يتطلع إليه الفلاسفة.

ومع ذلك يضيف توماس أنّ هناك سعادة أخرى لا يمكن تحقيقها ببساطة من خلال ممارسة القوى البشرية بدون مساعدة إلهية خارقة للطبيعة، وهذه سعادة لا يمكن العثور عليها تمامًا في هذه الحياة، ولكن فقط في الحياة التالية، حيث إنّها سعادة أو نعمة بالمعنى الدقيق للكلمة، وإنّه يتألف من الرؤية الفكرية لله.

في حين أنّ نوع التأمل في الله الذي يتطلع إليه الفلاسفة في هذه الحياة يتمثل في معرفة الله من خلال آثاره والطرق التي يمثلون بها الله كسبب، ويصفها توماس في الحياة التالية بأنّها مشاركة في حياة الألوهية نفسها يتحد جوهر الله نفسه من خلال نور المجد بعقل الإنسان، والاتحاد بالله ينتج عنه اختبار الغبطة النهائية والنهائية للإرادة.

ومع ذلك على الرغم من أنّ هذا التطفل يأتي بشكل خارق للطبيعة بقوة الله، فإنّه ليس غريبًا تمامًا على الطبيعة البشرية، وفي الواقع فإنّ قوة الله الخارقة ترفع أو توسع قوى العقل والإرادة إلى نوع من الإكمال وراءها ولكنها ليست غريبة عنها، لذا لا ينبغي التفكير في هذا التمييز بين السعادة المزدوجة على أنّه ينطوي على هدفين أو نهايتين مختلفتين جوهريًا للحياة البشرية، ويُنظر إلى السعادة الخارقة الثانية على أنّها نوع من تجاوز كمال الأولى.

فلسفة الأكويني في الفضائل الطبيعية:

يؤدي هذا التمييز بين السعادة المزدوجة في حياة الإنسان إلى التمييز بين الفضائل الطبيعية والفضائل اللاهوتية، فالفضائل الطبيعية هي فضائل تتعلق بسعادة هذه الحياة المتناسبة مع الطبيعة البشرية، كما تتعلق الفضائل اللاهوتية بالطيبة التي لا تتناسب مع الطبيعة البشرية، والخير الفائق للطبيعة للحياة مع الله.

تنقسم الفضائل الطبيعية إلى:

1- الفضائل الأخلاقية: هي العادات التي تكمل القوى المختلفة المعنية بشهوات الإنسان بما في ذلك الشهية العقلانية، مما يمنحهم قابلية الاستخدام الصحيح لتلك الشهوات.

2- الفضائل الفكرية: أما الفضائل الفكرية تكمل العقل وتضفي ملاءمة للعمل الجيد للعقل وهو إدراك الحقيقة.

الفضائل الطبيعية الأساسية هي الحكمة والعدالة والشجاعة والاعتدال، أما الحصافة أو الحكمة هي فضيلة فكرية لأنّها تحمل على هدف الحقيقة في الترتيب الجيد للعمل، هذا بالإضافة إلى ذلك نظرًا لوجود قوتين محددتين للشهية العامة الحساسة وهما الشهية والسخط فهناك فضيلتان أساسيتان تتعلقان بهما.

حيث إنّ شهية البشر تميل نحو ما هو لائق وبعيداً عما هو ضار بحياة الإنسان الجسدية، بينما الاعتدال هو الفضيلة الأساسية التي تتعلق به، وتميل الشهية السريعة الغضب إلى مقاومة تلك الأشياء التي تهاجم الحياة الجسدية للإنسان، والشجاعة هي الفضيلة الأساسية التي تخصها، وأخيرًا العدل هو فضيلة الشهية أو الإرادة العقلانية.

تُدّعى هذه الفضائل كاردينال بسبب أهميتها الخاصة، ولكن أيضًا كعناوين عامة تُصنف تحتها مجموعة واسعة من الفضائل الخاصة، حيث أنّ الاعتدال والشجاعة مرتبطان نحو إكمال خير الفرد على هذا النحو، في حين أن ّالعدل أمر تجاه وتكميل مصلحة الآخرين فيما يتعلق بالفرد.

الفضائل اللاهوتية هي الإيمان والأمل والمحبة، حيث إنّهم يتحملون الغبطة الأبدية وهم ببساطة ممتلئين بهبة نعمة الله، ولا يمكن الحصول عليها بالجهد البشري، ومع ذلك فإنّ السعادة الخارقة للطبيعة الثانية ليست غريبة عن السعادة الطبيعية الأولى ولكنها نوع من تجاوز الكمال لها، لذلك جنبًا إلى جنب مع غرس الفضائل اللاهوتية يرى توماس أنّ الفضائل الطبيعية تتشابك معها.

فلسفة الأكويني بين الفضائل المغروسة والمكتسبة:

هناك تمييز بين الفضائل الطبيعية المغروسة والفضائل الطبيعية المكتسبة، فكما تم غرسه لا يمكن اكتساب الفضائل الطبيعية بالجهد البشري على الرغم من أنّه يمكن تقويتها به، ومن ناحية أخرى فإنّ الفضائل الطبيعية المكتسبة هي الفضائل المقابلة التي يمكن اكتسابها بالجهد البشري دون هبة النعمة الإلهية.

بالإضافة إلى ذلك فإن الفضائل الطبيعية المغروسة تنبع من المحبة كتأثيراتها، وبالتالي تؤثر على موضوعها وهو محبة الله ومحبة القريب من الله، ويعد المثال الأساسي لتوماس هو رحمة وهي الفضيلة التي تتعلق بمعاناة الآخرين والعمل على تخفيف معاناتهم، ويبدو مثل العدل لأنّه يحمل على خير الآخر، ومع ذلك فهي تختلف عن العدالة لأنّها تنبع من الصداقة الطبيعية التي يحملها كل البشر لبعضهم البعض، وتتطلب أن يتحمل المرء معاناة البشر الآخرين.

يدعي توماس صراحة ولكن بشكل غير مقنع أنّ أرسطو أدرك ذلك، ومع ذلك يقول في الخلاصة اللاهوتية أنّ هذا أثر من أعمال الخير، وفي هذه الحالة هناك شكل مكتسب منه وشكل مملوء به، كما هو مملوء يتم إعلامه من خلال محبة الله وحب القريب من الله التي هي الغبطة.

تختلف الفضائل الطبيعية المغروسة في نواحٍ مهمة عن الفضائل المكتسبة المناظرة لأنّها تشير إلى النهاية الخارقة للطبيعة، كما أنّ الوسيلة في الفضيلة المكتسبة يحددها العقل البشري بينما المتوسط في الفضيلة المغروسة هو وفقًا للقاعدة الإلهية.

يعطي توماس كمثال الفرق بين الاعتدال المكتسب والمغروس كما يلي: حيث أنّ الاعتدال المكتسب هو وسيلة تدفع الإنسان إلى تناول ما يكفي من الطعام للحفاظ على صحته وعدم الإضرار بالجسم، بينما الاعتدال المغروس هو وسيلة تميل للإنسان من خلال الامتناع عن ممارسة الجنس لتوبيخ الجسم وإخضاعه.

وكذلك يمكن لخطيئة واحدة مميتة أو جسيمة تدمر كلاً من المحبة وجميع الفضائل الأخلاقية المغروسة التي تنبثق عنها، بينما تترك الأمل والإيمان كعادات هامدة لم تعد فضائل، ومن ناحية أخرى فإنّ الخطيئة الفردية سواء كانت عرضية أو مميتة لا تدمر الفضائل الطبيعية المكتسبة.

كما أنّ الصدقة هي محبة الله والقريب في الله بحيث يكمن في الإرادة، والأمل هو الرغبة في الخير الصعب ولكن الممكن تحقيقه من السعادة أو الغبطة الأبدية وهو أيضًا يكمن في الإرادة، والإيمان هو الموافقة الفكرية على الحقائق الخارقة للطبيعة التي لا تظهر في ذاتها أو من خلال التظاهر من الحقائق الواضحة في ذاتها لذلك يكمن في العقل، وهي مقسمة إلى الإيمان بوجود إله وحقائق أخرى تتعلق بهذه الحقيقة كتصديق الله والإيمان بالله.

إنّ التمييز بين الأخيرين دقيق جدًا فهو يبدو إنّه شيء واحد أن تقول أن تصدقّني، وهو إنّه لأمر مختلف أن أقول إنّك تؤمن بي، حيث يشير الأخير إلى علاقة عقلك برغبة الإرادة في توجيه نفسك في الحب، وهكذا فإنّ الإيمان بالله يتجاوز بكثير الإيمان بوجود إله، ويقترح الفضائل اللاهوتية الأخرى للمحبة والأمل.


شارك المقالة: