اقرأ في هذا المقال
مصطلح القانون الطبيعي المتسم بالغموض، حيث أنّه يشير إلى نوع من النظرية الأخلاقية وكذلك إلى نوع من النظرية القانونية، ولكن الادعاءات الأساسية لكلا النوعين من النظريات مستقلة منطقيًا، حيث إنّه لا يشير إلى قوانين الطبيعة أي القوانين التي يهدف العلم إلى وصفها.
ووفقًا للنظرية الأخلاقية للقانون الطبيعي فإنّ المعايير الأخلاقية التي تحكم السلوك البشري بمعنى ما، مستمدة بشكل موضوعي من طبيعة البشر وطبيعة العالم، وبينما تكون النظريتان مستقلتين منطقياً عن النظرية القانونية للقانون الطبيعي فإنّهما تتقاطعان.
مفهوم القانون الطبيعي في معجم الأكويني الفلسفي:
إنّ قراءة الفيلسوف توما الأكويني لحجة أرسطو عن الغاية النهائية باعتبارها اختزالًا، وكذلك ادعائه الخاص بأنّ كل شخص يسعى إلى تحقيق الغاية النهائية بطريقة ما، حيث يختار المرء ما يختاره من حيث الامتيازات الفرعية وبما يفضي إلى أو أحد مكونات تحقيقه وكماله، وهذا كله يخبرنا بشيء مهم عن طريقة إجراء الفيلسوف توما الأكويني.
فهنالك وصف واحد لذلك وهو المشاركة البشرية الخاصة في القانون الأبدي في العناية الإلهية، حيث جميع المخلوقات مرتبة حتى النهاية، ولها طبائع تحقق ما هو عليه بسبب تلك الطبيعة، وليس من الغريب على الإنسان أن يكون قد خلق ليجد خيره في تحقيق طبيعته، وهذا صحيح في أي شيء، ولكن يتم ترتيب الأشياء الأخرى إلى غايات لا يدركونها هم أنفسهم.
ومن الغريب للإنسان أن يدرك الخير ويوجه نفسه إليه بحرية، وبالطبع الإنسان ليس حرًا في اختيار الصالح، بمعنى أي خيار هو اختيار تحت جانب الخير، وفيما يتعلق بما هو في الحقيقة مصلحته ظاهريًا فقط، فهو ليس حرًا في جعله على ما هو عليه، ومع ذلك فهو حر في توجيه نفسه أو عدم توجيه نفسه إلى نهايته الحقيقية.
الوصف الثاني للقانون الطبيعي هو أنّه المبادئ الأولى أو نقاط البداية للتفكير العملي، وللإشارة إلى ما يعنيه بذلك، فإنّ الفيلسوف توما الأكويني يستدعي تشبيه نقاط البداية في التفكير على هذا النحو، فلقد أوضح بالفعل التمييز بين معرفة البسيط ومعرفة المركب، فالأول مفهوم ويتم التعبير عنه في تعريف أو وصف، بينما هذا الأخير هو تأكيد أو نفي لشيء لآخر، وهناك شيء ما هو الأول في كل من هذه الأوامر.
أي أنّ توماس يرى أنّ هناك مفهومًا سابقًا ومفترضًا من قبل جميع المفاهيم الأخرى، وهناك حكم سابق ويفترض مسبقًا جميع الأحكام الأخرى.
علاقة اللغة بالقانون الطبيعي في فلسفة الأكويني:
نظرًا لأنّ المعرفة يتم التعبير عنها من خلال اللغة، يبدو أنّ هذا ينزل إلى التأكيد على وجود كلمة أولى ينطق بها الجميع، وكذلك عبارة أولى ستظهر في كتاب الأطفال الخاص (بأن يعرف الطفل بأنّ كل رجل أب وكل إمرأة أم ومن بعد ذلك يميز بينها) بكل شخص في الصفحة المناسبة، ولكن بالتأكيد هذا خطأ، إذن ماذا يعني توماس؟
يوضح الفيلسوف توما الأكويني أنّ مفهومنا الأول هو الوجود وما هو موجود، وحكمنا الأول هو أنّه لا يمكن للمرء تأكيد الشيء نفسه وإنكاره بنفس المعنى في وقت واحد، ونظرًا لأنّ عددًا قليلاً من البشر إن وجد ينطق أولاً بـ (الوجود) أو ما يعادله، ولم يصمم أحد على أنّه أول نطق له لمبدأ التناقض، فإنّ الحقائق المعروفة لتوماس بأنفسنا بحيث يجب أن يكون معناه أكثر دقة.
كما إنّه أياً كان المفهوم الذي يصوغه المرء أولاً ويعبر عنه لفظياً، مثل ماما أو ساخن أو أيًا كان، فهو تحديد أو مثال على ما هو موجود، فقد لاحظ أرسطو أنّ الأطفال في البداية ينادون جميع الرجال بالأب وجميع النساء بالأم، حيث تعمل المصطلحات بعد ذلك على أنّها عامة لأي ذكر أو أنثى، وبشكل أساسي يفترض كل منها مسبقًا أنّ ما يتم إدراكه بشكل عام هو مثال على الوجود.
إنّ الوجود قبله ليس لأنّه يتم إدراكه بشكل مطلق دون الإشارة إلى هذا أو ذاك، كما إنّه كائن معين يتم إدراكه أولاً وقبل كل شيء، ومع ذلك فإنّ اسمه سيعني الحد الأدنى من الشيء.
كذلك فيما يتعلق بالحكم الأول يعبّر الأطفال عن اعترافهم بهذا المبدأ عندما يختلفون حول موقع شيء محدد تمامًا مثل قفاز البيسبول، فاحد الأطفال يتهم الآخر بأخذها بقوله انت فعلت، فيرد الآخر لا لم أفعل، ومرارًا وتكرارًا انت فعلت، لا لم أفعل، ويحدث خلاف أساسي بينهما، ولكن ما تم الاتفاق عليه هو أنّه إذا كان من الصحيح أنّ أحدًا قد فعل ذلك فلن يكون في نفس الوقت وبنفس المعنى صحيحًا أنّه لم يفعل، المبدأ كامن ضمنيًا في أي حكم ملموس تمامًا كما يشارك الوجود في أي مفهوم آخر.
وبالمقارنة مع نقاط البداية في التفكير هذه، يطور توماس ما يعنيه بالقانون الطبيعي، وفي الترتيب العملي يوجد مفهوم أول مشابه للوجود في الترتيب النظري وهو مفهوم الصالح أي الخير، والذي يعني ما هو مطلوب منه تحقيق للطالب، فالحكم العملي الأول هو ما يجب فعل الخير والسعي وراءه وتجنب الشر، أي حكم عملي آخر وهو مواصفات لهذا الحكم وبالتالي يشمله.
ويتكون القانون الطبيعي من هذا الحكم الأول وأحكام عامة أخرى لا تقبل الجدل، حيث سيتم تشكيلها بالإشارة إلى مكونات خيرنا الكامل، مثل الوجود والطعام والشراب والجنس والأسرة والمجتمع والرغبة في المعرفة، حيث لدى الإنسان ميول طبيعية لمثل هذا الخير، حيث تحيل مبادئ القانون الطبيعي المتعلقة بهم الموضوعات ذات الميول الطبيعية إلى مصلحة الإنسان الشاملة أو الكاملة والتي تحددها.
معظم الأحكام الأخلاقية صحيحة إذا كانت صحيحة إلّا وفقط بشكل عام، حيث يعبرون عن وسائل لتحقيق مصلحة الإنسان الشاملة، ولكن نظرًا لعدم وجود ارتباط ضروري بين الوسيلة والغاية فيمكنهما الحفاظ على الجزء الأكبر فقط، وبالتالي هناك طرق لا حصر لها يعيش بها البشر حياتهم بما يتماشى مع الغاية النهائية.
ولكن ليست كل الوسائل مرتبطة بالضرورة بالنهاية، حيث ترتكز الفلسفة الأخلاقية على مبادئ القانون الطبيعي باعتبارها افتراضات مسبقة مشتركة، ولكن نصيحتها لن تكون صحيحة إلّا بشكل أساسي، لذلك ستظهر حياة البشر قدرًا كبيرًا من الاختلاف في الطرق التي يسعون بها لتحقيق الغاية الإنسانية وفقًا لهذه المبادئ العامة، وبالتالي الحاجة إلى الفضائل التي تؤثر على احتمالية الحياة والحصافة ورجاحة العقل على وجه الخصوص.
وتجدر الإشارة إلى أنّه عندما يقول الفيلسوف توما الأكويني على غرار الفيلسوف أرسطو أنّ الإنسان بطبيعته حيوان اجتماعي أو سياسي، فإنّه لا يعني أنّ كل واحد منّا لديه ميل للدخول في عقود اجتماعية أو ما شابه، فالطبيعي في هذا المعنى هو ما لا يتم اختياره ولكن يتم إعطاؤه.
وما يعطى عن الحياة البشرية هو أنّ الإنسان في المقام الأول ولد في مجتمع الأسرة، ويعتمد عليه لسنوات من أجل البقاء، ولذلك الإنسان يزدهر كبشر داخل مجتمعات اجتماعية وسياسية مختلفة، حيث إنّ الأخلاق تكمن في التصرف بشكل جيد في هذه الأوضاع المعينة.