أخذ الفيلسوف توما الأكوينيالميتافيزيقيا على أنّها دراسة الوجود، أي دراسة الجوانب الأساسية للوجود التي تشكل كائنًا والتي بدونها لا يمكن أن تكون، ويتبع الفكر الميتافيزيقي الأكويني وجهة نظر أرسطية معدلة لكن عامة، ففي المقام الأول بالنسبة إلى الأكويني لا يمكن أن يكون الشيء ما لم يكن يمتلك فعلًا للوجود، وبالتالي فإنّ الشيء الذي يمتلك فعل الوجود يصبح جوهرًا أو وجودًا مركبًا.
وإذا كان للجوهر فعل الوجود، فإنّ فعل الوجود مقيد بذلك الجوهر الذي هو فعلته، والجوهر في حد ذاته هو تعريف الشيء، والأمثلة النموذجية لمركبات الجوهر أو الوجود هي مواد مادية، والمادة المادية على سبيل المثال قطة أو شجرة، هي مركب من المادة والشكل، وهذا المركب من المادة والشكل هو الذي يقال في المقام الأول أنّه موجود.
وبعبارة أخرى فإنّ المادة والشكل المركب لا تستند إلى أي شيء آخر ولا في أي شيء آخر، وهي المرجع الأساسي للوجود، بحيث يقال عن كل الأشياء الأخرى.
فلسفة الأكويني في تكوين الأجسام المادية:
إنّ اهتمام العلوم الطبيعية هو بالطبع الأشياء الطبيعية والأشياء المادية، والتي يمكن وصفها بأنّها ما يحدث نتيجة للتغيير والذي يخضع أيضًا للتغيير، وبناءً على ذلك فإنّ المهمة الأولى للفلسفة الطبيعية هي تحديد وتحليل الأشياء المادية.
أول شيء يجب ملاحظته بشأن هذا هو أنّ الافتراض نبدأ دراسته بالعالم الطبيعي، وذلك ليس بالأبجدية النهائية المفترضة التي يتم بها تهجئة الأشياء الكبيرة، ولكن بمفهوم غامض وشامل يشمل كل ما أصبح نتيجة تغيير ويخضع للتغيير، فيصبح قارئ الأكويني على دراية بهذا الافتراض، والتي تعلمها توماس منذ بداية كتاب فيزياءأرسطو.
الطريقة الطبيعية للقيام بذلك هي البدء من الأشياء الأكثر معرفة ووضوحًا لنا، والمضي قدمًا نحو الأشياء الأكثر وضوحًا والمعرفة بطبيعتها، حيث أنّ الأشياء نفسها ليست معروفة نسبيًا لنا ويمكن معرفتها بدون مؤهل، ولذلك يجب أن نتبع هذه الطريقة وأن نتقدم من ما هو أكثر غموضًا بطبيعته، ولكنه أوضح لنا نحو ما هو أكثر وضوحًا وأكثر معرفة بالطبيعة.
الآن ما هو واضح وجلي بالنسبة لنا في البداية هو الجماهير المرتبكة إلى حد ما، والتي أصبحت عناصرها ومبادئها معروفة لنا لاحقًا من خلال التحليل، ولذلك يجب أن نتقدم من المسلمات إلى التفاصيل، حيث إنّه بشكل كلي أكثر قابلية للمعرفة من أجل الإدراك الحسي، والعام هو نوع من الكل الذي يستوعب العديد من الأشياء داخله مثل الأجزاء، والذي يحدث نفس الشيء كثيرًا في علاقة الاسم بالصيغة.
ولتوضيح علاقة الاسم بالصيغة نضرب على سبيل المثال (الدائرة)، والتي تعني بشكل غامض نوعًا من الكل، فمن تعريفها تحلل هذه إلى تفاصيل، وبالمثل يبدأ الطفل من خلال الدعوة كل الرجال أب وجميع النساء أمهات ولكن فيما بعد يميز كل واحد منهم، لذلك على سبيل المثال في إعطاء الطريقة الأولى لإثبات وجود إله في الخلاصة اللاهوتية، سوف يلتزم توماس صراحة بهذا الأمر عندما يقول أنّه يجب علينا أن نبدأ بأكثر ما هو واضح لنا ألا وهو الحركة.
يسمي توماس الحركة من الأكثر إلى الأقل عمومية في العلم بما يعرف بترتيب التحديد أو تحديد الموضوع، حيث يكون الشراء الأول للأشياء الطبيعية عن طريق الشيء المادي أو الشيء الطبيعي، يتضمن ترتيب التحديد إيجاد خصائص الأشياء كما هو معروف من خلال هذا المفهوم العام، ثم بتحديد الموضوع بشكل أكبر، حيث يبحث المرء عن خصائص الأشياء المعروفة من خلال المفاهيم الأقل شيوعًا.
على سبيل المثال في هندسة المستوى يمكن للمرء أن يبدأ بالشكل المستوي ويكتشف ما ينتمي إليه على هذا النحو، ثم يلجأ المرء على سبيل المثال إلى المثلث ويبحث عن خصائصه وبعد ذلك ينتقل المرء إلى التدرج ومتساوي الساقين، ولذلك بعد تحديد ما هو صحيح للأشياء بقدر ما هي أشياء مادية، يواصل البحث عن خصائص الأشياء التي هي أشياء مادية من هذا النوع أو ذاك، وعلى سبيل المثال الأجسام الحية وغير الحية.
يؤكد توماس على تلك المقاطع في كتابات أرسطو الطبيعية التي تتحدث عن ترتيب التحديد، أي الاعتبارات التي تأتي أولاً والمفترضة مسبقًا لتلك التي تأتي لاحقًا، وفي عدة أماكن يبذل توماس جهدًا كبيرًا لترتيب كتابات أرسطو الطبيعية وفقًا لمبدأ أرسطو، وربما كان ذلك على وجه الخصوص في بداية تعليقه على المعنى والحساسية.
والفيزياء هي الخطوة الأولى في دراسة العالم الطبيعي وتُظهر القاعدة القائلة بأنّ ما نعرفه أولاً وأكثر سهولة هو العموميات، واللغة المستخدمة للتعبير عن المعرفة بهذه العموميات سيكون لها مهنة طويلة في الاستفسارات اللاحقة في كل من الفلسفة الطبيعية وما بعدها، وما يُعتقد أحيانًا أنّه مفردات تقنية ربما حتى كمصطلحات أرسطية.
حيث يرى توما الأكويني أنّه يمثل القاعدة المتمثلة في أننا نسمي الأشياء كما نعرفها، كما أننا نتعرف على أشياء أكثر صعوبة بعد الأشياء الأسهل، ونوسع اللغة المستخدمة للتحدث عن الأسهل وتعديلها إلى مجموعة متزايدة من المراجع .
فلسفة الأكويني في المادة والشكل:
يشير الفيلسوف توماس الأكويني إلى أنّ السمات المميزة لكيفية معرفتنا ببعض الموضوعات لا ينبغي أن تُنسب بشكل عام إلى هذا الموضوع كما لو كانت عناصر لما نعرفه عنه، ولذلك على الرغم من التفكير في الأشياء الطبيعية أولاً وتحليلها في المصطلحات الأكثر عمومية، فلا توجد أي أشياء مادية عامة ولكن فقط أشياء معينة.
وهكذا في سعيه لتمييز ما هو صحيح عن أي شيء أصبح نتيجة للتغيير وخاضعًا للتغيير حتى يتوقف عن الوجود، فقد كان على أرسطو أن يبدأ بمثال معين للتغيير، بحيث يكون مثال واضح جدًا لدرجة أنّه لا يصرف انتباهه عن أي صعوبات في قبول ذلك على هذا النحو في عبارة: “الرجل يصبح موسيقي”، حيث يكتسب شخص ما مهارة لم تكن لديه من قبل، وهنا يدقق توماس في التحليل الذي يقدمه أرسطو لمثال التغيير هذا ونتاجه.
ويمكن التعبير عن التغيير بثلاث طرق:
1- يصبح الرجل موسيقيًا.
2- ما هو غير موسيقي يصبح موسيقيًا.
3- يصبح الرجل غير الموسيقي موسيقيًا.
فهذه ثلاثة تعبيرات مختلفة لنفس التغيير، وكلها تعرض الشكل (A) يصبح ويتغير إلى (B)، ولكن يمكن أيضًا التعبير عن التغيير على أنّه من (A) و (B)، وهنا السؤال هل يمكن إعادة صياغة (1 و 2 و 3) بالشكل الثاني؟
يبدو أنّ قول: “من غير الموسيقي تأتي الموسيقى” و “من رجل غير موسيقي تصبح الموسيقى” بدائل مقبولة، ولكن “من رجل تأتي الموسيقى” ستمنحنا وقفة، ولكن لماذا هذه الوقفة؟، فعلى عكس (A) يصبح (B)، فإنّ النموذج التغيير على أنه من (B) و (A)، يشير إلى أنّه لكي يظهر (B) فإنّه يجب أن يتوقف (A) عن الوجود.
وهذا يؤسس للتمييز بين الموضوع النحوي للجملة التي تعبر عن التغيير وموضوع التغيير، وتعريف موضوع التغيير هو ذلك الذي يُنسب إليه التغيير والذي ينجو منه، وبذلك فإنّ المواد النحوية في 2 و 3 لا تعبر عن موضوع التغيير، ولكن فقط في 1 يكون الذات النحوية معبرة عن موضوع التغيير.
يوضح هذا أنّ التعبيرات المختلفة للتغيير تنطوي على شيئين غير موضوع التغيير، وهما خصائص الموضوع قبل التغيير (غير الموسيقي) وبعده (الموسيقي)، وتحصل عناصر التغيير هذه على الأسماء التي تلتصق بمثال آخر وهو الخشب المقطوع، حيث أنّ مصطلح الخشب في اليونانية هو (hyle) ومصطلح الشكل ، المحيط الخارجي لشيء ما هو (morphe).
بينما في اللغة الإنجليزية يستخدم النموذج وهو مرادف للشكل للتعبير عن الخاصية التي يكتسبها الموضوع نتيجة للتغيير، على سبيل المثال الموسيقي، حيث يسمى توصيف الموضوع قبل التغيير بأنّه لا يحتوي على النموذج عدم الوجود، وباستخدام هذه اللغة باعتبارها لغة قانونية يتحدث أرسطو عن موضوع التغيير باعتباره أسلوبه أو مادته، والشخصية التي يكتسبها باعتباره (morphe) أو شكله، وافتقاره السابق إلى الشكل باعتباره غير موجودًا له.
وسيشمل أي تغيير هذه العناصر الثلاثة وهي: المادة والشكل وعدم الوجود، والذي يتضمن ناتج التغيير شيئين وهما: المادة والشكل، حيث يحدث التغيير في مختلف فئات الجودة والكمية والمكان وما إلى ذلك، وفي جميع الأحوال يتم استخدام مصطلحات المادة والشكل وعدم الوجود أو الحرمان.