فلسفة الاختلافات المفاهيمية للاستقلالية

اقرأ في هذا المقال


تنوع السياقات التي اقترح فيها مفهوم وظائف الاستقلالية للكثيرين أنّ هناك ببساطة عددًا من المفاهيم المختلفة، وأنّ الكلمة تشير ببساطة إلى عناصر مختلفة في كل من تلك السياقات، وادعى آخرون أنّه في حين قد يكون هناك مفهوم واحد شامل للاستقلالية، فيجب أن نفكر من حيث الأبعاد القابلة للفصل بدلاً من فكرة الكل أو لا شيء.

مفهوم الاستقلالية لدى فاينبرج:

 ادعى الفيلسوف فاينبرج أنّهناك على الأقل أربعة معاني مختلفة لـ(الاستقلالية) في الفلسفة الأخلاقية والسياسية:

1- القدرة على حكم الذات.

2- الظروف الفعلية للحكم الذاتي.

3- المثل الأعلى الشخصي.

4– مجموعة الحقوق التي تعبر عن سيادة الفرد على نفسه.

قد يجادل المرء في أنّ المركزية لجميع هذه الاستخدامات هي مفهوم الشخص القادر على التصرف والتفكير والاختيار على أساس العوامل التي هي بطريقة ما خاصة به أي أصيلة بمعنى ما، ومع ذلك من الواضح أنّ صياغة نظرية للمفهوم ستتضمن أكثر من مجرد الكشف عن التفاصيل الغامضة لجوهر الفكرة، لأنّ الاستقلالية مثل العديد من المفاهيم المركزية للنقاش الأخلاقي أو السياسي المثير للجدل وهي نفسها محل نزاع.

فلسفة الفرق بين الحكم الذاتي والاستقلالية:

يبدو إنّ نظرية الاستقلالية هي ببساطة نموذج مفاهيمي يهدف إلى التقاط المعنى العام للحكم الذاتي أي الأفكار التي تعترف بوضوح بتقلباتها الخاصة، والتي يمكن استخدامها لدعم المبادئ أو السياسات النظرية يحاول تبريرها.

تتضمن فكرة الحكم الذاتي عنصرين:

1- استقلالية مداولات المرء واختياره من التلاعب من قبل الآخرين.

2- القدرة على حكم الذات.

ومع ذلك فإنّ القدرة على حكم الذات تكمن في جوهر المفهوم لأنّ الحساب الكامل لهذه القدرة سوف يستلزم بالتأكيد التحرر من التلاعب الخارجي الذي يميز الاستقلال، وفي الواقع يمكن الادعاء بأنّ الاستقلال في حد ذاته ليس له معنى ثابت أو ارتباط ضروري بالحكم الذاتي ما لم نعرف أنواع الاستقلال المطلوبة للحكم الذاتي.

شروط الحكم الذاتي:

بالتركيز إذن على متطلبات الحكم الذاتي يمكن الادعاء أنّه لكي يحكم المرء نفسه يجب أن يكون في وضع يسمح له بالتصرف بكفاءة بناءً على الرغبات من القيم والظروف، والتي هي بمعنى ما خاصة به.

ينتقي هذا عائلتين من الشروط التي غالبًا ما يتم تقديمها في مفاهيم الاستقلالية:

1- شروط الكفاءة: وتتضمن قدرات متنوعة على التفكير العقلاني وضبط النفس والتحرر من الأمراض المنهكة والخداع الذاتي المنهجي وما إلى ذلك.

2- شروط الأصالة: غالبًا ما تتضمن شروط الأصالة القدرة على التفكير والتأييد أو التماثل مع رغبات الفرد وقيمه وما إلى ذلك، وتدّعي أكثر نماذج الأصالة تأثيرًا في هذا السياق أنّ الاستقلالية تتطلب تحديدًا من الدرجة الثانية مع الرغبات من الدرجة الأولى.

بالنسبة لفرانكفورت على سبيل المثال يجب أن يكون لهذه الرغبات من الدرجة الثانية في الواقع بنية الإرادة، أي الرغبة في أنّ الدرجة الأولى ترغب في القضية قيد التنفيذ وأن تشكل إرادة الفرد، وعلاوة على ذلك يجب أن يكون هذا التعريف من وجهة نظره (صادقًا) حتى يتم اعتبار الإجراء الناتج حرًا أي مستقل.

الانتقادات والاعتراضات على مفهوم الاستقلالية:

كان هذا النهج العام للاستقلالية مؤثرًا للغاية وقد طوّر العديد من الكتاب تنويعات منه ودافعوا عنه ضد الاعتراضات، وتتعلق أبرز الاعتراضات:

1- الغموض القاتل لمفهوم (التماثل).

2- التهديد بانحدار لانهائي للظروف.

تحيط المشكلة الأولى بالطرق المختلفة التي يمكن أن يقال عنها (يتماهى) مع الرغبة، وكل منها يجعل وجهة النظر مشبوهة من الناحية المفاهيمية، وإما أن يتطابق المرء مع جانب من جوانب الذات بمعنى الاعتراف به ببساطة (بدون حكم) أو يتطابق مع الرغبة في الشعور الطموح والموافقة لهذا المصطلح، ومع ذلك في الحالة الأولى من الواضح أنّ تحديد الهوية لن يكون علامة ثابتة على الاستقلال الذاتي، لأنّه يمكن بسهولة تحديد أي شكل من أشكال الإدمان أو التضييق أو الجوانب المفروضة على بنيته باعتباره جزءًا من نفسه.

لكن الموافقة على سمة ما يمثل أيضًا مشكلة كشرط للاستقلالية، لأنّ هناك العديد من الجوانب الأصيلة تمامًا لنفسي (تلك التي يمكنني ويجب أن أتحمل المسؤولية الكاملة عنها على سبيل المثال) والتي لا أوافق عليها تمامًا وأنا لست مثاليًا، ولكن هل يعني ذلك أنني لست مستقلاً؟

يؤكد هذا النموذج على التأمل الذاتي الداخلي والاستقلال الإجرائي، ومع ذلك فإنّ وجهة النظر لا تتضمن أي شروط حول محتوى الرغبات والقيم وما إلى ذلك والتي بموجبها يعتبر المرء مستقلاً، ولا يوجد شرط أن يتصرف المرء من الرغبات بشكل مستقل عن الآخرين، وإذا كان هناك شرط من هذا القبيل فإنّه ينطوي على ما يسمى (الاستقلال الموضوعي).

أصر بعض الكتاب على أنّ الشخص المستقل يجب أن يتمتع بالاستقلال الموضوعي وكذلك الاستقلال الإجرائي، والدافع لمثل هذا الموقف هو فكرة أنّه لا ينبغي اعتبار الشخص الخاضع لمواقف الحياة المقيدة مستقلاً بغض النظر عن مدى كونه طوعيًا أو مستقلًا هو الخيار الذي وضعه في هذا الموقف.

ومع ذلك فإنّ هذا الادعاء يهدد بسرقة إسناد الاستقلالية لأي مطالبة بحيادية القيمة التي قد تحملها بخلاف ذلك، لأنّه إذا لم يكن المرء من الناحية النظرية مستقلاً عندما يختار المرء بحرية وعقلانية ودون تلاعب الدخول في ظروف الاختيار المحدود للغاية، فإنّ المفهوم يقتصر فقط على أنماط الحياة وممارسات القيمة التي يُنظر إليها على أنّها مقبولة من وجهة نظر سياسية أو نظرية معينة.

وردًا على ذلك تم الادعاء بأنّ مثل هذا الحياد الإجرائي لا يمكن أن يعبر عن القيمة التي يتمتع بها الاستقلال الذاتي للناس، وعلاوة على ذلك يمكن أن تكون النظرة (الموضوعية الضعيفة) متوافقة مع الشكل السياسي لليبرالية طالما أنّ القيم المتأصلة في المفهوم يمكن أن تكون مقبولة من قبل الأشخاص المعقولين في توافق متداخل.

يركز أحد الاختلافات في نموذج التأمل الذاتي الداخلي على أهمية التاريخ الشخصي للوكيل كعنصر من عناصر استقلاليتها، وبناءً على هذه الآراء فإنّ مسألة ما إذا كان الشخص يتمتع بالاستقلالية في وقت ما يعتمد على العمليات التي أصبح من خلالها على ما هو عليه، وليس من الواضح أنّ مثل هذا التركيز سيكون قادرًا على تجنب المشاكل المثارة حول نماذج الانعكاس الداخلي، ولكن مثل هذه الخطوة تحاول تبني مفهوم ذاتي للحكم الذاتي ليس اجتماعيًا فحسب بل منظم بشكل غير متزامن.

بالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالقلق من فرضية التأييد الذاتي التأملي فإنّ النهج البديل هو مساواة الاستقلالية مع مجرد مجموعة من الكفاءات، مثل القدرة على الاختيار بشكل متعمد وعقلاني، وكما يدعي بيروفسكي بشكل موضوعي، وهذا يحدد الاستقلالية في القدرة العامة على الاستجابة للأسباب وليس على سبيل المثال في أعمال التعريف الذاتي الداخلي.

ومع ذلك حتى في هذه الحسابات فإنّ القدرة على التفكير بشكل نقدي وانعكاسي ضرورية للاستقلالية كواحدة من الكفاءات المعنية، على الرغم من أنّ الفكر التأملي المطلوب لا يحتاج إلى الإشارة إلى القيم أو المثل العليا.

وقد أثيرت صعوبات أخرى مع شرط التقييم الذاتي من الدرجة الثانية للحكم الذاتي، لأنّه من غير الواضح أنّ مثل هذه الأحكام ذات المستوى الأعلى لها أي ادعاء أكبر بالأصالة من أبناء عمومتها من الدرجة الأولى، ومن الواضح أنّه إذا تم التلاعب بشخص ما أو اضطهاده (وبالتالي غير مستقل)، فمن الممكن أن تكون الأحكام العاكسة التي تصدرها عن نفسها ملوثة تمامًا بهذا الاضطهاد مثل قراراته على مستوى الأرض، وغالبًا ما تكون أصواتنا العاكسة من الدرجة الثانية هي مجرد تبريرات وأفعال لخداع الذات وليست جوانب حقيقية ومستقرة لشخصيتنا.

وقد أدى ذلك إلى الاتهام بأنّ نماذج الاستقلالية التي تتطلب المصادقة من الدرجة الثانية تقدم فقط ارتدادًا لانهائيًا، لأنّ أحكام المستوى الثاني يجب اختبارها للتأكد من صحتها بنفس طريقة الرغبات من الدرجة الأولى، ولكن إذا كان الأمر كذلك إذن ستتم المطالبة بمستويات أعلى من التأييد، وتم إجراء استجابات مختلفة لهذه المشكلة في معظمها تضمنت إضافة شروط تتعلق بالطريقة التي يجب أن يتم بها التفكير، على سبيل المثال أنّه يجب أن يكون خاليًا من بعض العوامل المشوهة نفسها، ويجب أن يعكس تاريخًا سببيًا مناسبًا وما شابه ذلك.


شارك المقالة: