فلسفة التجربة الجمالية

اقرأ في هذا المقال


تشير هذه الاعتبارات إلى النهج الذي يبدأ بالتجربة الجمالية، وذلك باعتباره الأكثر احتمالية لالتقاط النطاق الكامل للظواهر الجمالية دون التوسل إلى الأسئلة الفلسفية المهمة حول طبيعتها، ويثير التساؤل حول هل يمكننا بعد ذلك تحديد كلية أو موقف أو نمط حكم أو شكل من أشكال الخبرة الجمالية المميزة؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل يمكننا أن ننسب إليه الأهمية التي من شأنها أن تجعل هذا المشروع الفلسفي مهمًا في حد ذاته ومرتبطًا بالعديد من الأسئلة التي يطرحها الجمال والنقد والفن؟

وقد ركز عدد من الفلاسفة خلال العقدين الماضيين الانتباه على الطبيعة الأساسية أو الهوية للتجربة الجمالية، بحيث ما الذي يجعل التجربة تمتلك الصفة الجمالية، أو أي نوع من الخبرة هي التجربة الجمالية؟

أقسام التجربة الجمالية:

يمكن تقسيم نظريات التجربة الجمالية إلى نوعين وفقًا لنوع الميزة التي تمت مناقشتها في شرح ما يصنع التجربة الجمالية، حيث تستدعي النظريات الداخلية السمات الداخلية للتجربة، والتي عادةً إلى السمات الظاهراتية.

في حين أنّ النظريات الخارجية تناشد الميزات الخارجية للتجربة، والتي عادةً إلى ميزات الكائن الذي يتم اختباره، إنّ التمييز بين النظريات الداخلية والخارجية للتجربة الجمالية مشابه، وإن لم يكن متطابقًا مع التمييز بين المفاهيم الظاهراتية والمعرفية للتجربة الجمالية التي رسمها غاري إيزمينغر (Gary Iseminger).

فلسفة النظريات الداخلية في التجربة الجمالية:

سادت نظريات الأفكار الداخلية ولا سيما نظريات جون ديوي (1934) ومونرو بيردسلي (1958)، خلال الأجزاء المبكرة والمتوسطة من القرن العشرين، بينما كانت النظريات الخارجية بما في ذلك بيردسلي (1982) وجورج ديكي (1988) في صعود منذ ذلك الحين.

حيث تقدم آراء بيردسلي حول التجربة الجمالية ادعاءً قويًا باهتمامنا، بالنظر إلى أنّه يمكن القول إنّ بيردسلي قد ألف النظرية الداخلية التي بلغت ذروتها بالإضافة إلى النظرية الخارجية التأسيسية، وتقدم انتقادات ديكي لنزعة بيردسلي الداخلية ادعاءً قويًا بنفس القدر، حيث إنّها نقلت بيردسلي ومعه أي شخص آخر من الداخلية إلى الخارجية.

وفقًا لنسخة الداخلية التي يتقدم بها بيردسلي في جمالياته في عام 1958، فإنّ جميع التجارب الجمالية تشترك في ثلاث أو أربع سمات وذلك اعتمادًا على طريقة عد المرء، والتي اكتشفها بعض الكتاب من خلال التأمل الحاد، والتي يمكن لكل منا اختبارها من خلال تجربته الخاصة.

هذه هو التركيز (أي التجربة الجمالية هي تجربة التي يتم فيها تثبيت الانتباه بقوة على موضوعها)، والشدة والوحدة حيث تكون الوحدة مسألة تماسك واكتمال، والتماسك بدوره هو مسألة وجود عناصر مرتبطة بشكل صحيح ببعضها البعض كما أوضحها بيردسلي بأنّ الشيء الواحد يؤدي إلى آخر، واستمرارية التطور بدون فجوات أو فراغات ميتة، وإحساس بالنمط الإلهي الشامل للتوجيه، وتراكم منظم للطاقة نحو الذروة موجود بدرجة غير عادية.

على النقيض من ذلك فإنّ الاستيفاء مسألة لها عناصر توازن أو تحل بعضها البعض بحيث يكون الكل منفصلاً عن العناصر بدونها، بحيث يتم الشعور بأنّ الدوافع والتوقعات التي تثيرها عناصر داخل التجربة يتم موازنتها أو حلها بواسطة عناصر أخرى داخل التجربة، وبذلك يتم تحقيق درجة معينة من التوازن أو النهاية والاستمتاع بها، والتجربة تنفصل عن نفسها بل وتعزل نفسها عن تدخل العناصر الغريبة.

إنّ أكثر انتقادات الفيلسوف جورج ديكي أهمية لنظرية بيردسلي، هي أنّ بيردسلي في وصفه لظواهر التجربة الجمالية قد فشل في التمييز بين السمات التي نختبر بها الأشياء الجمالية على أنّها تمتلك والميزات الجمالية التي تتمتع بها التجارب نفسها.

ولذلك في حين أنّ كل ميزة مذكورة في وصف بيردسلي لترابط التجربة الجمالية، واستمرارية التطور وغياب الفجوات وتزايد الطاقة نحو الذروة، هي بالتأكيد سمة نختبر بها الأشياء الجمالية، فلا يوجد سبب للتفكير فيها التجربة الجمالية نفسها تحتوي على أي من هذه الميزات.

فقد لاحظ الفيلسوف ديكي أنّ كل ما يُشار إليه في وصف بيردسلي للتماسك هو خاصية إدراكية وليس تأثيرًا للخصائص الإدراكية، وبالتالي لا يوجد أساس لاستنتاج أنّ التجربة يمكن توحيدها بمعنى كونها متماسكة، وما يتم النقاش حوله في الواقع هو أنّ الأشياء الجمالية متماسكة، وهي نتيجة يجب منحها ولكن ليس النتيجة ذات الصلة.

فلسفة النظريات الخارجية في التجربة الجمالية:

يثير الفيلسوف ديكي أيضًا قلقًا بشأن وصف بيردسلي لاكتمال التجربة الجمالية، وذلك بأنّه يمكن للمرء أن يتحدث عن عناصر متوازنة في اللوحة ويقول إنّ اللوحة مستقرة ومتوازنة وما إلى ذلك، ولكن ماذا يعني أن نقول إنّ تجربة المتفرج في اللوحة مستقرة أو متوازنة؟

يجيب الفيلسوف ديكي على ذلك بأنّ النظر إلى لوحة في بعض الحالات قد يساعد بعض الأشخاص في الشعور بالاستقرار لأنّها قد تشتت انتباههم عن كل ما يزعجهم، ولكن مثل هذه الحالات غير نمطية من التقدير الجمالي ولا صلة لها بالنظرية الجمالية، وهذه أليست الخصائص التي تُعزى إلى اللوحة التي تم نقلها بالخطأ إلى المتفرج؟

على الرغم من أنّ هذه الاعتراضات تبين أنّها مجرد بداية للنقاش بين ديكي وبيردسلي حول طبيعة التجربة الجمالية، إلّا أنّهما قطعا شوطًا طويلاً نحو تشكيل هذا النقاش، والذي قد يُنظر إليه على أنّه عمل من إجابة على السؤال التالي: ماذا يمكن أن تكون نظرية التجربة الجمالية التي تأخذ على محمل الجد التمييز بين تجربة السمات وخصائص التجربة؟

تبين أنّ الإجابة كانت نظرية خارجية من النوع الذي قدمه بيردسلي في مقال عام 1982 بعنوان (وجهة النظر الجمالية)، والذي تقدم به العديد من الآخرين منذ ذلك الحين، فالنظرية تعتبر التجربة الجمالية وفقًا لها مجرد تجربة ذات محتوى جمالي، وعلى سبيل المثال تجربة كائن على أنّه يمتلك السمات الجمالية التي يمتلكها.

لم يكن التحول من النزعة الداخلية إلى الخارجية بدون تكاليف، فقد كان لابد من التخلي عن أحد الطموحات المركزية للداخلية، وهو تحديد معنى الجمالية من خلال ربطها بسمات خاصة بالتجربة الجمالية، ولكن تم الإبقاء على طموح ثانٍ بنفس القدر من المركزية، وهو حساب القيمة الجمالية من خلال ربطها بقيمة التجربة الجمالية.

في الواقع كُتب معظم كل ما كتب عن التجربة الجمالية منذ مناظرة بيردسلي وديكي لخدمة وجهة النظر القائلة بأنّ الشيء له قيمة جمالية بقدر ما يوفر خبرة قيمة عند إدراكه بشكل صحيح، وهذه النظرة التي أصبحت تسمى التجريبية حول القيمة الجمالية، ونظرًا لأنّها تقلل من القيمة الجمالية إلى قيمة التجربة الجمالية.

قد جذبت العديد من المدافعين على مدار السنوات العديدة الماضية من أمثال: بيردسلي 1982 وبود 1985 و 1995 وجولدمان 1995 و 2006 والتون 1993 وليفنسون 1996 و 2006 وميلر 1998 ورايلتون 1998 وإيزمينغر 2004، بينما أثارت انتقادات قليلة نسبيًا لدى زانجويل 1999 وشارب 2000 وديفيز 2004 وكيران 2005. ومع ذلك يمكن التساؤل عما إذا كانت التجريبية حول القيمة الجمالية عرضة لنسخة من النقد الذي أدى إلى النزعة الداخلية.


شارك المقالة: