فلسفة الحكم الجمالي ونقد الأطروحة الفورية

اقرأ في هذا المقال


لقد كان علم الجمال التحليلي مهووسًا بالحكم الجمالي الناضج والمستنير تاريخيًا، ولكن الغالبية العظمى من التفاعل مع الفن فشل في أن يتخذ شكل هذا النوع من الحكم، وبشكل حاسم يبدو أنّ هناك انفصالًا بين الاستمتاع بالفن وتشكيل أحكام ناضجة ومستنيرة حوله، ومن هنا تأتي الدراسات الفلسفية التي تهدف إلى تحويل التركيز بعيدًا عن الأحكام الجمالية إلى طرق التعامل مع الأعمال الفنية التي تكون أكثر إمتاعًا ومكافأة وتحدث لنا كثيرًا.

يبدو أنّه يجب فرز النقاش الخاص والعام في الحكم الجمالي للمفكرين والفلاسفة، حيث من المساهمات المهمة على الصعيد الخاص كما يلي:

1- التواصل النقدي لأرنولد إيزنبرغ في عام 1949.

2- المفاهيم الجمالية لفرانك سيبلي، في سيبلي 2001.

3- استعادة جمال ماري ماذرسيل في عام 1984.

أما من النقاشات والمساهمات في الجانب العام:

1- جماليات مونرو بيردسلي في عام 1958.

2- عمومية الأسباب الحرجة في عام 1962.

3- الأسباب العامة والمعايير في الجماليات لسيبلي، في سيبلي في عام 2001.

4- فن التقييم لجورج ديكي في عام 1987.

5- الردود على الحجج التي تشير إلى أنّ تقييمات النقاد القوية لا يمكن استنتاجها بشكل سليم لستيفن ديفيز عام 1995.

6- الأسباب العامة ولكن القابلة للتنفيذ في التقييم الجمالي: النزاع العام أو الخاص لجون بندر عام 1995.

فلسفة أرنولد إيزنبرغ في الحكم الجمالي

لا بد أنّه من بين هؤلاء المساهمين على الصعيد النقاشات الخاصة والعامة فإنّه يمكن القول إنّ أوراق إيزنبرغ وسيبلي تمتعت بأكبر تأثير، حيث تقر إيزنبرغ بأننا غالبًا ما نلجأ إلى السمات الوصفية للأعمال لدعم أحكامنا على قيمتها، وتسمح بأنّ هذا قد يجعل الأمر يبدو كما لو أننا يجب أن نناشد المبادئ في إصدار تلك الأحكام.

فإذا قام الناقد بتقديم دعماً لحكم إيجابي على بعض اللوحات، فإنّه يناشد الكفاف الموجي الذي تشكله الأشكال المتجمعة في المقدمة، فقد يبدو كما لو أنّ حكمه يجب أن ينطوي على استئناف ضمني لمبدأ أنّ أي لوحة لها مثل هذا الكفاف هي الافضل بكثير.

ولكن إيزنبرغ تجادل بأنّ هذا لا يمكن أن يكون، حيث لا أحد يوافق على أي مبدأ من هذا القبيل: “لا يوجد في كل نقد العالم عبارة وصفية بحتة واحدة بشأن ما يمكن للمرء أن يقوله مسبقًا، فإذا كان هذا صحيحًا سأحب هذا العمل بشكل أفضل بكثير”.

ولكن إذا كنا في مناشدة السمات الوصفية للعمل لا نعترف بالمناشدات الضمنية للمبادئ التي تربط هذه السمات بالقيمة الجمالية، فماذا نفعل؟ تعتقد إيزنبرغ أننا نقدم توجيهات لإدراك العمل، أي من خلال تمييز ميزات معينة فإننا نحدد مجال التوجهات المرئية المحتملة، وبالتالي نوجه الآخرين في تمييز التفاصيل المنظمة من الأجزاء وتجميع الأشياء المنفصلة في أنماط، وبهذه الطريقة نجعل الآخرين يرون ما رأيناه، بدلاً من جعلهم يستنتجون من المبدأ ما استنتجناه.

نقد جون بندر للأطروحة الفورية للحكم الجمالي

بالنظر إلى الدرجة التي يستمر بها الفيلسوفان إيمانويل كانط وديفيد هيوم في التأثير على التفكير في الحكم الجمالي أو الحكم النقدي على نطاق أوسع، وبالنظر إلى الدرجة التي يواصل بها سيبلي وإيزنبرغ التحريض على هذا التأثير، ليس من المستغرب أن يتم قبول أطروحة الفورية على نطاق واسع الآن، وبالرغم من ذلك فقد تعرضت الأطروحة للهجوم لا سيما من قبل ستيفن ديفيز في عام 1990 وجون بندر في عام 1995.

ويُذكر أنّ إيزنبرغ تؤكد أنّه إذا كان الناقد يجادل في حكمها، فيجب أن تذهب حجتها إلى شيء على النحو التالي:

1- الأعمال الفنية التي لها (p) هي أفضل لوجود (p).

2- (W) هو عمل فني له (p).

3- لذلك فإنّ (W) هو الأفضل بكثير لوجود (p).

نظرًا لأنّ المبدأ النقدي المعبر عنه في المقدمة رقم (1) مفتوح للمثال المضاد، وبغض النظر عن الخاصية التي نستبدلها بـ (p)، تستنتج إيزنبرغ أنّه لا يمكننا تفسير الناقد بشكل معقول على أنّه يدافع عن حكمها، وبدلاً من الدفاع عن المبدأ المعرب عنه في المقدمة رقم (1)، يطرح كل من ديفيز وبندر مبادئ بديلة بما يتفق مع حقيقة أنّه لا توجد ملكية جيدة في جميع الأعمال الفنية، والتي ينسبونها إلى الناقد.

يقترح ديفيز أننا نفسر الناقد على أنّه يجادل بشكل استنتاجي من المبادئ النسبية إلى النوع الفني، أي من المبادئ التي تنص على أنّ الأعمال الفنية من أنواع أو فئات معينة لها (p) أفضل في امتلاكها، وهذه الأعمال من مثل لوحات عصر النهضة الإيطالية والسمفونيات الرومانسية وهوليوود ويسترنز وما إلى ذلك.

كما يقترح بندر أننا نفسر الناقد على أنّه يجادل بشكل استقرائي من مبادئ تعبر عن مجرد ميول تمسك بين خصائص وأعمال فنية معينة وكذلك مبادئ، وبعبارة أخرى يؤكد أنّ الأعمال الفنية التي لها (p) تميل إلى أن تكون أفضل لامتلاكها.

نقد فرانك ديفيز للأطروحة الفورية للحكم الجمالي

من المتعارف عليه أنّ كل اقتراح له نقاط الضعف والقوة الخاصة به، والمشكلة في نهج بندر هي أنّ النقاد لا يبدو أنّهم يصيغون أحكامهم من منظور احتمالي، وإذا كان الناقد يقول إنّ العمل من المحتمل أن يكون جيدًا أو يكاد يكون مؤكدًا جيدًا، أو حتى أنّه لديه أعلى ثقة بأنّه يجب أن يكون جيدًا فإنّ لغته تشير إلى أنّها لم تختبر العمل بنفسها، وربما أنّها حكمت على العمل بناءً على شهادة شخص آخر، وبالتالي لم تكن ناقدة على الإطلاق.

لذلك سيكون لدينا سبب وجيه لتفضيل نهج ديفيز الاستنتاجي، فقط إذا كان لدينا سبب وجيه للاعتقاد بأنّ نسبية المبادئ النقدية إلى النوع الفني قد أزال التهديد الأصلي للمثال المضاد، وعلى الرغم من أنّه من الواضح أنّ مثل هذه النسبية تقلل من العدد النسبي للأمثلة المضادة، إلّا أننا نحتاج إلى سبب وجيه للاعتقاد بأنّها تقلل هذا الرقم إلى الصفر، ولم يقدم ديفيز مثل هذا السبب، وعلى النقيض من ذلك لا يمكن دحض نهج بندر الاستقرائي من خلال المثال المقابل، ولكن فقط من خلال الاتجاه المضاد.

إذا جادل الناقد من حقيقة المبدأ إلى حقيقة الحكم كما يجادل كل من ديفيز وبندر، فإنّه يجب أن يكون من الممكن له إثبات حقيقة المبدأ قبل إثبات حقيقة الحكم، وكيف يمكنه أن يفعل هذا؟ يبدو أنّه من غير المحتمل أنّ مجرد التفكير في طبيعة الفن أو في طبيعة أنواع الفن يمكن أن يفضي إلى القوائم ذات الصلة بخصائص الصنع الجيد والسيئ، على الأقل لم تنتج الأدبيات بعد وصفًا واعدًا لكيفية القيام بذلك، لذلك تبدو الملاحظة هي الإجابة الواعدة.

إنّ القول يشير بأنّ الناقد يؤسس حقيقة المبادئ النقدية على أساس الملاحظة، ومع ذلك يعني القول إنّه يؤسس علاقة متبادلة بين بعض الأعمال الفنية التي أسسها بالفعل لتكون جيدة وبعض الخصائص التي أسسها بالفعل لتلك الأعمال.

ولكن بعد ذلك فإنّ أي قدرة على إثبات أنّ الأعمال جيدة من خلال الاستدلال من المبادئ تعتمد بشكل واضح على بعض القدرة على إثبات أنّ الأعمال جيدة دون أي استدلال من هذا القبيل، ويطرح السؤال لماذا يجب على الناقد أن يفضل أن يفعل ذلك من خلال الاستدلال على ما يمكنه فعله جيدًا بدونه.

ولا يمكن أن تكون الإجابة هي أنّ الحكم من خلال الاستدلال من المبدأ يؤدي إلى نتائج أفضل من الناحية المعرفية، لأنّ المبدأ القائم على الملاحظات لا يمكن أن يكون أكثر صحة من الناحية المعرفية من الملاحظات التي يقوم عليها، ولا يُظهر أي من هذا أنّه لا يمكن أبدًا الاستدلال على الحكم الجمالي أو النقدي من المبادئ، ومع ذلك فإنّه يشير إلى أنّ مثل هذا الحكم هو أولاً وقبل كل شيء غير استنتاجي، وهو ما تحمله الأطروحة الفورية.


شارك المقالة: