اقرأ في هذا المقال
- تعريف النفعية والطبيعية
- فلسفة ميل في مناهضة الأولوية
- فلسفة ميل في الجمعيات
- فلسفة ميل بخصوص المجال الذاتي
كان جون ستيوارت ميل أكثر فيلسوف إنجليزي تأثيرًا في القرن التاسع عشر، وكان عالمًا طبيعيًا ونفعيًا وليبراليًا، يستكشف من عمله عواقب النظرة التجريبية الشاملة، وبذلك سعى إلى الجمع بين أفضل أفكار التنوير في القرن الثامن عشر مع التيارات الناشئة حديثًا للفلسفة الرومانسية والتاريخية في القرن التاسع عشر، وتشمل أهم أعماله نظام المنطق (1843)، وفي الحرية (1859)، والنفعية (1861)، وفحص فلسفة السير ويليام هاملتون (1865).
تعريف النفعية والطبيعية:
النفعية كما عبر عنها مؤيدها الواسع المعرفة جون ستيوارت ميل هي: العقيدة التي تقبل كأساس للأخلاق أو المنفعة أو مبدأ السعادة الأعظم، وترى أنّ الأفعال صحيحة في التناسب لأنّها تميل إلى تعزيز السعادة والخاطئة لأنّها تميل إلى إنتاج عكس السعادة، ومن السعادة المقصود اللذة وغياب الألم، عن طريق التعاسة والألم والحرمان من المتعة، ويمكن القول أنّ ميل أحد أكثر مؤيدي النفعية مصقولًا، وإنّ توضيحه لتجاوزات أبيقور وتجنب حساب التفاضل والتكامل غير العملي لبنثام يجعل منه منصة محترمة للغاية.
بروح من العلم الصادق يعترف ميل بأنّ العديد من علماء الأخلاق بطيئون في الاعتراف بأنّه لا توجد نظرية أخلاقية خالية من التوتر، ويلاحظ بحكمة أنّه: لا يوجد نظام أخلاقي لا تنشأ بموجبه حالات واضحة للالتزام المتضارب، ودورًا رئيسيًا في تقدم الفلسفة الغربية.
فلسفة ميل في مناهضة الأولوية:
إنّ النظرة الفلسفية لميل بالكامل مستوحاة من روح الطبيعية، ومع ذلك ليس من السهل الحصول على موطئ قدم في هذه الطبيعية، ويتم إنشاء الصورة العامة للعقل والعالم لدى ميل من خلال مناشدة ما يبرر لنا الإيمان بطبيعة تلك الأشياء، وبالتالي فهي تعتمد على حساب جوهري للمعرفة.
ومع ذلك فإنّ روايته للمعرفة تعتمد على صورته العامة للعقل والعالم والعلاقة بينهما، وبالتالي تعتمد على نظرية لما هو موجود، وهو لما قام بمناقشته حول (دعم الذات أم تقويض الذات؟) كنقطة دخول إلى نظام ميل الشامل لأغراض العرض، ومع ذلك قد نلاحظ ببساطة التزام ميل بالادعاء بأنّ البشر هم جزء من الطبيعة بالكامل، ومع الأخذ في الاعتبار أنّ ميل لا يعتبر هذا على أنّه نقطة انطلاقه غير المدعومة ولكن في حد ذاته مطالبة جوهرية.
قد يكون من المفيد مقارنة اعتقاد ميل بأنّ العقل جزء من الطبيعة مع هؤلاء الفلاسفة الذين يعتقدون أنّ للعقل مكانة مرموقة في ترتيب الأشياء والتناقضات ذات الصلة، على سبيل المثال المؤيدون الذين يعتقدون أنّ عقولنا قد أعطيت لنا من قبل الله القدير والخير لغرض الفهم، والمثاليون الذين يعتقدون أنّ العقل له دور تكويني في بناء العالم.
بالنسبة لمثل هؤلاء المفكرين قد يبدو التناغم الأساسي بين بنية العقل والعالم أمرًا مفروغًا منه، وعلى هذا النحو إذا كان من الممكن العثور على تجربتنا لاتخاذ شكل معين فيمكننا عندئذٍ استنتاج حقائق حول كيفية تكوين العالم، يرفض ميل هذه الخطوة.
سيكون مثل هذا الاستنتاج مبررًا فقط إذا استطعنا أن نعرف مسبقًا أنّه يجب أن نكون قادرين على تصور كل ما هو قادر على الوجود، حيث أنّ عالم الفكر وعالم الواقع، والعالم الصغير والعالم الكبير (كما كان يطلق عليهما سابقًا) ويجب أن تكون مؤطرة في مراسلات كاملة مع بعضها البعض، ولكن الافتراض الأكثر افتقارًا للأدلة يمكن بالكاد تقديمه.
وباعتبارها أمورًا واقعية مستقلة منطقيًا اعتقد ميل أنّه لا يمكن أن يكون هناك استنتاج سلس من تكوين أذهاننا لكيفية وجود بقية العالم أو يجب أن يكون عليه، ويرى ميل بالتالي أنّه لا يمكن أن تكون هناك معرفة مسبقة حقيقية بالحقائق الموضوعية، ووجهة نظر ميل القائلة بأنّه: لا توجد حقائق يمكن إدراكها من خلال الضوء الداخلي للعقل ومبنية على دليل بديهي، حيث يحمل في جميع المجالات، حيث كل المعرفة الحقيقية سواء كانت نظرية أو أخلاقية يجب الحصول عليها عن طريق الملاحظة والخبرة.
فلسفة ميل في الجمعيات:
ومفهوم الجمعيات هو نظرية في الفلسفة أو علم النفس تعتبر الارتباط البسيط أو التواجد المشترك للأفكار أو الأحاسيس الأساس الأساسي للمعنى أو الفكر أو التعلم.
وقد نسمي مناهضة هذا ميل حول المعرفة بمعنى النظرة عميقة، مما يعطي طابعًا أنثروبولوجيًا وتجريبيًا لكل فلسفته، ويضيف ميل إليها حسابًا نفسيًا للآلية الأساسية التي نشكل بها الأفكار، وهنا يتبع كثيرًا تقليد التجريبيين البريطانيين – النظرية التي تتبعها ميل إلى هوبز من خلال لوك وهارتلي وإلى نشر جيمس ميل لتحليل ظواهر العقل البشري – وفي تأييد ما أصبح المعروف بعلم النفس الجمعي وهي النظرية التي تحل جميع ظواهر العقل إلى أفكار إحساس مرتبطة ببعضها البعض بواسطة قانون الارتباط.
يعتقد ميل أنّ جميع أفكارنا ومعتقداتنا لها أصولها في انطباعات المعنى، والأفكار أو الأحاسيس التي تكون إما متشابهة أو يتم اختبارها (أو التفكير فيها) بشكل متكرر إما في وقت واحد أو في تتابع فوري، حيث يتم التفكير فيها معًا، وفي النهاية تكون مرتبطة ببعضها البعض بشكل لا ينفصم في أذهاننا وتشكل أفكار أكثر تعقيدًا.
وتهدف النظرية إلى اشتقاق أفكارنا الأكثر تجريدًا من التجربة حيث المكان والتوسع والمادة والسبب والباقي، هي مفاهيم تم تجميعها من أفكار الإحساس من خلال قوانين الارتباط المعروفة، وبالتالي يقوض ادعاء الحدسي بأنّ مثل هذه الأفكار هي بداهة، وهنا لا بد من القول أنّه يبدو أنّ المعتقدات المسبقة تخضع لتحليل تقويض مماثل.
وهناك حالات لا حصر لها من المعتقدات التي لا يمكن تحديد سبب لها، باستثناء أنّ شيئًا ما قد خلق ارتباطًا قويًا بين فكرتين بحيث لا يستطيع الشخص الفصل بينهما في الفكر، ولإعطاء أحد الأمثلة الخاصة بميل فإنّ الاعتقاد البديهي الظاهر بأنّ الفضاء غير محدود يتم تفسيره على أنّه في الحقيقة نتيجة لعملية الارتباط.
لم نر أبدًا أي كائن أو أي جزء من الفضاء ولا يوجد به مساحة أخرى خارجها، ونحن ندرك الأشياء وأجزاء من الفضاء منذ لحظة الولادة، فكيف إذن يمكن لفكرة شيء ما أو جزء من الفضاء أن تصبح مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بفكرة الفضاء الإضافي وراء ذلك؟ حيث تساعد كل لحظة في حياتنا على تثبيت هذا الارتباط، ولم نمر أبدًا بتجربة واحدة تميل إلى فك الارتباط بها.
ومن هذه العملية توصلنا إلى الاعتقاد بأنّ الفضاء لا نهائي لكن العلاقة مهما كانت متقاربة بين فكرتين ليست أرضية كافية للاعتقاد، وإنّه ليس دليلاً على أنّ الحقائق المقابلة متحدة في الطبيعة الخارجية، ويجب اختبار هذه المعتقدات من خلال التفكير فيما يجب علينا تصديقهة والتي ناقشها ميل في أسس العقل النظري.
فلسفة ميل بخصوص المجال الذاتي:
في هذه المرحلة حدد ميل بالفعل المبدأ الذي يرغب في الدفاع عنه مبدأ الضرر، وعن حرية الفكر والمناقشة، ويجادل ميل لصالح حرية التعبير في الغالبية العظمى من المواقف باستثناء بعض الاستثناءات الرئيسية مثل عندما يحرض الفرد على العنف الفوري، ويتعامل ميل مع ثلاث حالات لحرية التعبير وهي حالة يكون فيها الرأي المكبوت صحيحًا، وحالة يكون فيها الرأي جزئيًا صحيحًا، وأخيرًا حالة يكون فيها الرأي خاطئًا تمامًا.
يشرح ميل أنّه: “يصعب تذكير البشرية في كثير من الأحيان أنّه كان هناك رجل اسمه سقراط.”، وتم إعدام الفيلسوف القديم سقراط المشهور بحجته حول الطريقة السقراطية من قبل هيئة محلفين أثينا بتهمة المعصية وإفساد الشباب، وعلى غرار سقراط تعرض يسوع المسيح أيضًا للاضطهاد بسبب معتقداته، والتي كانت في أيام ميل تعتبر العمود الفقري الأخلاقي للمجتمع الإنجليزي.
لا أحد بغض النظر عن مدى ذكاءه معصوم تمامًا عن الخطأ وبالنسبة لميل: “كل إسكات للنقاش هو افتراض العصمة.”، ولذلك لا يحق لأي شخص إسكات الآخرين، ويجب أن نكون جميعًا مدركين تمامًا لقابليتنا للخطأ، حتى لو وافقت الغالبية العظمى من الناس في أي مجتمع على بعض القضايا فإنّ هذا لا يبرر إسكات المعارضين.
يشرح ميل بشغف أنّه حتى لو كان كل البشر دون واحد لديهم رأي واحد، وكان هناك شخص واحد فقط لديه رأي مخالف فلن يكون للبشرية تبرير أكثر في إسكات هذا الشخص، مما سيكون عليه إذا كانت لديه القوة، وله ما يبرره في إسكات البشرية، ويأسف ميل لأنّ الكثير من الناس وقعوا فيما يسميه (الباطل اللطيف) المتمثل في الاعتقاد بأنّ الحقيقة تنتصر على الاضطهاد، فالحقيقة لا تنتصر بطبيعتها على الباطل، وتكرر سجلات التاريخ هذا الدرس باستمرار وهذا هو السبب في أننا يجب أن نكون دائمًا مترددين في قمع الآراء المخالفة أو المختلفة حتى بشأن أكثر الأسئلة جوهرية في الحياة.
ماذا عن رأي ليس صحيحًا تمامًا ولا خاطئًا تمامًا؟ كان ميل من أشد المدافعين عن التقدم، وكان يؤمن بحق أنّ العصر الذي عاش فيه تميز بتقدم مادي ومعنوي غير مسبوق، ولكن ميل لم يعتقد أنّ التقدم يتكون من استبدال معتقدات خاطئة بمعتقدات حقيقية، وبدلاً من ذلك نظر إلى التحسن على أنّه عملية دورية ترتفع فيها عناصر الحقيقة المختلفة وتنخفض، وبمرور الوقت سيسمح التحدي الصارم للعقائد المختلطة للمفكرين المستقبليين بفصل الأجزاء الحقيقية عن الأجزاء الزائفة من أي أيديولوجية معينة.
لكن ماذا عن الآراء الخاطئة بالكامل؟ ففي المصطلحات الحديثة لماذا يجب السماح لمنكري المحرقة ومنكري تغير المناخ بالتعبير عن آرائهم؟ فبالنسبة لميل: “مهما كان الرأي المتلقى صحيحًا، إذا لم تتم مناقشته بشكل كامل ومتكرر وبلا خوف، فسيتم اعتباره عقيدة ميتة وليس حقيقة حية”.
ويميز ميل بين ما يسميه الإيمان الحقيقي والمعرفة، حيث أنّ الإيمان الحقيقي هو المعتقدات الصحيحة، ومع ذلك فإنّ المعرفة تحمل معتقدات لأنّها مبررة من خلال الجدل العقلاني، وإذا تمسكنا ببساطة بمعتقداتنا دون الدفاع عنها بشغف فسيقل تأثيرها تدريجياً في أذهاننا لأنّها تتحلل إلى عقيدة ميتة.
توفر لنا المعتقدات الخاطئة الفرصة للدفاع عن أكثر معتقداتنا العزيزة والتأكد من أنّها تظل حقيقة حية وليست عقيدة ميتة، ومن خلال تحدي معتقداتنا باستمرار فإننا نعززها أكثر، كما أنّ معتقداتنا مثل العضلات إذا لم نستخدمها فسوف تضعف، ومن خلال الدفاع باستمرار عن آرائنا فإننا ندعمها ضد الكذب الذي قد يغتصب موقعهم في أذهاننا.
لاحظ أنّ ميل لا يبني حججه من أجل حرية التعبير على الحقوق العالمية أو الطبيعية، ومثل كل من والده وجيريمي بينثام، فكان ميل منفعيًا وهو المبدأ القائل بأنّ الأفعال صحيحة أو أخلاقية عندما تعزز أقصى قدر من السعادة لغالبية الناس، وببساطة أعظم سعادة لأكبر عدد.
النفعية يمكن في بعض الأحيان أن يكون لها علاقة هشة بمفهوم الحقوق الطبيعية أو الفطرية، وصف والد المذهب النفعي جيريمي بينثام الحقوق الطبيعية بأنّها هراء على ركائز متينة، ومن الضروري أن نفهم أنّ ميل يعتقد أنّ البشر كائنات تقدمية، ويوضح أنّ مصدر كل شيء محترم في الإنسان سواء ككائن فكري أو ككائن أخلاقي هو أننا قادرون على تصحيح الأخطاء بالمناقشة والخبرة.
وهكذا فإنّ أولئك الذين يراقبون الآراء يرتكبون شرًا غريبًا من خلال سلب الجنس البشري من طريق الوصول إلى الحقيقة، في حين أنّ قضية ميل من أجل حرية التعبير ليست مبنية على أساس الحقوق الطبيعية، إلّا أنّها تقوم على الافتراض القائل بأنّ المناقشة الحرة وغير المعوقة تصحح أخطائنا وتفعل ذلك لصالح البشرية على المدى الطويل، وهذا لا يسمح لنا فقط بتحسين حياتنا ولكن أيضًا أحفادنا في المستقبل الذين سيستفيدون أيضًا من اكتشافاتنا.