اشتهر جان جاك روسو بإعادة تصور العقد الاجتماعي باعتباره ميثاقًا بين إرادة عامة فردية وجماعية تهدف إلى الصالح العام وتنعكس في قوانين الدولة المثالية، وللحفاظ على أنّ المجتمع القائم يقوم على عقد اجتماعي زائف يديم عدم المساواة ويحكم الأغنياء.
إرث الفيلسوف روسو:
أثّر روسو بشكل كبير وعميق على العديد من المفكرين والفلاسفة السياسيين اللاحقين بالرغم من صفة الغموض التي حملت أعماله وأفكاره وفلسفته بشكل عام، ويمكن القول بأن أفكاره ربما تطرت بطريقة تحمل نوعاً من التناقض والتباين الجذري، وعلى سبيل المثال يعتبر روسو ملهم للنظرية الليبرالية والديموقراطية والافكار التشاركية والتداولية والمجتمعية وكذلك الجمهورية المدنية في الفلسفة السياسية الحديثة، لكن الكتاب الناقدين والمعادين لأعمال روسو صوروا روسو على أنّه مصدر إلهام للمناطق الأكثر استبدادية في الثورة الفرنسية وبالتالي ثروات الفاشية والشيوعية.
تأثير فلسفة روسو على الفسيلسوف إيمانويل كانط:
أهم تأثير فلسفي لروسو كان على كانط (إيمانويل كانط)، ويظهر ذلك جليًا لأن صورة روسو هي الصورة الوحيدة الموجودة في منزل كانط، وتقول الأسطورة أنّ من عادة كانط المشي يوميًا وفي احدى الأيام لاحظ من حوله أنّه غاب عن عادته المشي، فتبين بعد ذلك أن كانط كان منشغلًا بقراءة كتاب روسو الفلسفي إميل (Emile)، تشمل أمثلة على التأثير الذي أحدثه روسو على كانط كانت حول “الضرورة المطلقة أو الفئوية” والصيغة الثالثة القائمة على الميتافيزيقيا الأخلاقية ما يسمى بصيغة نهاية المملكة، والتي تراجع مناقشة روسو للإرادة العامة في العقد الاجتماعي.
ومن المفارقات أن فصل كانط لفكرة التشريع العام عن خلفيته في خصوصية المجتمع الفردي الذي يعكس ممارسات النهجية لروسو الخاصة، وذلك لأنّ روسو انكر في الإعداد التحضيري لعمله في كتابه العقد الاجتماعي فكرة ما أسماه بـ الإرادة العامة للكائن البشري والتي ظهرت هذه الفكرة في موسوعة ديدرو عن الحق الطبيعي في (موسوعي – Encyclopédie)، يمكن أيضًا لمس أثر روسو في أفكار وأعمال كانط بما يدور حول علم النفس الأخلاقي في أمور مثل عمله حول الدين ضمن حدود العقل وحده، وكذلك في تفكير كانط الخاص في تاريخ التكهني أو التخميني وفي أعماله حول العدالة الدولية المعتمدة على أساس مشاركة روسو في أعمال دير القديس بيير.
تأثير فلسفة روسو على هيجل وماركس:
إن وضع هيجل وماركس يعد معقدًا بشكل أكبر، والتي في العادة ما تكون إشارة هيجل المباشرة إلى روسو عديمة الجدوى، يعرض روسو فلسفته حول الحق عندما يتغنى ويمتدح فكرة الإرادة بأنّها أساس وجوهر الدولة، والتي يعتبرها أنّها مجرد أفكار تتداخل بين الإرادات الشخصية العرضية، وهنا هيجل يحاول إثبات في (موسوعة المنطق – Encyclopedia Logic) إنّ هذه ليست وجهة نظر روسو.
تقوم مناقشة هيجل على أسس حول جدلية الذات صاحبة السيادة والملك السيد والعبد وقضايا التماثل في ظاهرة الروح أيضًا إلى روسو، في هذه الحالة ، يمكن أن تكون محاولة روسو لاحترام الآخرين والتعرف عليهم مدمرة للذات على أساس مفهوم الملكية، يُعتقد أيضًا أن خوف كارل ماركس من الاغتراب والاستغلال يرتبط إلى حد ما بتفكير روسو في القضايا ذات الصلة، والدليل هنا غير مباشر بشكل أكبر لأن إشارات روسو في أعمال ماركس قليلة وتافهة.
تأثير فلسفة روسو على جون راولز:
يعكس تأثير روسو على جون راولز في فلسفته السياسية المعاصرة والتي يبدو جليًا أنّ أفكار راولز واضحة في أعماله لا سيما في نظرية العدالة، وخير مثال على أثر روسو على راولز عندما استخدم الأخير أداة الموقف البدائي والأصلي والتي توضع خيارات المصلحة الذاتية ضمن الخدمات التي تحدد مبادئ العدالة، والذي يتفق تمامًا مع روسو الذي يعتقد أنّ المواطنين سيميلون للإنجذاب نحو اختيار قانون عادل وذلك من وجهة نظر محايدة لأنّ عالمية القانون وعموميته تعني أنّه عند النظر في مصالحهم الخاصة سيختارون التدابير التي تعكس مصالحهم الخاصة على أحسن وجه.
فلسفة اللغة لدى روسو:
توجد كتابات روسو حول اللغة واللغات في مكانين، أحدهما مقال غير منشور عن أصل اللغات والآخر في قسم من الخطاب حول أصول عدم المساواة، ففي المقال يخبرنا روسو أنّ البشر يريدون التواصل بمجرد أن يدركوا أنّ هناك كائنات أخرى مثلهم.
ولكن روسو يطرح أيضًا السؤال عن سبب الحاجة إلى اللغة وعلى وجه التحديد بدلاً من الإيماءة لهذا الغرض، وكان الجواب الغريب بما فيه الكفاية وهو أنّ اللغة تسمح بالتواصل بين المشاعر بطريقة لا تسمح بها الإيماءات وأنّ نبرة وضغط التواصل اللغوي أمران حاسمان وليس محتواه، تمكن هذه النقطة روسو من إقامة صلة وثيقة بين أغراض الكلام واللحن.
وهذه المفردات التي كانت موجودة في الأصل وفقًا لروسو كانت مجرد كلمات مجازية ولم تكتسب الكلمات سوى معنى حرفيًا بعد ذلك بكثير، والنظريات التي تحدد أصل اللغة في الحاجة إلى التفكير معًا حول أمور الواقع ووفقًا لروسو فإنّها خاطئة للغاية.
توقظ دعوة الطرف الآخر تعاطفنا الطبيعي وتجعلنا نتخيل الحياة الداخلية للآخرين في حين أنّ احتياجاتنا المادية النقية لها نزعة معادية للمجتمع لأنّها تشتت الناس على الأرض بحثًا عن البقاء، على الرغم من هدف المشترك بين اللغة والأغنية هو إيصال المشاعر إلّا مع مرور الزمن انفصل الاثنان وقد أدى اختراع الكتابة إلى تسريع هذه العملية، على الجانب الآخر من العالم لا تزال اللغة أقرب إلى أصلها الطبيعي، لذلك يمكن للغة أن تحتفظ بلحنها وصفاتها العاطفية، في المقابل تهدف اللغة على الجانب الآخر من العالم إلى مهام أكثر عملية وهي أفضل في الممارسة والتفكير النظري.
اختلف تركيز روسو قليًلًا في خطابه الثاني – الجزء الأول حيث يحدث في نقاش ضد الفلاسفة من مثل منظرو القانون الطبيعي على سبيل المثال كونديلاك الذين ينسبون إنسان نياندرتال البدائيين إلى القدرة على تنمية التفكير المجرد. يعتقد روسو أنّه من الضروري استخدامه كسبب لتطوير اللغة، ولكن نظرًا لأنّ اللغة معتمدة في كثير من الأحيان على التقاليد لعمل مراجع عشوائية للأشياء، فإنّه مرتبك بشأن كيفية بدء اللغة وكيف ينجز الأشخاص البدائيون إنجاز تسمية الأشياء.
فلسفة التعليم لدى روسو:
“العيش ليس التنفس بل العمل، حيث إنّها الاستفادة من أعضائنا وحواسنا وملكاتنا وجميع أجزاء أنفسنا التي تمنحنا الشعور بوجودنا، والرجل الذي عاش أكثر من غيره ليس هو الذي يحسب معظم السنوات ولكنه أكثر من شعر بالحياة “.
جان جاك روسو من كتاب إميل.
شرحت أفكار روسو التعليمية بشكل أساسي في العمل الفلسفي لروسو إميل (Emile)، حيث طور في أعماله فكرة “التعليم السلبي” ويعد صورة من صور “المتمركز حول الطفل”.
التعليم المتمركز حول الطفل:
أساس وعماد أفكار روسو حول التعليم هي أن التعليم يجب أن يتم تنسيقه قدر المستطاع مع تنمية القدرات الطبيعية للأطفال من خلال عملية اكتشاف تبدو مستقلة، وهذا مخالف للنموذج التعليمي السائد، حيث في النموذج التعليمي المعلم هو شخصية مرجعية ويعلم المعرفة والمهارات بطريقة محددة سلفًا، يعتمد روسو على أطروحته حول الخير الطبيعي، والتي تم التأكيد عليها في بداية الكتاب وتتضمن خطته التعليمية حماية وتنمية الخير الطبيعي للأطفال في جميع المراحل وتحرير الأطفال من طغيان الآخرين.
على الأقل قبل سن البلوغ (مرحلة المراهقة) تتضمن الخطة والبرنامج التعليمي سلسلة ومجموعة من قبل المعلم بحيث يتلاعب المعلم بأدوات من البيئة لإيصال المعرفة المطلوبة، ولا يتم إعلام الطفل بما يجب فعله أو التفكير فيه، ولكنه يضطر إلى التوصل إلى الاستنتاج الخاص به بسبب استكشافاته الخاصة والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالسياق المنتقى من قبل المعلم عن طريق أدوات من البيئة.
ويبدأ العمل بالبرنامج التعليمي في المرحلة الأولى من مرحلة الطفولة ، وكان تركيز روسو الرئيسي هو تجنب نقل الفكرة القائلة بأنّ العلاقات بين الأشخاص هي في الأساس سيطرة واعتمادية (باعتماد الطفل على معلمه للتعلم)، ومن خلال الجمع بين اعتماد الرضيع على رعاية الوالدين والقدرة على جذب الانتباه من خلال البكاء يمكن تعزيز هذه الفكرة بسهولة عند الرضع.
على الرغم من ضرورة حماية الأطفال الصغار من الأذى الجسدي، لا يزال روسو حريصًا على ممارسة قوته الجسدية، لذلك يوصى بترك الأطفال الصغار في حرية قدر الإمكان دون تقييدهم أو سجنهم، وينتقل البرنامج من سن حوالي الثانية عشر إلى تعلم المهارات والمفاهيم والمصطلحات المجردة، ولذلك لا يتم ذلك باستخدام والاعتماد على الكتب أو الدورات الرسمية ولكن من بالخبرة والممارسة العملية، فتلحق بهذه المرحلة المرحلة الثالثة والتي تتزامن مع ما قبلها بحيث يكون التعليم بمرحلة المراهقة وسن البلوغ.
وتنتهي فترة العزلة ويبدأ الطفل في الاهتمام بالآخرين (خاصة الجنس الآخر) وبكيفية النظر إليه، حيث في هذه المرحلة يكمن الخطر الكبير في أنّ المغامرة المفرطة ستمتد إلى المطالبة بالاعتراف من الآخرين وتجاهل قيمتها والمطالبة بالتبعية.
تكمن مهمة المعلم في التأكد من أن علاقة الطالب بالآخرين تتم من خلال العاطفة (pitié – التعاطف أو الرحمة) حيث أولاً يتمكن الطلاب من العثور على مكان آمن من خلال أفكار المعاناة والاهتمام والامتنان للآخرين، وعلى أساس الإقرار بقيمته الأخلاقية وغياب المنافسة في التعامل معه، تتضمن المرحلة النهائية من التعليم أيضًا تحول المعلمين من المتلاعبين ببيئات الأطفال إلى مستشارين بالغين موثوق بهم، بحيث سيجد الشباب والبالغون المستقلون شركاء يمكنهم أن يصبحوا مصدرًا آخر للاعتراف الآمن وغير التنافسي، وتشمل الخطوة الأخيرة أيضًا شرح لطبيعة العالم الاجتماعي بما في ذلك مبادئ الفلسفة السياسية لدى روسو.