إنّ العديد من القضايا في فلسفة الفعل (العمل) لا يمكن معالجتها بشكل مستقل عن فلسفة العقل والأخلاق والميتافيزيقا والفلسفة القانونية والسياسية وفلسفة التاريخ وفلسفة اللغة وفلسفة العلم وعلم السلوك وعلم السلوك المعرفي، وعلى العكس من ذلك غالبًا ما يتطلب التقدم في هذه المجالات وغيرها تحقيقًا فلسفيًا لطبيعة الفعل والنية والإرادة والوكالة الحرة والتداول وما إلى ذلك.
لقد اعتبر الفلاسفة تقليديًا أنّ الإرادة الحرة تتطلب القدرة على الاختيار من بين البدائل المتضاربة، حيث يتصرف الفاعلون بإرادة حرة فقط عندما يكون بإمكانهم الامتناع عن التصرف كما فعلوا، فقد لعب هذا الادعاء دورًا مهمًا في شرح مركزية سؤال التوافق وهو هل استبعدت الحتمية القدرة على التصرف بطريقة أخرى؟
جادل التوافقيون الكلاسيكيون بأنّ الوكلاء يمكنهم بالفعل التصرف بطريقة أخرى، وتطوير تحليلات مشروطة لهذه القوة، فعلى سبيل المثال يمكن للفاعل أن يتصرف بطريقة أخرى إذا أرادوا لو تصرفوا بطريقة أخرى، وفي الآونة الأخيرة بدت القضايا على غرار فرانكفورت التي يفتقر فيها الوكيل إلى بدائل بسبب وجود مجرد متدخل مضاد للواقع، وكأنّها تظهر أنّ القدرة على القيام بخلاف ذلك ليست مطلوبة سواء للإرادة الحرة أو للمسؤولية الأخلاقية.
فلسفة القدرات كقوى مميزة:
إنّ التصرفات هي ببساطة عضو واحد من عائلة القوى الأوسع، وإن كانت قد برزت التصرفات بشكل بارز في الميتافيزيقا الحديثة، إلّا أنّه قد يعطي التفسير البديل للقدرات حسابًا للقدرات من حيث نوع آخر من القوة، وربما يكون أكثر ملاءمة للجوانب المميزة للقدرات.
تم تطوير حساب واحد من هذا النوع في سلسلة من أعمال باربرا فيتر (Barbara Vetter)، حيث يقترح فيتر أنّ مفهومنا الأساسي يجب أن يكون مبني على الامكانية، ففي وجهة النظر التقليدية (التي يرفضها فيتر)، حيث تتضمن التصرفات علاقة ثنائية بين الحافز والمظهر (على سبيل المثال: الزجاج ينكسر عند ضربه)، في المقابل تنطوي الإمكانات على علاقة أحادية لمظهر (على سبيل المثال: الزجاج لديه القدرة على الانكسار).
هذا يجعل الإمكانات مناسبة بشكل خاص لإعطاء حساب للقدرات، والتي يبدو أيضًا أنّها تنطوي على علاقة أحادية بفعل، أي الفعل الذي يُشار إليه بتكملة إسناد القدرة (على سبيل المثال: أنا قادر على لعب التنس)، فيجادل فيتر بأنّ امتلاك القدرة يعني ببساطة امتلاك نوع معين من الإمكانيات، كما يوفر فيتر أيضًا دلالات صريحة للطريقة الفعالة من حيث إسناد الإمكانية، والتي تشكل بديلاً منهجيًا لـ التحليل النموذجي (MA).
هناك رأي آخر تم اقتراحه من خلال العمل الأخير من قبل هيلين ستيوارد (Helen Steward)، والذي يؤكد على الفكرة التقليدية (للقوة ذات الاتجاهين)، فيجادل ستيوارد بأنّ الأفعال هي تمارين لقوى ثنائية الاتجاه، أي الصلاحيات التي يمكن للعامل أن يمارسها أو لا يمارسها في لحظة معينة، حتى أنّه يتم تثبيت جميع الشروط السابقة في تلك اللحظة.
ويجب أن تتناقض مع القوى ذات الاتجاه الواحد والتي تظهر عندما تتحقق شروط تجليها، حيث ينكسر الزجاج الهش كلما صُدم، وعلى عكس كل من النزعيين الجدد من ناحية وفيتر من ناحية أخرى يرى ستيوارد عدم تناسق أساسي بين الوكلاء الذين يحملون قوى ثنائية الاتجاه والأشياء فقط الذين يحملون قوى أحادية الاتجاه فقط، فمن الطبيعي إذن أن نفكر أنّ ما يعنيه امتلاك القدرة هو امتلاك قوة ذات اتجاهين من نوع معين، وأنّ نظرية القدرة يجب أن تتبع من حساب الفاعلية والقوى ذات الاتجاهين.
وبالتالي لدينا ما لا يقل عن ثلاث وجهات نظر (قائمة على القوة) للقدرات وهي:
1- النزعة الجديدة.
2- وجهة نظر فيتر القائمة على الإمكانات.
3- وجهة نظر ستيوارد القائمة على القوة ثنائية الاتجاه.
من المفيد التفكير في كيفية اختلاف هذه الحسابات الثلاثة فيما يتعلق بمشروعين فلسفيين أكبر وهما:
1- الأول هو مشروع إعطاء تحليل للغة النموذجية بما في ذلك إسناد القدرة من حيث العوالم الممكنة، حيث ترفض النزعة الجديدة التحليل الشرطي (CA) والتحليل النموذجي (MA)، لكنها لا تزال من حيث المبدأ متعاطفة مع هذا المشروع بقدر ما تسمح بأنّ وصفات التصرف نفسها يمكن فهمها في نهاية المطاف من حيث القياس الكمي على العوالم المحتملة.
وهذا النوع من الآراء أيده بشكل صريح على سبيل المثال سميث (2003)، وفي المقابل يعارض فيتر صراحة هذا المشروع بينما تبدو وجهة نظر ستيوارد محايدة في هذا السؤال.
2- الآخر هو مشروع الجدل بأنّ قدرات الوكلاء متوافقة أو لا تتوافق مع إمكانية الحتمية، وهذا سؤال هو لماذا يجب علينا رفض التحليل الشرطي للتوجهات، فكما هو ملاحظ إنّ النزعيين الجدد مدفوعون جزئيًا بمشروع الدفاع عن التوافقية، وفي المقابل ستيوارد معني صراحة بالدفاع عن عدم التوافق، حيث يبدو أنّ فيتر محايد في هذا السؤال.
مقاربة أخرى للتعامل مع رفض التحليل والنموذج الشرطي:
لا تزال هناك مقاربات أخرى لرفض القدرة التحليل الشرطي (CA) والنموذج التحليلي (MA)، مع رفض أيضًا فكرة أنّ بعض المناشدة للقوة سواء كانت تصرفًا أو إمكانية أو قوة ثنائية الاتجاه فإنّها ضرورية لمراعاة القدرات.
تتمثل إحدى الأفكار المتكررة في أنّه على الرغم من التحديات المختلفة التي تم طرحها ضدها، لا تزال القدرة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بنوع من العلاقة بين إرادة الوكيل (المحاولات والنوايا) وأفعالها، وأحد التطورات المعقدة لغويًا لهذا الفكر هو ماندلكيرن الذي يقترح اتخاذ فكرة أساسية عن الإجراءات المتاحة عمليًا، وتطوير معانيها من حيث هذه الدلالات للطريقة الفعالة، التي تستمر فيها الشروط التي تربط الإرادة بالأفعال بدور أساسي.
مقاربة أخرى في معالجة حديثة للقدرة بطول الكتاب جاستر (Jaster)، حيث تقترح أنّه يجب التفكير في القدرات من حيث نسب الحالات التي ينجح فيها الوكيل في فعل ما ينوي القيام به، وكلا النهجين صريحان في إنكارهما لـ (CA)، لكنهما يشتركان مع النزعيين الجدد في فكرة أنّ تحليل القدرة يجب بطريقة ما أن يناشد نمطًا من التبعية بين الإرادة والفعل.
وهذا ليس مستغربا لأنّ التحليل الشرطي هو اقتراح قابل للشك، وأقرّه العديد من الشخصيات الرئيسية في فلسفة اللغة الإنجليزية، وفي ضوء ذلك يبدو من المعقول محاولة تجاهل حرف (CA) مع الاحتفاظ بروحه، لأنّه قد يكون الفشل التاريخي لـ (CA) يرجع إلى الصعوبات التي ربما تسمح لنا فهمنا الأكثر ثباتًا للمشكلات الفنية بالتغلب عليها، وهذا مشروع معقول ومحفز على الرغم من أنّه يبقى أن نرى ما إذا كان سيكون في النهاية مشروعًا ناجحًا.
لا تزال هناك حسابات أخرى لا تتناسب بسهولة مع التصنيف المقدم هنا، وتشمل هذه المقترحات البدائية التي تأخذ القدرة أو بعض المفاهيم وثيقة الصلة على أنّها أساسية من الناحية التحليلية، وأحد تطورات هذه الفكرة هو ماير (Maier) في عام 2015، الذي يقترح على عكس معظم المؤلفين أنّ القدرة المحددة تسبق بشكل أساسي القدرة العامة.
كما يجادل بأنّه يجب علينا تقديم حساب للقدرة العامة من حيث القدرات المحددة والتي يسميها الخيارات، حيث هي تقريبًا ما يتمتع الوكيل بالقدرة العامة على (A) إذا كان لديه الخيار (A) عادةً، فالخيارات بدورها تعد هي بدائل، وسيتعلق الكثير هنا بقول المزيد عن الخيارات وبأي معنى يعتبرونها بدائية في نظرية الفاعلية.
أخيرًا يقدم مخطط مقترح قدمه ديفيد لويس (مؤرخ عام 2001 ولكن تم نشره مؤخرًا باسم لويس 2020) نهجًا مختلفًا تمامًا للقدرة، حيث يعتبر لويس مثل العديد من أنصار (CA)، ومدفوع بهدف الدفاع عن التوافق لكنه يعتبر (CA) غير مرضٍ، لذلك يقترح تحليل غير مشروط للقدرة:
وتحليله تقريبًا هو أنّ (S) لديها القدرة على تنفيذ إجراء (B) فقط في حالة وجود بعض الإجراءات الأساسية (A) مثل أن:
1- قيام (S) بعمل (A) من شأنه أن يتسبب في قيام (S) بعمل (B).
2- لا يوجد أي عائق أمام قيام (S) بعمل (A).
إذن تصبح مشكلة إعطاء نظرية للقدرة هي مشكلة إعطاء نظرية للعقبات، وهو الأمر الذي يبدأ فيه لويس في مخططه، يعتبر اقتراح لويس مصدر إلهام لمزيد من البحث بطريقتين على الأقل:
1- تشير إلى أنّ لويس الذي قام بعمل منهجي مهم في فلسفة بشكل نموذجي، رأى مشكلة إعطاء تحليل للقدرة كمشروع بارز مهم.
2- يوضح أنّ الأساليب الجديدة حقًا للقدرة تظل متاحة، ومشروع إعطاء نظرية للقدرة ربما لا يزال في مراحله الأولى.