على الرغم من أنّ النظام المنطقي الذي شرحه برادلي في مبادئ المنطق (1883) وأصبح الآن شبه منسي، إلّا أنّ له العديد من الفضائل، ومن المفيد أن نفهم أنّ برادلي كان لديه وجهة نظر مختلفة تمامًا عن المنطق عن تلك السائدة اليوم، حيث إنه معاد لفكرة المنطق الرسمي البحت، بينما اليوم يقتصر المنطق الاستنتاجي إلى حد كبير على دراسة القواعد التي يمكننا من خلالها إعادة ترتيب أفكارنا بشكل شرعي مما يسمح بإزالة العناصر التي لم تعد مطلوبة، ولكن لا نسمح بإضافة أي شيء جديد حقًا.
فلسفة المنطق لدى برادلي:
كان لدى برادلي تصور أوسع بكثير واتخذ المنطق ليكون النظام الذي نعطي من خلاله وصفًا وشرحًا للوظيفة الخاصة للفكر التي نتجاوز من خلالها التجربة الفورية، ويعتقد برادلي أنّ المنطق يغطي موضوعات تندرج اليوم تحت عنوان نظرية المعرفة.
بالنسبة لبرادلي فإنّ عمليات التفكير التي من خلالها نتجاوز التجربة المباشرة تتضمن الأفكار والأحكام والاستنتاجات، ويبدأ بالحكم ويقدم حسابًا طبيعيًا لكل من الأحكام العلائقية مع أكثر من موضوع واحد والأحكام بدون موضوع خاص مثل: إنّها تمطر، فنظريته العامة القائلة بأنّ الموضوع النهائي لجميع الأحكام هو الواقع على هذا النحو يمكن أن تستوعب أيضًا المصطلحات الجماعية التي تسبب الكثير من المتاعب للمنطقين المعاصرين.
على الرغم من قبول برادلي لعقيدة التجريبية بأنّ كل معرفتنا تبدأ في التجربة، إلّا أنّه لا يقبل وجهة نظر ديفيد هيوم بأنّ تجربتنا المباشرة تتكون من سرب من الانطباعات، وهو يرفض النظرية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت والتي تقول إنّ المعرفة يمكن تفسيرها من خلال ربط الأفكار المستمدة من مثل هذه الانطباعات، ولا توجد تفاصيل نفسية ولا أي روابط فيما بينها هي نوع الأشياء القادرة على تمثيل أي شيء يتجاوزها، ويتطلب الحكم أفكارًا منطقية بحيث تكون عالمية وليست خاصة.
أكثر ما يحير القراء هو عقيدة مقصورة على فئة معينة يستوعب فيها برادلي الحكم والاستدلال كعمليات يوجد فيها حركة فكرية من الأساس إلى الاستنتاج، وما لم يكن هناك تغيير لم يحدث شيء، لكن أي تغيير يتطلب تبريرًا إذا كان الاستنتاج صحيحًا أو الحكم صحيحًا.
لكي تكون حركة الفكر مرضية لا يمكن أن تظل الأساس والتبرير خارجيين ويجب إدخالهما في الداخل، ويتحقق هذا إلى الحد الذي يمكننا من توسيع نظام تفكيرنا، وقد يبدو أنّ برادلي يتجه الآن إلى حل هيغلي يؤدي فيه استكمال نظام الفكر إلى هوية الفكر والواقع، ولكن برادلي ليس مستعدًا للذهاب إلى هذا الحد، ومع ذلك فهذه مسألة تتعلق بالميتافيزيقا وهي خارج نطاق المنطق.
فلسفة برادلي وفريج في المنطق:
يأتي علاج فرانسيس هربرت برادلي الأكثر استدامة للمنطق في كتاب مبادئ المنطق الذي نُشر بالتزامن مع جوتلب فريج (Gottlob Frege) الأساسيات (Grundlagen) والتي توفر فائدة الإدراك المتأخر تباينًا صارخًا بين هذه الأعمال، فالأول على ما يبدو يعود إلى القرن التاسع عشر والأخير يتوقع القرن العشرين.
بينما يتجنب كلا الكتابين الطرق الرسمية، فإن هذا ناتج في حالة فريج فقط من محاولة تقديم حساب مقروء لبعض تطبيقات المنطق الرياضي، ولكن غياب الصيغ (النظريات والبديهيات وقواعد الاستدلال) من كتاب برادلي جوهري فيه حيث يعبر عن معارضة (يشترك فيها ميل) لإضفاء الطابع الرسمي على التفكير من حيث المبدأ باعتباره فصل الاستدلال عن الاكتساب العملي للمعرفة العلمية.
هذا إلى جانب حقيقة أنّ المصطلحات المألوفة (مثل التناقض) تُستخدم بطرق غير مألوفة، ويعطي الكتاب إحساسًا قديمًا، ومع ذلك وعلى الرغم من حقيقة أنّ المبادئ لم يعد يتم الرجوع إليها عادةً من قبل المنطق المعاصر إلّا للأغراض التاريخية إلّا أنّها تركز على القضايا المركزية للمنطق، والانطباع بأنّها تتطلع إلى الخلف مضلل إلى حد ما,
حيث على سبيل المثال يستخدم المفردات القديمة للأفكار و الأحكام للتعبير عن الآراء التي غالبًا من خلال تأثيرها (الانتقائي) على راسل أدت إلى ظهور عقائد يتم التعبير عنها لاحقًا من حيث الجمل والافتراضات، وقد كشف بشكل فعال مفاهيم المعنى والإشارة إلى الفحص المتشكك الذي استمر لفترة طويلة منذ ذلك الحين.
على الرغم من أنّ العلاج أقل ديالكتيكية بشكل صارم من العلاج الخاص بالدراسات الأخلاقية، إلّا أنّ برادلي يطور وجهات نظره من خلال انتقاد الآخرين ويغيرها كلما استمر، وإحدى النتائج هي أنّ الكتاب ليس من السهل الرجوع إليه، وأنّ القارئ مصمم على معرفة ما يعتقد برادلي أنّه يجب أن يكون مستعدًا لمتابعة حجته من خلال العديد من التقلبات والمنعطفات بما في ذلك التوغلات العرضية في مجالات نظرية المعرفة والظواهر والميتافيزيقيا.