فلسفة النفعية المثالية للفيلسوف مور

اقرأ في هذا المقال


منذ أوائل القرن العشرين خضعت النفعية لمجموعة متنوعة من التحسينات، وبعد منتصف القرن العشرين أصبح من الشائع تحديد “العاقبة” لأنّ قلة قليلة من الفلاسفة يتفقون تمامًا مع وجهة النظر التي اقترحها علماء النفعية الكلاسيكية لا سيما فيما يتعلق بنظرية قيمة المتعة.
ولكن تأثير النفعيين الكلاسيكيين كان عميقًا ليس فقط في الفلسفة الأخلاقية ولكن أيضًا في الفلسفة السياسية والسياسة الاجتماعية، والسؤال الذي طرحه بنثام “ما الفائدة؟” هو حجر الزاوية في تشكيل السياسة، حيث إنّه سؤال علماني بالكامل وتطلعي، وإنّ التعبير والتطوير المنهجي لهذا النهج لتشكيل السياسة يرجع إلى النفعيين الكلاسيكيين.

مفهوم النفعية المثالية:

تنص النفعية المثالية على أنّ المطلب الأساسي الوحيد للأخلاق هو تعزيز تعدد السلع الجوهرية لجميع أولئك القادرين على امتلاكها، حيث ازدهر هذا الإطار الأخلاقي في منتصف الفترة بين هنري سيدجويك (Henry Sidgwick) وألفريد سيريل إوينج (Alfred Cyril Ewing).

كما دافع عنها جون ليرد (John Laird) وهوراس وليم جوزيف (Horace William Brindley (Joseph، جورج ادوارد مور (George Edward Moore) وهاستينغز راشدال (Hastings Rashdall) ومن بين آخرين، ووفقًا لإيوينج فإنّه: “أفضل العروض لهذا النوع من وجهات النظر باللغة الإنجليزية هي مبادئ مور الأخلاق والأخلاق ونظرية راشدال للخير والشر”.

إن حجج مور عن النفعية المثالية معروفة جيدًا وبالتالي فهي بمثابة محور وبؤرة معظم المناقشات حولها، ولم تكن أعمال راشدول (Rashdall) كذلك على الرغم من حقيقة أنّ نظريته عن الخير والشر قد تمت الإشارة إليها في عصره على أنّها “بالتأكيد واحدة على الأقل من أهم الأعمال المتعلقة بالنظرية الأخلاقية لجيلنا”.

المناقشات التي تركز على كل من مور وراشدال تتجاهل أو تحجب حقيقة أنهما لا يستخدمان نفس سلسلة الحجج لهذا المنصب، ففي سلسلة من المقالات والكتب التي بدأت بالظهور قرب نهاية القرن التاسع عشر أنتج راشدال حججًا مميزة لهذا الرأي، ولفهم تطور النفعية المثالية بشكل صحيح من الضروري مراعاة مساهمة راشدال فيها.

الفلسفة النفعية المثالية للفيلسوف مور:

“لا جدال في أنّ الكائن الذي تكون قدرته على التمتع بقدرات منخفضة لديه أكبر فرصة لإرضائها تمامًا ولكن يمكنه أن يتعلم كيف يتحمل عيوبه إذا كانت محتملة على الإطلاق، ولن تجعله يحسد الكائن الذي هو بالفعل غير واعٍ للعيوب ولكن فقط لأنّه لا يشعر على الإطلاق بالخير الذي تؤهله تلك العيوب.

جون ستيوارت ميل في فلسفته النفعية

اختلف جورج ادوارد مور (George Edward Moore) بشدة مع نظرية قيمة المتعة التي اعتمدها علماء النفعية الكلاسيكية، حيث وافق مور على أنّه يجب علينا الترويج للخير، لكنه اعتقد أنّ الخير يشمل أكثر بكثير مما يمكن اختزاله إلى المتعة، ولقد كان تعدديًا وليس أحاديًا فيما يتعلق بالقيمة الجوهرية، فعلى سبيل المثال كان يعتقد أنّ “الجمال” خير جوهري، والشيء الجميل له قيمة مستقلة عن أي متعة قد يولدها في المشاهد، وهكذا اختلف مور عن سيدجويك الذي اعتبر أنّ الخير يتكون في بعض الوعي، وبعض الحالات الموضوعية في العالم جيدة في جوهرها.

الجمال وفلسفة مور النفعية:

وكذلك من وجهة نظر مور فإنّ الجمال هو مثل هذه الحالة، واستخدم واحدة من تجاربه الفكرية الأكثر شهرة لتوضيح هذه النقطة حيث طلب من القارئ مقارنة عالمين أحدهما كان جميلًا تمامًا مليئًا بالأشياء التي تكمل بعضها البعض، بينما كان الآخر عالمًا بشعًا وقبيحًا مليئًا بكل ما يثير اشمئزازنا.

علاوة على ذلك لا يوجد بشر كما يتصور المرء حول العالم ليقدرهم أو يشعرون بالاشمئزاز من العوالم، والسؤال إذن هو أي من هذه العوالم أفضل، بمعنى أي واحد سيكون أفضل من وجود الآخر؟ بالطبع اعتقد مور أنّه من الواضح أنّ العالم الجميل كان أفضل على الرغم من عدم وجود أحد في الجوار ليقدر جماله، وكان هذا التركيز على الجمال أحد جوانب عمل مور التي جعلت منه محبوبًا في مجموعة بلومزبري (Bloomsbury Group).

فإذا كان الجمال جزءًا من الخير بغض النظر عن آثاره على الحالات النفسية للآخرين، وذلك بغض النظر عن كيفية تأثيره على الآخرين فلن يحتاج المرء إلى التضحية بالأخلاق على مذبح الجمال بعد الآن، واتباع الجمال ليس مجرد تساهل بل قد يكون التزامًا أخلاقيًا، على الرغم من أنّ مور نفسه لم يطبق بالتأكيد رأيه في مثل هذه الحالات إلّا أنّه يوفر الموارد اللازمة للتعامل مع ما أطلق عليه الأدب المعاصر حالات اللاأخلاقية الرائعة على الأقل بعضها، وربما يكون غوغان قد تخلى عن زوجته وأطفاله لكنها كانت نهاية جميلة.

كانت أهداف مور في الجدل ضد مذهب المتعة هم النفعيون الأوائل الذين جادلوا بأن الخير كان حالة من الوعي مثل المتعة، ولقد استغرب في الواقع هذه المسألة قليلاً لكنه اختلف دائمًا مع مذهب المتعة في ذلك حتى عندما كان يعتقد أنّ الجمال في حد ذاته ليس جيدًا بحد ذاته، فقد رأى أيضًا أنّه من أجل تقدير الجمال ليكون جيدًا يجب أن يكون الجمال موجودًا بالفعل في الدنيا وليست نتيجة الوهم.

وانتقد مور كذلك وجهة النظر القائلة بأنّ المتعة نفسها هي خير جوهري لأنّها فشلت في نوع من اختبار العزلة الذي اقترحه للقيمة الجوهرية، وإذا قارن المرء كونًا فارغًا بعالم الساديين فإنّ الكون الفارغ سيضرب أحدًا على أنّه أفضل، وهذا صحيح على الرغم من وجود قدر كبير من المتعة وعدم الألم في عالم الساديين.

يبدو أنّ هذا يشير إلى أنّ ما هو ضروري للخير هو على الأقل عدم وجود نية سيئة، وإنّ ملذات الساديين بحكم رغبتهم في إيذاء الآخرين يتم تجاهلها، فهي ليست جيدة رغم أنّها ملذات، وقد لاحظ هذا الابتعاد الجذري عن جيرمي بنثام الذي اعتبر أنّه حتى المتعة الخبيثة كانت جيدة في جوهرها، وأنّه إذا لم يكن هناك شيء سيء من الناحية الآلية يتعلق بالمتعة فهي جيدة تمامًا أيضًا.

مفهوم الوحدة العضوية في فلسفة مور النفعية:

كانت إحدى مساهمات مور المهمة هي طرح وجهة نظر “الوحدة العضوية” أو “الكل العضوي” للقيمة، حيث مبدأ الوحدة العضوية غامض وهناك بعض الخلاف حول ما قصده مور بالفعل في تقديمه، ويوضح مور أنّ كلمة “عضوي” تستخدم “للإشارة إلى حقيقة أنّ الكل له قيمة جوهرية تختلف في المقدار عن مجموع قيم أجزائه”.

وبالنسبة لمور هذا هو كل ما يفترض أن تشير إليه، لذلك على سبيل المثال لا يمكن تحديد قيمة الجسم عن طريق جمع قيمة أجزائه، وقد يكون لبعض أجزاء الجسم قيمة فقط فيما يتعلق بالكل، فعلى سبيل المثال قد لا يكون للذراع أو الساق أي قيمة على الإطلاق وهي مفصولة عن الجسم، ولكن لها قيمة كبيرة وهي مرتبطة بالجسم حيث أنّها تزيد من قيمة الجسم .

في قسم (مبادئ الأخلاق – Principia Ethica) عن المثالية يلعب مبدأ الوحدة العضوية دورًا في الإشارة إلى أنّه عندما يشعر الأشخاص بالمتعة من خلال إدراك شيء جميل (والذي يتضمن عاطفة إيجابية في مواجهة الاعتراف بشيء مناسب وعاطفي و مجموعة من العناصر المعرفية)، وتكون تجربة الجمال أفضل عندما يكون موضوع التجربة أي الشيء الجميل موجودًا بالفعل.

حيث كانت الفكرة أنّ تجربة الجمال لها قيمة إيجابية صغيرة ووجود الجمال له قيمة إيجابية صغيرة، ولكن الجمع بينهما له قيمة كبيرة أكثر من مجرد إضافة القيمتين الصغيرتين، حيث لاحظ مور: “إنّ الإيمان الحقيقي بحقيقة شيء ما يزيد بشكل كبير من قيمة العديد من الأجمعات القيمة”.

حيث هذا المبدأ في مور، خاصة عند تطبيقه على أهمية الوجود الفعلي والقيمة أو المعرفة والقيمة، زود النفعيين بالأدوات اللازمة لمواجهة بعض التحديات الهامة، فعلى سبيل المثال ستكون السعادة المضللة مفتقدة بشدة في وجهة نظر مور خاصةً بالمقارنة مع السعادة القائمة على المعرفة.


شارك المقالة: