فلسفة بايل الشكية

اقرأ في هذا المقال


الفيلسوف بيير بايل من مواليد 18 تشرين الثاني 1647 وتوفي في 28 تشرين الأول 1706، وهو صاحب الكتاب (القاموس التاريخي والنقدي) عام 1697، وقد أدين بشدة من قبل الكنيسة الفرنسية الإصلاحية في روتردام والكنيسة الرومانية الكاثوليكية الفرنسية بسبب شروحها العديدة المصممة عمدًا لتدمير المعتقدات المسيحية الأرثوذكسية.

نبذه عن فلسفة بايل:

كان بايل نجل وزير كالفيني واعتنق لفترة وجيزة الكاثوليكية الرومانية في عام 1669، وعمل كمدرس ثم قام بتدريس الفلسفة من عام 1675 إلى عام 1681 في أكاديمية سيدان البروتستانتية، وبعد انتقاله إلى روتردام عام 1681 لتدريس الفلسفة والتاريخ نشر عام 1682 تأملاته المجهولة عن مذنب عام 1680، مستهزئًا بالخرافات التي تقول إنّ المذنبات تنذر بكارثة.

كما شكك في العديد من التقاليد المسيحية مما أثار حفيظة زميله الكالفيني بيير جوريو، ونداء بايل للتسامح الديني (حتى بالنسبة للملحدين) أقنع جوريو في النهاية أنّ بايل كان ملحدًا متخفيًا، واكتمل الخلاف بين الاثنين عندما دعا بايل إلى موقف تصالحي تجاه حكومة لويس الرابع عشر المناهضة للكالفينية.

في عام 1693 حُرم بايل من منصبه كأستاذ في روتردام، وبعد ذلك كرس بايل نفسه لقاموسه الشهير، والذي كان ظاهريًا ملحقًا لقاموس لويس موريري ولكنه في الواقع عمل ذو أصالة كبيرة، وفي هذا العمل الموسوعي فإنّ المقالات نفسها -عن الدين والفلسفة والتاريخ- ليست أكثر من شروح موجزة، ويتكون الجزء الأكبر من القاموس من الاقتباسات والحكايات والتعليقات التوضيحية التي تعمل بذكاء على التراجع عن أي عقيدة تتضمنها المقالات.

تم الإعراب عن اعتراضات عنيفة خاصة على مقال (ديفيد)، على التحيز لصالح التشكك البيروني (الراديكالي) والإلحاد والأبيقورية وعلى استخدام الكتاب المقدس لتقديم الفرائض، واعتمد الموسوعيون في القرن الثامن عشر هذه الطريقة المائلة للنقد التخريبي.

كان بايل مقتنعًا بأنّ التفكير الفلسفي أدى إلى شك عالمي، لكن تلك الطبيعة أجبرت الإنسان على قبول الإيمان الأعمى وهو رأي شائع للغاية في أوائل القرن الثامن عشر، وكانت سنوات بايل الأخيرة منزعجة من مزاعم بأنّه كان يتآمر مع فرنسا لفصل الهولنديين عن تحالفهم الأنجلو نمساوي، ومع ذلك عند وفاته أعرب عدوه وصديقه على حد سواء عن أسفه لوفاة مفكر عظيم.

أي نوع من المتشككين كان بايل؟

قراءة بايل كمتشكك من نوع أو آخر لها تاريخ طويل، ويعود إلى معاصريه ويستمر من خلال المعلقين الحاليين، وإنّ الإحساس بأنّ بايل متشكك ليس واضحًا تمامًا، ولكن ما هو واضح هو أنّ فلسفة بايل تُظهر شكوكًا عميقة في قدرة العقل على تقديم معرفة معينة.

من وجهة نظر بايل يبدو أنّ العقل مفيد في تمكيننا من استخلاص استنتاجات حول العالم، لكنه يواجه العديد من التناقضات ويؤدي إلى الكثير من المفارقات التي تقوض نفسها في النهاية، وبالتالي لا يمكن الوثوق بها، وبالتالي فإنّ شكوك بايل هي إلى الحد الأدنى وشكوك حول مصداقية العقل، وبصرف النظر عن هذه النقطة يختلف مفسرو بايل حول طبيعة ومدى شكوك بايل، وغالبًا ما تكون أفضل طريقة لفهم شكوك بايل هي وظيفة القراءة الأكثر عمومية التي يتخذها المرء لمشاريع بايل ومواقفها الإجمالية.

قراءة أثر علمانية بايل على فلسفته الشكيّة:

بأخذ إشاراته من قراءة الناقد الساخر لبايل فإنّ هذا التفسير لشكوك بايل يعتبرها في الأساس نوعًا من الستراتونية، وهو الموقف الذي حدده بايل في استمرار الأفكار المتنوعة عام 1705، وكان الفيلسوف ستراتو الذي يحمل الاسم نفسه لهذا المنصب، ثالث زعيم في المدرسة الثانوية القديمة بعد أرسطو وتيوفراستوس، وعلى عكس الفلاسفة القدامى الآخرين فإن ستراتو لا هوادة فيها في علمانيته.

بايل نفسه لا يهتم بالموقف الذي يدافع عنه ستراتو نفسه بقدر اهتمامه بالتكيف الحديث للستراتونية، وهذا لأنّ ستراتو تمثل لبايل موقف الليبرتين في القرن السابع عشر وهما إنكار إله العناية الإلهية وتأكيد الخلود واللامتناهي للكون.

الحالة التي تمثل فيها الستراتونية الموقف الفلسفي لبايل لم يتم العثور عليها في حجج بايل نفسها، ولكن بالأحرى في سمة منهجية لبنيتها، وعادة ما يبني بايل حججه لعدم دعم الموقف الذي يشغله بالفعل بشكل مباشر، وبدلاً من ذلك فهو يبني أفضل حجة ممكنة لأقوى موقف معارض ثم يهزمها لاحقًا، وتوضح هذه الهزيمة النهائية تفوق المركز الذي تشغله بايل بالفعل.

يطور بايل صراحة موقف علمانية ستراتونيان على مدار فترة الاستمرارية، ووفقًا لهذه القراءة فإنّ هذا الموقف لم يدحضه بايل أبدًا، وهكذا فإنّ أقوى موقف معارض للاهوت الفلسفي الطبيعي يُترك كتهديد للفلاسفة المؤمنين، وتفترض قراءة بايل بهذه الطريقة أنّه إذا لم يكن موقف بايل هو موقف علمانية ستراتونيان لكان قد قدم اعتراضات أكثر حسماً، وفي غياب هذه الاعتراضات يشير بايل إلى أنّ الستراتونية هي الموقف الوحيد القابل للدفاع عنه فلسفيًا.

قراءة أثر الإيمانية المسيحية بايل على فلسفته الشكية:

مستمدًا إشاراته من القراءة التقليدية المعقدة لبايل فإنّ هذا التفسير لشك بايل يعتبره نوعًا من الإيمانية، وتعتبر كالفينية بايل (غير الأرثوذكسية)، وسياق الديكارتي واللاهوت البروتستانتي بشكل عام من الأمور الأساسية لفكره، ووفقًا لهذه القراءة فإنّ البنية المعقدة لحجج بايل لا تعكس إلحادًا ضمنيًا، بل تعكس رغبته في إظهار مفارقات العقل فيما يتعلق بالميتافيزيقا، وفيما يتعلق بالادعاءات الميتافيزيقية للدين على وجه الخصوص.

يوفر هذا العرض لمفارقات العقل أساسًا لتأكيد بايل على اللاهوت الكالفيني ولاستخدامه للحجج الفلسفية الصارمة، وبالتالي فإنّ هذه القراءة لا تتوافق فقط مع التزامه بالحجة المسؤولة، ولكن أيضًا مع التزامه الواضح مدى الحياة بالإيمان الكالفيني.

الدليل النصي لهذه القراءة هو رد بايل الغاضب على تاريخ الكالفينية للأب اليسوعي ميمبورغ عام 1682، حيث كتب بايل رده -النقد العام- في غضون أسبوعين وفيه أوضح بايل قناعاته البروتستانتية والتزامه بها، ويؤكد بايل أنّه نظرًا لأنّ أعمال العناية الإلهية لا نهائية فلا يمكن فهمها عن طريق العقل المحدود، ومع ذلك تحتوي الكالفينية الفرنسية على عناصر قوية من الديكارتية، ويؤكد بايل نفسه في أفكار متنوعة أنّ وجهات نظره لم تكن بعيدة عن آراء مالبرانش.

في النهاية رغم ذلك فإنّ هذه القراءة ترى أنّ تقييم بايل المتشائم للعقل هو ما يميز الجزء الأكبر من عمله، وفي جميع أنحاء مجلة بايل نيوز من جمهورية الآداب (Bayle News from the Republic of Letters)، ويدلي بملاحظات نقدية حول حجج العقلانيين العلمانيين، وتشير هذه الملاحظات إلى أنّ جميع التحقيقات العقلانية في الأسئلة اللاهوتية أو الفلسفية تؤدي إلى الألغاز التي لا قوة للعقل لتأكيدها أو إنكارها.

يشير بايل أيضًا في قاموسه إلى أنّه “لا تناقض بين هذين الأمرين: نور العقل يعلمني أنّ هذا باطل، وعلاوة على ذلك أنا أؤمن بذلك لأنني مقتنع بأنّ هذا النور ليس معصومًا من الخطأ، ولأنني أفضل الإذعان إلى براهين العاطفة وانطباعات الضمير بكلمة واحدة لكلمة الله بدلاً من الإذعان إلى مظاهرة ميتافيزيقية”، وهذا دليل ليس فقط على صدق بايل في إيمانه، ولكن أيضًا على ثقته في تماسك آرائه الدينية والفلسفية.


شارك المقالة: