فلسفة برادلي في التاريخ والأخلاق

اقرأ في هذا المقال


فرانسيس هربرت برادلي (1846-1924)، وهو زميل أكسفورد في كلية ميرتون والذي نشر أعمالًا رئيسية في الأخلاق والمنطق والميتافيزيقيا، والتي تركز نظرته المثالية في القرن التاسع عشر على نقد حاد لا هوادة فيه للنزعة التجريبية والوضعية والنفعية، ويكتب برادلي أنّه إذا تعارضت الحقائق والمبادئ فسيكون أسوأ بكثير بالنسبة للحقائق، كنتيجة لذلك تمت كتابة الكثير من الفلسفة التحليلية البريطانية لبيرتراند راسل وجورج إدوارد مور في أوائل القرن العشرين كرد فعل على ربط برادلي الحقيقي والعقلاني.

وكتب براند بلانشارد الذي درس الفلسفة في أكسفورد أنّ برادلي كان منعزلاً لما يقرب من خمسين عامًا بسبب سوء الحالة الصحية، ولم يتزوج برادلي أبدًا على الرغم من أنّ ثلاثة من أعماله كانت مخصصة لامرأة غير معروفة، ويقال بأنّ الرمز (ER) الذي في أعماله يشير لتلك المرأة، وقد تلاش الجدل النقدي لأعماله المبكرة في سنواته الأخيرة، وكان يأمل في إعادة كتابة الدراسات الأخلاقية.

فلسفة التاريخ لدى برادلي:

كانت أول مساهمة جوهرية لفرانسيس هربرت برادلي في الفلسفة هي نشر كتيب في عام 1874 بعنوان الافتراضات المسبقة للتاريخ النقدي، وعلى الرغم من أنّه لم يتم ملاحظته على نطاق واسع في ذلك الوقت إلّا أنّه كان له تأثير على تفكير روبن جورج كولينجوود (R.G. Collingwood)، الذي تُظهر نظريته المعرفية للتاريخ مثل نظرية برادلي، وكذلك شكوكًا معينة فيما يتعلق بالحقائق التاريخية وسلطة الشهادة والتي كان لها تأثير لاحق كبير.

استلهمت آراء برادلي من قراءته لنقاد الكتاب المقدس الألمان وكانت هذه الآراء بارزة منذ ذلك الحين في الدراسات الدينية، حيث من المناسب الإحجام عن أخذ شهادة بالقيمة الظاهرية لحدوث المعجزات التي تنتهك قوانين الطبيعة، ولكن محاولة برادلي توسيع نطاق هذا التردد ليشمل التقارير التاريخية بشكل عام يقلل من أهمية التناقض بين توحيد الطبيعة وتنوع التاريخ البشري.

وعلى الرغم من أنّ حجته الإجمالية لا يمكن اعتبارها مرضية، إلّا أنّ الكتيب يستحق القراءة لأهميته التاريخية وقيمته كمقدمة موجزة إلى حد ما لفكر برادلي، وتظهر هنا بعض الموضوعات المميزة اللاحقة مثل إمكانية الخطأ في الأحكام الفردية ورفض حسابات الحقيقة المتوافقة، وكذلك أسلوب برادلي الفلسفي الذي غالبًا ما يكون غامضًا ومحتقرًا نموذجيًا للمثال التوضيحي، وأيضًا بمعايير أدبية غير مريحة في أواخر القرن العشرين والذي يمكن رؤيته بوضوح كبير.

فلسفة الأخلاق لدى برادلي:

تم التعبير عن آراء برادلي حول الأخلاق بإسهاب في أول منشور له معترف به على نطاق واسع الدراسات الأخلاقية 1876، وأحد أسباب ملاحظة ذلك هو أنّ الكتاب جدلي للغاية، حيث وصفه سيدجويك بأنّه: “دعاية قوية” في استعراض برادلي للعقل، ولكن لم يغير هذه الآراء بشكل كبير في السنوات اللاحقة، ففي عام 1893 وصفه بأنّه: كتاب لا يزال يعبر عن آرائي بشكل رئيسي”، وفي وقت وفاته كان يعمل على طبعة ثانية والتي بشكل مميز كانت للاحتفاظ بالنص الأصلي كما هو مع تضمين مادة إضافية.

يقول برادلي في مقدمته أنّ موضوعه نقدي بشكل أساسي وأنّ النظرية الأخلاقية في عصره تستند إلى المفاهيم المسبقة الميتافيزيقية والنفسية، وهي مشوشة أو حتى خاطئة، ويعد هذا أكثر كتبه هيغليًا حيث يتمثل منهجه في سلسلة من المقالات المتصلة في العمل بشكل ديالكتيكي من خلال هذه النظريات الخاطئة نحو فهم سليم للأخلاق.

ووفقًا لذلك يخبرنا أنّ المقالات يجب أن تُقرأ بالترتيب الذي تقف فيه، فالنتيجة الطبيعية لذلك هي أنّ الممارسة الشائعة لاستخراج واحدة أو اثنتين منها، عادةً ما تكون مكتوبة ببراعة (المتعة من أجل المتعة) و (محطتي وواجباتها) من الكل على أساس مزاياهم الفردية، ويمكن أن يؤدي إلى انطباع مضلل عن أهميتها في التفكير الأخلاقي لبرادلي حيث لا يمثل أي منهما موقفًا نهائيًا.

يبدأ تطوير هذا الفهم الصحيح من خلال فحص المفهوم بالمعنى العامي للمسؤولية الأخلاقية والتهديدات الواضحة التي تشكلها المذاهب الفلسفية للحتمية واللاحتمية حيث تتبخر التهديدات التي يجادل بها بمجرد أن نفحص حقيقة الفعل البشري، حيث أحد الموضوعات البارزة في الكتاب هو أنّ الفكر الأخلاقي اليومي لا يجب أن تقلبه الفلسفة الأخلاقية.

وهو يتابع بالتحول إلى السؤال (لماذا يجب أن أكون أخلاقيًا؟)، والذي يجيب عليه باقتراح أنّ الغاية الأخلاقية لكل من نحن تحقيق الذات، وما هو هذا، ويتم الكشف عنه تدريجيًا من خلال فحص النظريات الفلسفية التمثيلية التي يتم رفض كل منها باعتبارها غير مرضية بسبب تركيزها الأحادي الجانب على سمات معينة للحياة الأخلاقية.

برادلي والفلسفة النفعية:

يعتقد برادلي أنّ كل نظرية تجسد شيئًا مهمًا يجب ألّا يُنسى في الفهم الصحيح الذي يهدف إليه، فعلى سبيل المثال في المقال الثالث تحت مقولة (المتعة من أجل المتعة)، حيث أنّه يعد نقد لا يزال تقليديًا لنفعية اللذة، ويجادل برادلي بأنّ فردانيتها لا تُحتمل، كما هو مفهومها عن السعادة كحالة ممتعة يمكن التعرف عليها بشكل مستقل عن الوسائل التي من خلالها يتم تحقيقه (بحيث يمكن تحقيقه من حيث المبدأ بشكل أكثر ملاءمة من السلوك الأخلاقي).

ولكن بعد التخلص من هذه الأخطاء يمكن الاحتفاظ بالبصيرة النفعية الأساسية لأهمية السعادة كنقطة أخلاقية، وبالمثل في فحص المقال التالي لأخلاقيات الواجب في كانط (إن لم يكن تمامًا كما كانط) يجادل أنّه من هذا المفهوم للأخلاق يجب أن نتخلى كنتيجة لتجريد خاطئ عن فكرته القائلة بأنّ الواجب يجب أن يتم من أجل الواجب فقط. مصلحة. ومع ذلك يمكننا الاحتفاظ بالبصيرة القائلة بأن الأخلاق تتطلب أداء واجبات فردية، بشرط أن نكون واضحين أن التزامهم ينشأ من طبيعة كل واجب وليس من بعض المبادئ الرسمية.

هذه النظريات غير كافية لأنّ لديهم تصورًا ناقصًا للذات، وهو نقص يبدأ في علاجه في المقال الخامس الشهير (محطتي وواجباتها)، حيث يحدد التصور الاجتماعي للذات والأخلاق بمثل هذا النشاط وأنّه من المفهوم أنّ الفكرة الخاطئة بأنّها تعبر عن موقفه قد اكتسبت بعض النقد، فمن الواضح أنّ هذا التفسير الهيغلي للحياة الأخلاقية حيث تتحقق الذات تمامًا من خلال أداء دورها في الكائن الاجتماعي الذي يؤسس واجباتها، وهو الذي جذب برادلي بشكل كبير، ويبدو أنّه لم يلاحظ أبدًا التوتر الضمني بين الحساب الميتافيزيقي للذات باعتباره اجتماعيًا بالضرورة والأمر الأخلاقي لإدراك الذات في المجتمع.

لكنه يعترف أخيرًا بعدم ملاءمته مشيرًا على سبيل المثال إلى أنّ أي مجتمع فعلي قد يظهر عيوبًا أخلاقية تتطلب الإصلاح من وجهة نظر مثالية لا يمكن تمثيلها في الأدوار المتاحة داخل ذلك المجتمع، ويقوده هذا بشكل طبيعي إلى دراسة المقالة التالية للأخلاق المثالية، حيث يناقش نطاق مطالب الأخلاق على الفرد وبامتداد طبيعي إضافي إلى مناقشة المقالة السابعة للتمييز بين الذات الجيدة والسيئة، وكذلك مناقشة تتضمن محاولة إثبات أنّ الذات السيئة هي نوع من الطفيلي غير القابل للتحقيق على الخير.

ويعد هذا ضروري لمشروعه حيث بدونه لا يمكنه أن يأمل في جعل اقتراحه معقولاً بأنّ هدف الأخلاق هو تحقيق الذات، ولكن بطريقة ما لا يزال مؤسسو المشروع حيث المقال الأخير يجادل بأنّ الأخلاق هي في نهاية المطاف متناقضة مع نفسها اعتمادًا على وجودها على الشر الذي تسعى للتغلب عليه، وبالتالي فإنّ تحقيق الذات المثالية لا يمكن تحقيقه من خلال الأخلاق، لكن الكتاب يختتم بالإشارة إلى أنّه لا يزال ممكنًا في الدين.

ويتم عرض بعض أفكار برادلي الميتافيزيقية في دفاعه عن فلسفته الأخلاقية، ومثال على ذلك هو ادعائه بأنّ الذات هي كونية ملموسة وأنّ المذاهب الأخلاقية التي ينتقدها تتضرر من خلال اعتمادها على المفاهيم المجردة عن الذات. فالذات عالمية من حيث أنّها تحتفظ بهويتها بمرور الوقت ومن خلال العديد من الإجراءات المختلفة، وبالتالي تجمع معًا سلسلة التفاصيل المجردة التي تشكل تاريخها بطريقة مماثلة لتلك التي يجمع فيها اللون الأحمر العام المجرد معًا مثيلاته الفردية المبعثرة والتي غالبًا ما تسمى بالاستعارات، حيث إنّه ملموس من حيث أنّه على عكس اللون الأحمر فهو فرد حقيقي غير مجرّد.

ولكي تكون مثل هذه الادعاءات مقنعة تمامًا هناك حاجة إلى نظام متطور يتم فيه وضع الأفكار الميتافيزيقية الأساسية بالكامل كما اعترف هو نفسه، ولكن في هذا العمل اللاحق ومعظمه في المظهر والواقع يختفي تعبير (عالمي ملموس) تقريبًا من مفردات برادلي، ويرجع ذلك أساسًا إلى استنتاجه في النهاية أنّه يمكن أن يكون هناك شيء واحد فقط، حيث ومع ذلك فإنّ الفكرة التي ينطوي عليها الأمر لا تزال قائمة، ولكن تعاود الظهور في شكل موضوع متكرر مفاده أنّ التجريد هو تزوير وفي هذا الشكل هو مركز لمنطقه وميتافيزيقيا.


شارك المقالة: