فلسفة برادلي وتحقيق الذات

اقرأ في هذا المقال


“قال أحدهم عن الانتحار: ما دام المرء لديه عقول فلا ينبغي له أن ينفجر، وأجاب آخر: ولكن عندما يتوقف المرء عن الحصول عليها لا يستطيع المرء في كثير من الأحيان”.

فلسفة برادلي في تكوين الشخصية:

علاوةً على ذلك يعتقد الشخص العادي أنّ الشخصية تتطور من خلال الخيارات التي يتخذها الناس ونوع الحياة التي عاشوها، ومع ذلك يلاحظ فرانسيس هربرت برادلي أنّ هذه الشخصية مرنة إلى حد ما وغالبًا ما يكون من الصعب تحديد مدى ثبات شخصية شخص ما ومقاومته للتغيير.

وبغض النظر عن هذه الأمور فإنّ النتيجة الرئيسية لمناقشة المسؤوليةالأخلاقية هي تصوير الفاعلين الأخلاقيين ليس فقط على أنّهم يتصرفون في العالم بطرق تشكل ذلك العالم، وخاصة العالم الاجتماعي ولكن أيضًا بطرق تشكل شخصية الفاعل الأخلاقية، ومن منظور الأخلاق كل من الفعل وفعله لهما نفس القدر من الأهمية.

مفهوم التاريخية لدى برادلي:

إنّ برادلي لا يتوقف عند تكوين الشخصية مدعيًا أنّ الطبيعة البشرية نفسها تتطور، ويرفض وجهة النظر التقليدية القائلة بأنّ طبيعة الإنسان الأساسية تبقى دون تغيير على الرغم من أنّه ستكون هناك بعض الاختلافات في الأشخاص والتي هي مجرد حوادث تاريخية.

والموقف المعاكس هو عقيدة ميتافيزيقية حيث غالبًا ما تسمى التاريخية، والتي تدّعي أنّ البشر يصنعون أنفسهم في حدود سياقاتهم الطبيعية والاجتماعية، وهناك علاقة جدلية بين هذه الجوانب من الحالة الإنسانية، ونحن لسنا مقيدين فقط بالسياقات الطبيعية والاجتماعية ولكن يمكننا في كثير من الأحيان تغيير الظروف الطبيعية والترتيبات الاجتماعية، وبالتالي التأثير على كيفية تأثيرها على خياراتنا.

على سبيل المثال ستكون قدرتي على التفكير في أشياء معينة ممكنة نتيجة تصوري للمؤسسات الاجتماعية في مجتمعي، وإذا تم تعريف الزيجات على أنّها بين ذكر وأنثى، فقد لا يفكر المرء حتى في إمكانية أن يكوّن المرء في زواج من نفس الجنس، فلا يتردد المرء في التصرف بناءً على الفكرة، ومع ذلك فإنّ التغيير ممكن لأنّ البشر لديهم القدرة على تمثيل حالات غير موجودة، ويحدث هذا في أكثر صوره شيوعًا عندما تخطط لعشاء الغد.

الاختيار الإرادي في فلسفة برادلي:

المهمة الآن هي تطوير البنية المنطقية لعملية صنع الذات هذه، لأنّ أطروحة برادلي الأخلاقية لا تقتصر على أنّ الهدف من الفعل الأخلاقي هو توليد نفس أفضل متفوقة ففي النهاية ذات الكمال، ولكن هذا هو ليتم تحقيقه بواسطة الفاعل بنفسه لأنّه عملية تحقيق الذات، والتي في نهاية المطاف يجب أن تقدم هذه النظرية وصفًا لكيفية تضمين أي شيء يمكن أن نتعرف عليه كمحتوى أخلاقي في الصورة.

ولكن المهمة الأولى هي توضيح الهيكل الرسمي لـ (الاختيار الإرادي)، حيث يبدأ برادلي هذه المهمة بالإشارة إلى الأهداف المختلفة التي لدينا في متابعة المعرفة النظرية مقابل أهدافنا في التفكير العملي:

“ما نريده نظريًا هو فهم الشيء، وذلك لأنّه لا نريد إزالة عالم الحقيقة الحسية أو تغييره لكننا نريد الوصول إلى حقيقة ذلك، ويعتبر العلم كله أمرًا مفروغًا منه أن غيرنا مفهوم حقًا، وذلك بأنّها تقف وتسقط مع هذا الافتراض، وطالما أنّ نظريتنا تصطدم بالعقل باعتباره غريبًا، وطالما نقول إننا لم نجد الحقيقة، فإننا نشعر بالاندفاع للذهاب إلى أبعد من ذلك، ونغير وجهات نظرنا ونبدلها حتى نراها كوحدة متسقة.

وهناك نرتاح لأننا بعد ذلك وجدنا طبيعة أذهاننا وحقيقة الحقائق في واحد، وعمليًا مرة أخرى مع اختلاف لدينا في نفس الرغبة، فإنّ هدفنا هنا ليس ترك المعطى كما هو بل إيجاد الحقيقة له، ولكن هنا نريد أن نجبر الحقيقة الحسية على أن تتوافق مع حقيقة أنفسنا”.

يقدم هذا نوعين مختلفين جدًا من الحالات العقلية المقصودة، ففي حالة المعرفة التجريبية لدينا موضوع في الحالة النفسية للاعتقاد بأنّ شيئًا ما صحيح في العالم، وذلك بإيمانه له غرض افتراضي كما يسميه برادلي، ونظرًا لأنّ الهدف هو فهم العالم بشكل صحيح فإنّ الموضوع ملتزم بتغيير مجموعة معتقداته حتى يمثل بدقة العالم المادي الخارجي.

إدراك الذات لدى فلسفة برادلي:

على النقيض من ذلك عندما يرغب المرء في أن يصبح شخصًا أفضل أو يرغب في ذلك فإنّه يجب أن يمثل أولاً الذات أو الشخص الذي يرغب في أن يكون تحت بعض الوصف، وهذا النوع من الحالة العقلية له أيضًا موضوع افتراضي.

فعلى سبيل المثال في العبارة: “أتمنى أن أكون شخصًا أكثر صبرًا” فإنّ الاقتراح المائل الذي يتبع “أن” هو موضوع الحالة العقلية التي نسميها الرغبة، وما لدينا هنا في مصطلحات برادلي هو الشيء المثالي الذي هو مضمون الرغبة، وهذا مثالي لأنّه تمثيل عقلي لحالة غير موجودة في النقطة التي يتم فيها تحقيق الرغبة.

يمكن أن يمثل الشيء المثالي حالة مختلفة محتملة للشخص الذي يفكر فيه والتي تفترض مسبقًا بالإضافة إلى القدرة على تمثيل الحالات المستقبلية المحتملة ودرجة من الوعي الذاتي، ويوجد مثال على هذا النوع من الوعي الذاتي لدى المدمن الذي قد يكون مدركًا تمامًا لكيفية تدمير رغباته لحياته، وبمجرد تحقيق هذا النوع من الوعي الذاتي الانعكاسي يصبح من الممكن عندئذ التفكير في تغيير الأشياء.

بلغة برادلي تصور هذا المدمن لنفسه أفضل مما قد يكون عليه، وإذا جاء للتعرف على رضاه عن إدراك هذه الذات الأفضل فهناك إمكانية للتغيير، ويؤدي هذا الموقف إلى نشوء صراع بين الشخص الفعلي الذي يمثله المدمن الآن والشخص الأفضل الممثل الذي يرغب في أن يكون، وهذا يولد التنافر أو ما يسميه برادلي غالبًا (التناقض المحسوس) إنّ ألم هذا الصراع يدفع الفرد نحو حله.

ومن المهم أن نلاحظ أنّ المدمن لا يمكنه المضي قدمًا دون أن يكون لديه كائن مثالي محدد وهو مفهوم محدد عن الذات المثالية الممثلة، وبدون هذا سيكون من المستحيل تحديد رضاه عن إدراك تلك الدولة.

يعطينا هذا طريقة لمعرفة ما يعنيه برادلي عندما يقول في مقالة لاحقة أنّ: “الإرادة هي الإدراك الذاتي لفكرة يتم من خلالها التعرف على الذات”، وفي الدراسات الأخلاقية فإنّ الادعاء الذي تم تقديمه هو أنّ الشيء الوحيد الذي يمكننا أن نهدف إليه في العمل هو إدراك أنفسنا، أو بشكل أفضل تجعل بنية التفكير العملي وحقائق علم النفس الأخلاقي من المستحيل أن نهدف إلى أي شيء آخر غير الذات أي الإدراك.

وإذا كان للاختيار الإرادي حالة محتملة من الذات كهدف لها وإذا حدد المرء رضا المرء عن تحقيق ذلك فإنّ التصرف لتحقيق الذات المتفوقة التي تم تصويرها هو تقدم للذات أو إدراك الذات، وفي الواقع سيكون هذا صحيحًا أيضًا في حالة يمثل فيها الكائن المتعمد حالة لا تنطوي بشكل مباشر على تغيير في الذات لأنّ تحديد رضا المرء عن حالة محتملة يعني أنّ مجيئه سيكون أيضًا حالة تقدم النفس، ففي هذه الحالة أجبر الفاعل العالم على التوافق معنا، والمهم هو أن يتم اعتبار الحالة الممثلة على أنّها نهاية الوكيل أو الممثل.

وكما يلاحظ برادلي: “كل أفكاري ليست نهاياتي” وإذا كان إدراك الذات لا يعني أكثر من مجرد وجود فكرة عن حدث مستقبلي في أذهاننا والذي يحدث لاحقًا: “إذًا يجب أن أدرك نفسي عمليًا عندما أرى أنّ المحرك سوف يهرب من الخط وهو يفعل ذلك”.


شارك المقالة: