فلسفة بودان الأخلاقية ومسألة العبودية

اقرأ في هذا المقال


جان بودان فيلسوف سياسي فرنسي، وجاء جان بودان من عائلة مريحة في أنجيه وتلقى تعليمًا إنسانيًا ممتازًا، ودرس القانون ودرّس لفترة وجيزة في جامعة تولوز لكنه لم يتمكن من الحصول على منصب أكاديمي دائم.

المنظور العام لفلسفة بودان:

على الرغم من مشاركته العرضية في السياسة العليا كان بودان باحثًا إنسانيًا لا يعرف الكلل سعى إلى شمول وتوليف كل ما تعلمه في عصره، وأنتج مجموعة من الرسائل المستفيضة حول جميع الموضوعات الرئيسية في عصره بما في ذلك منهجية التاريخ والنظرية الاقتصادية والقانون العام المقارن والسياسة والسحر والدين المقارن والفلسفة الطبيعية والأخلاق.

كان يعمل في الغالب في الإدارة الملكية وكان لبعض الوقت سكرتيرًا لدوق دالسون، كما كان بودان الذي كان ينتمي إلى قلب الملك إصلاحيًا وليبراليًا في السياسة المالية والاجتماعية، ولقد فضل التسامح الديني باعتباره الحل الأكثر سياسية للحرب الدينية التي عصفت بفرنسا في عصره، وفي عام 1576 عمل كنائب للثالث في العقارات العامة لبلوا، وعارض بشدة منح ضرائب جديدة كان من الممكن أن يستخدمها التاج لمقاضاة الحرب الدينية.

عمله الفلسفي (طريقة لسهولة فهم التاريخ) هي دليل لقراءة المؤرخين الذي أوجز الكثير من كتاباته اللاحقة، ولكن أشهر أعماله وأكثرها تأثيراً هو كتابه ستة كتب للجمهورية (Six Livres de la république)، وهو عبارة عن أطروحة ضخمة عن القانون والسياسة العامة المقارنة، فالنصف الأول من الكتاب هو أقدم أطروحة حديثة عن القانون العام، ومبدأها التنظيمي هو تحليل بودان الرائد وبناء مفهوم السيادة كشرط قانوني لوجود الدولة.

جادل بودان أيضًا عن طريق الخطأ بأنّ السيادة غير قابلة للتجزئة فضلاً عن كونها مطلقة ودائمة قانونًا، ولقد رفض إمكانية وجود دستور مختلط يتم فيه تقسيم السلطة العليا بين عميلين أو أكثر وبالتالي خالف الرأي السائد بأنّ دساتير روما والجمهوريات الكلاسيكية الأخرى كانت مختلطة، وعند إعادة تفسير بودان كانوا إما ديمقراطيات خالصة أو أرستقراطيات نقية فيما يتعلق بالموقع القانوني للسلطة العليا وإن لم يكن بالضرورة في إدارة الشؤون اليومية.

ومع ذلك كان تفسيره للدستور الفرنسي على أنّه نظام ملكي مطلق هو الأكثر أهمية سياسيًا من بين جميع تنقيحات بودان للتقاليد التي تم تلقيها، ولقد اعترف مرة بل ووافق على الأقل على بعض القيود القانونية على الملك، ولكنه دفع في النهاية إلى الحكم المطلق ليس فقط من خلال منطق موقفه ولكن بسبب مخاوفه العميقة من الفوضى، ولم يعترف بودان أبدًا بحق أي شعب في مقاومة طاغية وظن خطأً أنّه يمكنه استبعاد هذا الحق من الناحية القانونية عن طريق حرمان الشعب من أي دور رسمي في الحكومة.

الفلسفة الاخلاقية:

تم نشر مفارقة الأب جان بودان أنّه لا توجد فضيلة في المستوى المتوسط ​​ولا في وسط رذيلتين (Fr. Paradoxe de Jean Bodin qu’il n’y a pas de vertu en médiocrité ni au milieu de deux vices) لأول مرة في اللاتينية عام 1596 على الرغم من أنّ بودان أكمل النص في عام 1591، وتم نشر ترجمتين فرنسيتين لاحقًا، وتعود ترجمة بودان الخاصة إلى عام 1596 لكنها ظلت غير منشورة حتى عام 1598، ويمكن اعتبار ترجمة بودان كنسخة منقحة من النص اللاتيني بدلاً من ترجمتها البسيطة، وتتضمن النسخة اللاتينية مقدمة غير موجودة في النسخة الفرنسية.

تمت كتابة المفارقة في شكل حوار وهي مناقشة بين الأب والابن، وأثناء الحوار أشار الابن مرارًا وتكرارًا إلى سلطة أرسطو، وغالبًا ما يدحض الأب آراءه الذي يشير إلى كتابات أفلاطون وإلى الكتاب المقدس، ويشير مصطلح (المفارقة) في العنوان إلى حقيقة أنّ بودان يقر بأنّ وجهات نظره تتعارض مع الآراء الأخلاقية التي كانت مقبولة بشكل عام في عصره خاصة فيما يتعلق بالعقيدة الأرسطية عن الوسط.

يبدأ العمل بمناقشة تتعلق بمسألة الخير والشر ومسألة العدالة الإلهية، ويتبع ذلك مخطط للبنية الأساسية لفلسفة بودان الأخلاقية حيث أنّ الله هو الصالح السيادي أو ما هو الأكثر فائدة والأكثر ضرورة لكل مخلوق يمكن تخيله، وإنّه أيضًا مصدر كل الأشياء الجيدة الأخرى، ويُعرَّف الشر بأنّه الحرمان من الخير وهو تعريف تتبعه بودان للقديس أوغسطين، وتم العثور على نفس التعريف في كتابه المسرح حيث يتم استخدامه لدعم الحجة القائلة بأنّ كل شيء في الخلق جيد فالله لم يخلق أي شرير.

تتم مناقشة خير الإنسان وحياة قانعة تليها مناقشة تتعلق بفضائل ورذائل معينة بالإضافة إلى أصولها، ويدحض بودان عقيدة أرسطو عن الوسطية، ويلي ذلك مناقشة حول الفضائل الأخلاقية والفكرية، ثم يفحص بودان الحكمة، ثم يدّعي أنّ الفطنة وحدها تساعدنا على الاختيار بين الخير والشر، ويناقش القسم الأخير الحكمة ومحبة الله، ويؤكد الأب أنّ الحكمة توجد في الخوف من إهانة الله، والخوف من الله لا ينفصل عن محبة الله فهما يشكلان معًا أساس الحكمة.

مسألة العبودية:

يتم تناول مسألة العبودية في الكتاب الأول الفصل الخامس من الجمهورية، ويُعرف بودان اليوم كواحد من أوائل المدافعين عن إلغاء الرق، وبالنسبة له كانت العبودية ظاهرة عالمية بمعنى أنّ العبيد موجودون في جميع أنحاء العالم، وكان الرق مقبولًا على نطاق واسع من قبل حقوق الانسان (droit des gens)، ويكتب بودان أنّ هناك صعوبات فيما يتعلق بالعبودية لم يتم حلها أبدًا، ويرغب في الإجابة على السؤال التالي: “هل الرق أمر طبيعي ومفيد أم يتعارض مع الطبيعة؟”.

يعارض بودان رأي أرسطو الذي يعتبر العبودية أمرًا طبيعيًا فبعض الناس يولدون للحكم والأمر في حين أنّ دور الآخرين هو الخدمة والطاعة، ويعترف بودان بأنّ: “هناك معقولية معينة في الحجة القائلة بأنّ العبودية أمر طبيعي ومفيد في الكومنولث”، وبعد كل شيء يتابع بودان مؤسسة العبودية موجودة في جميع دول الكومنولث، وفي جميع الأعمار امتلك الرجال الحكماء والصالحين عبيدًا، ولكن إذا أردنا النظر في السؤال وفقًا للآراء المتعارف عليها وبالتالي السماح لأنفسنا بأنّ نكون أقل اهتمامًا بالحجج الفلسفية فسوف نفهم قريبًا أنّ العبودية أمر غير طبيعي ويتعارض مع كرامة الإنسان.

سبب مناهظة بودان للعبودية:

معارضة بودان للعبودية متعددة الجوانب:

1- بادئ ذي بدء ويعتبر العبودية في معظم الحالات أمرًا غير طبيعي كما تشهد الفقرة التالية: “أعترف بأنّ العبودية تتفق جيدًا مع الطبيعة عندما يفرض رجل قوي غني وجاهل، طاعته وخدمته إلى حكيم وحكيم ورجل فقير ضعيف، ولكن لكي يخدم الحكماء الحمقى أصحاب الفهم لخدمة الجهلاء والصالحين لخدمة الشر. ما الذي يمكن أن يقاومه النحل أكثر مع الطبيعة؟”.

2- ثانياً العبودية إهانة للدين لأنّ شريعة الله تحرم جعل أي إنسان عبداً ضد نواياهم الحسنة ورضاهم.

3- ثالثًا العبودية ضد كرامة الإنسان بسبب الإهانات التي لا حصر لها والتي لا يمكن وصفها والتي أُجبر العبيد على معاناتها، ووفقًا لأحد التفسيرات يجب فهم معارضة بودان للعبودية قبل كل شيء في سياق آرائه المتعلقة بالكومنولث في ذلك العبودية التي تشكل تهديدًا دائمًا لاستقرار الدولة.

يعتمد بودان على رواية تاريخية لإثبات أنّ العبودية لا تتوافق مع الكومنولث المستقر، وهكذا يقول في المقطع التالي: “لذلك برهنت على ذلك من خلال أمثلة العديد من عوالم السنين والكثير من المضايقات من التمردات والحروب المستعبدة والتآمر والتغييرات التي حدثت للكومنولث من قبل العبيد، حيث الكثير من الذمّرات والقسوة والأشرار البغيضين الذين استفادوا من عبيدهم من قبل أسيادهم وسادتهم: من يستطيع أن يشك في التأكيد على أنّه من أكثر الأمور ضررًا وإخلاصًا هو جلبهم إلى الكومنولث او طردهم ليعودوا”.


شارك المقالة: