نُشر كتاب طريقة بودان لتسهيل معرفة التاريخ (Bodin’s Methodus ad Facilem historiarum cognitionem) لأول مرة في عام 1566 والذي نُقح في عام 1572، وهو أول عمل مهم لبودان ويحتوي على العديد من الأفكار التي تم تطويرها بشكل أكبر في أعماله المنهجية الرئيسية الأخرى، وبعضها هو التاريخ البشري والتاريخ الطبيعي والتاريخ الإلهي الذي تم تفصيله لاحقًا في أعماله الجمهورية ومسرح وندوة هيبتابلومرس على التوالي.
المنظور العام لكتاب طريقة لتسهيل معرفة التاريخ:
كان هدف بودان في كتابة المنهج هو الكشف عن الفن والأسلوب المستخدم في دراسة التاريخ، ويمكن بسهولة اكتشاف رغبته في تطوير نظام وتجميع جميع المعارف الموجودة في المنهجية.
الفصول الأربعة الأولى من المنهجية هي إلى حد كبير مناقشة تتعلق بالمنهجية، ويتم تحديد التاريخ وفئاته المختلفة في الفصل الأول، ويناقش الفصلان الثاني والثالث الترتيب الذي يجب قراءة الحسابات التاريخية به والترتيب الصحيح لترتيب كل المواد.
الفصل الرابع يوضح اختيار المؤرخين، ويمكن اعتباره عرضًا لطريقة بودان لدراسة نقدية للتاريخ حيث أنّ ينتقل طالب التاريخ من الروايات المعممة إلى سرد أكثر تفصيلاً، ويجب أن تبدأ القراءة من أقدم أوقات التاريخ المسجل ويجب أن يتقدم القارئ بشكل طبيعي نحو الأزمنة الحديثة، ومن أجل الحصول على فهم شامل للكل يجب ربط بعض الموضوعات الأخرى –علم الكونيات والجغرافيا والكوروغرافيا والتضاريس والهندسة– بدراسة التاريخ، ويجب تقييم جميع المواد بشكل نقدي، ويجب أن تؤخذ خلفية وتدريب المؤرخين في الاعتبار فضلًا عن مؤهلاتهم.
من بين الفصول العشرة التي تشكل المنهج الفصل السادس هو الأطول إلى حد بعيد حيث يغطي أكثر من ثلث الكتاب ويمكن اعتباره مخططًا لكتابه الجمهورية، حيث تسعى الفصول من السابع إلى التاسع إلى دحض التفسيرات الخاطئة للتاريخ، ويتعلق دحض بودان الأول بالأسطورة القائمة على نبوءة توراتية عن الملكيات أو الإمبراطوريات الأربعة كما أكد عليها العديد من اللاهوتيين البروتستانت الألمان.
يتعلق نقد بودان الثاني بفكرة العصر الذهبي (وتفوق القدماء مقارنة بالحديثين)، وعلاوة على ذلك يدحض بودان خطأ أولئك الذين يدعون الأصل المستقل للأجناس، ويحتوي الفصل الأخير من المنهج على ببليوغرافيا التاريخ العالمي.
منهجية لدراسة التاريخ:
يكتب بودان أنّ هناك ثلاثة أنواع من التاريخ وهما:
1- إلهي.
2- طبيعي.
3- بشري.
والمنهج هو تحقيق في النوع الثالث، أي دراسة الأفعال البشرية والقواعد التي تحكمها، فالعلم لا يهتم بالتفاصيل ولكن مع المسلمات، ولذلك يعتبر بودان محاولات الفقهاء لتأسيس مبادئ الفقه العالمي من المراسيم الرومانية أو بشكل عام من القانون الروماني أمرًا سخيفًا، مما يعطي الأفضلية لتقليد قانوني واحد، بحيث يتعلق القانون الروماني بتشريعات دولة معينة -وقوانين ولايات معينة هي موضوع القانون المدني- وعلى هذا النحو التغيير في غضون فترة زمنية وجيزة.
تتطلب الدراسة الصحيحة للقانون نهجًا مختلفًا وهو نهج سبق أن وصفه أفلاطون وهو: الطريقة الصحيحة لتأسيس القانون ولحكم الدولة هي الجمع بين الإطار القانوني لجميع الدول الموجودة ومقارنتها وتجميع أفضل منهم، وجنبًا إلى جنب مع غيرهم ممن يسمون بالإنسانيين القانونيين مثل بودي والكيات وكونان رأى بودان أنّه لا يمكن الحصول على الفهم الصحيح للقانون العالمي إلّا من خلال الجمع بين دراسات التاريخ والقانون.
في الواقع في التاريخ يكمن أفضل جزء من القانون العالمي في الخفاء، وما له وزنه وأهميته لأفضل تقدير للتشريع -عادات الشعوب وبدايات جميع الدول ونموها وظروفها وتغيراتها وانحطاطها- يتم الحصول عليها منه، ويتكون الموضوع الرئيسي لهذه الطريقة من هذه الحقائق حيث لا توجد مكافآت للتاريخ أكثر من تلك التي يتم جمعها عادة حول الشكل الحكومي للدول.
فلسفة بودان في أنواع مفسري القانون:
يكتب بودين أنّ هناك أربعة أنواع من مفسري القانون، وأمهرهم هم من تدربوا ليس فقط على التعاليم وممارسات الطب الشرعي ولكن أيضًا على أرقى الفنون والفلسفة الأكثر استقرارًا من حيث:
1- الذين يدركون طبيعة العدالة وتكون غير القابلة للتغيير وفقًا لرغبات الرجال، ولكن التي ينص عليها القانون الأبدي.
2- الذين يحددون بمهارة معايير الإنصاف.
3- الذين يتتبعون أصول الفقه من المبادئ النهائية.
4- الذين ينقلون بعناية معرفة كل العصور القديمة، ومن يعرف بالطبع سلطة وسيادة الإمبراطور ومجلس الشيوخ والشعب والقضاة الرومان.
5- الذين يقدمون إلى تفسير التشريع مناقشة الفلاسفة حول القوانين والدولة.
6- الذين يعرفون جيدا اللغتين اليونانية واللاتينية حيث يتم وضع الفرائض، ومن يحدد مطولاً تقسيم التعلم بأكمله ضمن حدوده ويصنف إلى أنواع ويقسم إلى أجزاء ويشير بالكلمات ويوضح بالأمثلة.
نظرية المناخات:
نظرية المناخات (Theory of Climates) هي من بين أشهر أفكار بودان، فلم يكن بودان أول من ناقش هذا الموضوع، حيث إنّه مدين بالكثير لمؤلفين كلاسيكيين مثل ليفي وأبقراط وأرسطو وتاسيتوس والذين أشارهم بودان نفسه، كما أنّه يقترض من معاصريه -وخاصة المؤرخين والمسافرين والدبلوماسيين- مثل كومينيس (Commines) ومكيافيللي (Machiavelli) وكوبرنيكوس (Copernicus) وجان كاردان (Jean Cardan).
اختلفت ملاحظات بودان حول المناخ عن ملاحظات أسلافه في العصور الوسطى، حيث كان بودان مهتمًا أولاً وقبل كل شيء بالآثار العملية للنظرية: أي يجب التفكير في الفهم الصحيح لقوانين البيئة كنقطة انطلاق لجميع السياسات والقوانين والأحكام والمؤسسات، ويعتقد بودان أنّ المناخ والعوامل الجغرافية الأخرى تؤثر على الرغم من أنّها لا تحدد بالضرورة على مزاج أي شخص، ووفقًا لذلك يجب تكييف شكل الدولة والتشريع مع مزاج الشعب والأرض التي يشغلها.
تم العثور على ثلاثة روايات مختلفة لنظرية المناخات في كتابات بودان، حيث أقدم نسخة موجودة في الفصل الخامس من الميثودوس، وعلى الرغم من أنّ أحد المقاطع يحتوي على المبادئ العامة للنظرية إلّا أنّ بودان لا يربطها بالسياسة المعاصرة، وفي الفصل الأول من الكتاب الخامس من الجمهورية تم تضخيم نظرية المناخ بشكل أكبر وتوطدت علاقتها بالسياسة المعاصرة، وعلاوة على ذلك تحتوي الترجمة اللاتينية للجمهورية على بعض الإضافات البارزة للنظرية.
وفقًا لبودان لم يفكر أحد ممن كتب عن الدول في مسألة كيفية تكييف شكل الدولة مع المنطقة التي تقع فيها (بالقرب من البحر أو الجبال وما إلى ذلك) أو مع القدرات الطبيعية للدولة وشعبها، فيرى بودان أنّه وسط حالة عدم اليقين والفوضى في التاريخ البشري تزودنا التأثيرات الطبيعية بمعيار أكيد للتعميم التاريخي، وهذه التأثيرات الطبيعية المستقرة وغير المتغيرة لها دور مهيمن في تشكيل الشخصية واللياقة البدنية والطابع التاريخي للشعوب.
هذا النهج الطبيعي محجوب إلى حد ما بسبب إيمان بودان في علم التنجيم وعلم الأعداد، وكانت الخصائص العرقية وتأثير الكواكب وأعداد فيثاغورس كلها جزءًا من أفلاطونية عصر النهضة، حيث جمع بودان هذه الأفكار مع الحتمية الجغرافية التي اتبعت عن كثب نظريات أبقراط وسترابو.
قسم بطليموس العالم إلى مناطق قطبية ومعتدلة ومناطق استوائية، وباعتماد المناطق البطلمية قسمت بودان الأرض إلى مناطق ثلاثين درجة من خط الاستواء شمالاً، فالشعوب المختلفة لها قدراتها ونقاط ضعفها، وسكان الجنوب متأملون ومتدينون بطبيعتهم حيث إنّهم حكماء لكنهم يفتقرون إلى الطاقة، ومن ناحية أخرى فإنّ سكان الشمال نشيطون وكبيرون في المكانة ولكنهم يفتقرون إلى الحكمة، بينما شعب الجنوب موهوب فكريًا وبالتالي يشبه كبار السن في حين أنّ شعب الشمال بسبب صفاته الجسدية يذكرنا بالشباب.
أولئك الذين يعيشون بين هاتين المنطقتين -رجال المنطقة المعتدلة- يفتقرون إلى تجاوزات المنطقتين السابقتين بينما يتمتعون بصفات أفضل، ولذلك يمكن وصفهم بأنّهم رجال في منتصف العمر أي حكماء وبالتالي موهوبون ليصبحوا مديرين تنفيذيين ورجال دولة، وهم المتوسط الأرسطي بين نقيضين، وتم التأكيد على تفوق هذه المجموعة الثالثة من قبل بودان طوال كتاباته.