اقرأ في هذا المقال
- الفلسفة النسوية في كتاب الجنس الثاني
- أقسام كتاب الجنس الثاني
- فلسفة بوفوار في تكوين المرأة
- فلسفة بوفوار في مطالب تحرير المرأة
يتفق معظم الفلاسفة على أنّ أعظم إسهامات سيمون دو بوفوار في الفلسفة هي إبداعها الثوري الذي يحمل عنوان الجنس الثاني، والذي نُشر هذا العمل في مجلدين عام 1949 (مكثف في نص واحد مقسم إلى كتابين باللغة الإنجليزية)، ووجد على الفور جمهورًا متحمسًا ونقادًا قاسيين.
الفلسفة النسوية في كتاب الجنس الثاني:
كان الجنس الثاني مثيرًا للجدل لدرجة أنّ الفاتيكان وضعه (جنبًا إلى جنب مع روايتها الماندرين) في فهرس الكتب المحظورة، وفي الوقت الذي كُتب فيه الجنس الثاني لم يكن هناك الكثير من الفلسفة الجادة حول النساء من منظور نسوي، باستثناء حفنة من الكتب لم يسمع بها تقريبًا عن المعالجات المنهجية لاضطهاد المرأة سواء في التاريخ أو في العصر الحديث، ونظرًا لاتساع نطاق البحث وعمق أفكاره المركزية يظل الجنس الثاني حتى يومنا هذا أحد النصوص التأسيسية في الفلسفة والنسوية ودراسات المرأة.
تتمحور الفرضية الرئيسية للجنس الثاني حول فكرة أنّ المرأة ظلت في علاقة اضطهاد طويلة الأمد للرجل من خلال إنزالها إلى مرتبة الرجل الآخر، وبالاتفاق مع فلسفة هيجل وسارتر وجدت بوفوار أنّ الذات تحتاج إلى الآخر من أجل تعريف نفسها على أنّها ذات، وبالتالي فإنّ مقولة الآخر ضرورية في تكوين الذات كنفس، ومع ذلك من المفترض أن تكون حركة فهم الذات من خلال العلاقة التبادلية من حيث أنّ الذات غالبًا ما تكون موضوعية من قبل الأخرى بنفس القدر الذي تجسده الذات.
ما اكتشفته بوفوار في تحقيقها متعدد الأوجه في وضع المرأة هو أنّ المرأة يتم تعريفها باستمرار على أنّها الأخرى من قبل الرجل الذي يتولى دور الذات، كما أوضحت بوفوار في مقدمتها فإنّ: “المرأة هي أمر عرضي وغير ضروري على عكس الأساسي، هو الذات وهو المطلق وهي الأخرى”.
بالإضافة إلى ذلك تؤكد بوفوار أنّ الوجود الإنساني هو تفاعل غامض بين التعالي واللامانة، ومع ذلك فقد حظي الرجال بامتياز التعبير عن السمو من خلال المشاريع، في حين تم إجبار النساء على الحياة المتكررة وغير الإبداعية لللازمان، ولذا تقترح بوفوار التحقيق في كيفية ظهور هذه العلاقة غير المتكافئة جذريًا وكذلك ما هي الهياكل والمواقف والافتراضات التي تستمر في الحفاظ على قوتها الاجتماعية.
أقسام كتاب الجنس الثاني:
العمل مقسم إلى موضوعين رئيسيين حيث يبحث الكتاب الأول في (الحقائق والأساطير) حول المرأة من وجهات نظر متعددة بما في ذلك العلوم البيولوجية والتحليلية النفسية والمادية والتاريخية والأدبية والأنثروبولوجية، وفي كل من هذه العلاجات تحرص بوفوار على الادعاء بأنّه لا يوجد أي منها كافٍ لشرح تعريف المرأة على أنّها أخرى للرجل أو اضطهادها المترتب على ذلك.
ومع ذلك فإنّ كل واحد منهم يساهم في الوضع العام للمرأة مثل الجنس الآخر، وكذلك فإنّ هذه الأحداث الفسيولوجية لا تتسبب بأي حال من الأحوال في أن تكون المرأة تابعة للرجل بشكل مباشر لأنّ البيولوجيا والتاريخ ليسا مجرد (حقائق) لمراقب غير متحيز، ولكن دائمًا ما يتم دمجها وتفسيرها من موقف ما.
بالإضافة إلى ذلك تقر بأنّ التحليل النفسي والمادية التاريخية يسهمان في رؤى هائلة في الحياة الجنسية والعائلية والمادية للمرأة لكنها تفشل في تفسير الصورة بأكملها، ففي حالة التحليل النفسي فهو ينكر حقيقة الاختيار وفي حالة المادية التاريخية ويتجاهل مراعاة الأهمية الوجودية للظواهر التي يختصرها في الظروف المادية.
تأتي المناقشة الأكثر ثراءً من الناحية الفلسفية للكتاب الأول في تحليل بوفوار للأساطير، فهناك تتناول الطريقة التي تساهم بها التحليلات السابقة في صياغة أسطورة الأنثى الأبدية، وتحاول هذه الأسطورة النموذجية التي تضم أساطير متعددة عن المرأة تحتها بحصر المرأة في مثل أعلى مستحيلة من خلال إنكار الفردية والموقف لجميع أنواع النساء المختلفة، وفي الواقع فإنّ النموذج المثالي الذي وضعته المؤنثة الخالدة يضع توقعًا مستحيلًا لأنّ المظاهر المختلفة لأسطورة الأنوثة تبدو متناقضة ومضاعفة.
فلسفة بوفوار في تكوين المرأة:
يبدأ الكتاب الثاني بأشهر تأكيد لبوفوار: “لا يولد المرء امرأة بل يصبح امرأة”، ومن خلال هذا تعني بوفوار تدمير الجوهرية التي تدعي أنّ النساء يولدن أنثوية (وفقًا لما تحدده الثقافة والوقت) ولكن يتم تشكيلها لتكون كذلك من خلال التلقين الاجتماعي، وباستخدام مجموعة واسعة من الحسابات والملاحظات يتتبع القسم الأول من الكتاب الثاني تعليم المرأة منذ طفولتها ومروراً بمراهقتها وأخيراً لتجاربها في السحاق وممارسة الجنس.
في كل مرحلة توضح بوفوار كيف تُجبر النساء على التخلي عن مطالبهن بالتعالي والذاتية الأصيلة من خلال القبول التدريجي الأكثر صرامة للدور السلبي والمنسلب لمطالب الرجل النشطة والذاتية، ويتم بعد ذلك استكشاف سلبية المرأة واغترابها فيما تسميه بوفوار الوضع والمبررات، كما تدرس بوفوار أدوار الزوجة والأم والفاحشة لإظهار كيف تُجبر النساء بدلاً من تجاوز العمل والإبداع على العيش في ظروف رتيبة من إنجاب الأطفال والعناية بالمنزل وكونها الأوعية الجنسية للرغبة الجنسية الذكرية.
ولأنّها تحافظ على الإيمان الوجودي بالحرية الأنطولوجية المطلقة لكل كائن بغض النظر عن الجنس لم تدعي بوفوار أبدًا أنّ الرجل قد نجح في تدمير حرية المرأة أو في تحويلها فعليًا إلى كائن فيما يتعلق بشخصيته، وإنّها تظل حرية فائقة على الرغم من تجريدها وتغريبها وقمعها.
على الرغم من أننا بالتأكيد لا نستطيع الادعاء بأنّ دور المرأة كآخر هو خطأها، ولا يمكننا أيضًا أن نقول إنّها دائمًا بريئة تمامًا في خضوعها كما تم تناوله في مناقشة أخلاقيات الغموض، فتعتقد بوفوار أنّ هناك العديد من المواقف المحتملة لسوء النية حيث يتهرب الموجود من مسؤوليته إلى قيم ومعتقدات مسبقة الصنع، فالعديد من النساء اللواتي يعشن في ثقافة أبوية مذنبات في نفس الفعل، وبالتالي فإنّهن من بعض النواحي متواطئات في إخضاعهن بسبب الفوائد الظاهرة التي يمكن أن يجلبها بالإضافة إلى الراحة من المسؤولية التي يعد بها.
تناقش بوفوار ثلاثة مواقف خاصة غير أصلية تخفي فيها المرأة حريتها في:
1- النرجسية.
2- المرأة في الحب.
3- الصوفية.
في جميع هذه المواقف الثلاثة تنكر النساء الاتجاه الأصلي لحريتهن من خلال غمرها في الموضوع، وفي الحالة الأولى الموضوع هو نفسها، والثاني حبيبها ، والثالث المطلق أو الله.
فلسفة بوفوار في مطالب تحرير المرأة:
تختتم بوفوار عملها بالتأكيد على مختلف المطالب الملموسة اللازمة لتحرير المرأة واستعادة شخصيتها وأولًا وقبل كل شيء تطالب بالسماح للمرأة بالمرور عبر مشاريعها الحرة الخاصة بكل ما ينطوي عليه من خطر ومخاطر وعدم يقين، وعلى هذا النحو فإنّ المرأة العصرية تفتخر بنفسها في التفكير والقيام بالعمل والعمل والإبداع وبنفس المصطلحات التي يستخدمها الرجل، بدلاً من السعي إلى الحط من قدرهم، وتعلن نفسها على قدم المساواة.
من أجل ضمان المساواة للمرأة تدعو بوفوار إلى مثل هذه التغييرات في الهياكل الاجتماعية مثل رعاية الأطفال الشاملة والتعليم المتساوي ومنع الحمل والإجهاض القانوني للمرأة، وربما الأهم من ذلك الحرية الاقتصادية للمرأة واستقلالها عن الرجل، ومن أجل تحقيق هذا النوع من الاستقلال تعتقد بوفوار أنّ المرأة ستستفيد إلى حد ما من العمل المنتج غير المنفصل وغير الاستغلالي.
بمعنى آخر تعتقد بوفوار أنّ المرأة ستستفيد بشكل كبير من العمل، وفيما يتعلق بالزواج فإنّ الأسرة النووية تلحق الضرر بكلا الشريكين وخاصة المرأة، ويجب اختيار الزواج مثل أي خيار أصيل آخر بنشاط وفي جميع الأوقات وإلّا سيكون هروبًا من الحرية إلى مؤسسة جامدة.
تركيز بوفوار على حقيقة أنّ النساء بحاجة إلى الوصول إلى نفس أنواع الأنشطة والمشاريع التي يضعها الرجال إلى حد ما في تقليد الليبرالية أو النسوية من الموجة الثانية، وتطالب بمعاملة المرأة على قدم المساواة مع الرجل، ويجب تغيير القوانين والعادات والتعليم لتشجيع ذلك، ومع ذلك فإنّ الجنس الثاني يحافظ دائمًا على إيمانه الوجودي الأساسي بأنّ كل فرد بغض النظر عن الجنس أو الطبقة أو العمر يجب تشجيعه على تحديد هويته وتحمل المسؤولية الفردية التي تأتي مع الحرية، وهذا لا يتطلب فقط التركيز على المؤسسات العالمية ولكن على الفرد القائم الذي يصارع ضمن غموض الوجود.