دافعت الفيلسوفة إليزابيث أنسكومب أيضًا عن نسخة من عقيدة التأثير المزدوج، والتزامها بهذه العقيدة قدم مبدأ استخدمته لمحاولة إظهار ما هو فاسد بشأن تصرف ترومان.
مفهوم عقيدة التأثير المزدوج:
الفكرة الأساسية هي أنّ هناك تمييزًا وثيق الصلة أخلاقيًا بين النتائج المقصودة مقابل مجرد النتائج المتوقعة، حيث إنّ نية الأذى أسوأ من مجرد توقع الأذى نتيجة فعل المرء، ويمكن أن يقترن هذا أحيانًا بنوع من الاستبداد لإقرار أنّ الأضرار المقصودة محظورة في حين أنّ مجرد توقع قد لا يكون كذلك.
وكثيرا ما يستخدم لمحاولة ضمان التمييز الأخلاقي بين القاذفة الاستراتيجية والمفجر الإرهابي، فما يفعله المفجر الاستراتيجي بإلقاء قنبلة قد يكون مسموحاً به لأنّه لا ينوي قتل مدنيين أبرياء رغم أنّه يتوقع أنّهم سيموتون نتيجة القصف، ومن ناحية أخرى ينوي مفجر إرهابي قتل المدنيين الأبرياء كوسيلة لتحقيق أهدافه، واختلف موقف أنسكومب إلى حد ما على مدار مسيرتها المهنية.
في (الحرب والقتل) الذي نُشر عام 1961 تشير أنسكومب إلى أنّ الجواز الأخلاقي للسلطة القسرية يتطلب مبدأ يمكن استخدامه للتمييز بين الفرض العادل للأضرار والظالم، فمبدأ التأثير المزدوج هو أحد هذه المبادئ، وفي جذر المبدأ هو التمييز بين النتائج المقصودة والمتوقعة للفعل، في حين أنّ هناك بعض الجدل حول المواصفات الصحيحة للعقيدة، فإنّ الفكرة الأساسية هي أنّ نية الضرر أسوأ من مجرد توقعه، وفي رأي أنسكومب فإنّ بعض الإجراءات ممنوعة تمامًا لأنّها تتضمن نوايا للإيذاء بينما إذا كان الضرر المعني متنبأ فقط فلن يكون الإجراء ممنوعًا.
لكنها كانت قلقة أيضًا من إساءة استخدام مبدأ التأثير المزدوج في كثير من الأحيان، على سبيل المثال أحد القيود المفروضة على العقيدة تنص على أنّه لا يمكن للمرء أن يقصد الوسائل لتحقيق الغاية المنشودة، لذلك قد يقوم الطبيب بإعطاء دواء لتخفيف الألم على الرغم من معرفته أنّ التأثير الآخر للدواء سيكون وفاة المريض وهذا مسموح، وتتمثل إحدى طرق فهم كيفية عمل ذلك في استخدام اختبار غير واقعي فإذا كان بإمكان الطبيب تخفيف آلام المريض دون إعطاء مثل هذا الدواء القوي الذي ستفعله، وما لا يسمح به التأثير المزدوج هو استخدام التأثير السيئ كوسيلة لتحقيق هدف المرء.
رأى البعض أنّه يمكن للمرء أن يوجه نوايا المرء بطريقة معينة لتحقيق النتيجة المرجوة مع الإفلات الأخلاقي من العقاب، على سبيل المثال إذا قال المرء لنفسه أنّ المرء يقصد (x) فقط بفعله (y)، فإنّ المرء يكون خارج الخطاف حتى لو كان (y) غير أخلاقي وهذا يعتبر أنسكومب سخيفًا تمامًا.
ومثالها هو خادم يحمل السلم لسيده وهو لص ويبرر ذلك بإخبار نفسه أنّ نيته هي تجنب الطرد، وإنّ حمل السلم هو وسيلته لتجنب فقدان وظيفته ولا يزال غير أخلاقي، وذلك بسبب قيود الوسيلة / النهاية على التأثير المزدوج فإنّ إمساك السلم غير مبرر، وكان سوء فهم التأثير المزدوج أساس مشكلة أنسكومب مع القصف في زمن الحرب وإساءة الاستخدام الصارخة للتأثير المزدوج لتبرير ذلك.
وتوضح إنسكومب بأنّ المفجر الكاثوليكي المتدين يؤمن من خلال (توجيه النية) أنّ أي سفك لدماء الأبرياء هو عرضي، فيعرف الصبي الكاثوليكي يكون محيرًا عندما يتم إخباره من قبل مدير المدرسة أنّ مقتل سكان هيروشيما وناغازاكي كان حادثًا، وفي الواقع مهما بدت سخيفة فإنّ مثل هذه الأفكار شائعة بين الكهنة الذين يعرفون أنّ القانون الإلهي يمنعهم من تبرير القتل المباشر للأبرياء.
تحليل التأثير المزدوج:
مرة أخرى من أجل استخدام التأثير المزدوج يحتاج المرء إلى التمييز بين النتائج المقصودة والمتوقعة فقط من الفعل نفسه، فمن وجهة نظر أنسكومب تعتبر بعض الإجراءات في حد ذاتها غير أخلاقية بغض النظر عن العواقب التي ينوي المرء إحداثها في أداء الإجراء، وبغض النظر عما يتوقعه المرء نتيجة لهذا الفعل، ولكن العديد من العواقبيين لا يعترفون بالتمييز الأخلاقي ذي الصلة بين النية والبصيرة، فجوناثان بينيت على سبيل المثال كان ينتقد بشدة هذا التمييز.
ليس هناك شك في أنّه قد يكون من الصعب للغاية تحليل التأثير المزدوج، وغالبًا ما يتم تقديمها بالطريقة التالية: أنّ هناك إجراء يقوم به الوكيل له تأثيران أحدهما جيد والآخر سيئ، وقد يظل الإجراء مسموحًا به نظرًا لأنّ التأثير المقصود الذي يرغب فيه الوكيل جيد وبالنظر إلى أنّ التأثير السيئ متوقع فقط وليس مقصودًا، ويبدو أنّ الفاعل يختار طواعية كلا التأثيرين لكنه مسؤول فقط عن أحدهما، وقد يبدو هذا غريبًا بالنسبة للبعض لأنّه يبدو واضحًا أنّه يجب موازنة العواقب المتوقعة وسيكون من غير المسؤول عدم تقييمها، ولذلك من المؤكد أنّهم يحسبون أيضًا؟
لكن جوزيف بويل قام بمناورة قد تساعد أنسكومب هنا، فيجادل بأنّ التأثير غير المقصود لا يتم اختياره طواعية (بالمعنى الأخلاقي المختار الذي نحمل الناس المسؤولية عنه) على الرغم من أنّ الفاعل يعرف أنّه سيحدث نتيجة لأفعاله، وسبب بويل هو أنّ النتائج المتوقعة -على الرغم من أخذها في الحسبان بالتأكيد في المداولات- لم يتم أخذها في الاعتبار بالطريقة الصحيحة ليتم احتسابها على أنّها تم اختيارها طوعًا، والآثار المتوقعة ليست أسبابا لاتخاذ إجراء، وبالأحرى كما يلاحظ بويل إنّها أحيانًا ظروف على الرغم من أي عمل يتصرف.
ويمكننا النظر في حالة أخرى مشهورة من أنسكومب لتوضيح ذلك، وذلك عندما احتجت أنسكومب علنًا على منح جامعة أكسفورد درجة فخرية لهاري ترومان، فترومان من وجهة نظرها كان قاتلًا جماعيًا، وشعرت بالاشمئزاز من محاولات بعض الأفراد إعفاء ترومان باستخدام التأثير المزدوج، وقالت إنّ ترومان ألقى القنبلة على تلك المدن ليس على الرغم من السكان المدنيين ولكن على الأقل جزئيًا بسبب هؤلاء السكان، وكان بإمكانه اختيار مكان منعزل للمظاهرة، وكان هناك دليل على أنّ اليابانيين أرادوا التفاوض.
من وجهة نظر أنسكومب كان ترومان يستخدم المدنيين الأبرياء في هيروشيما وناغازاكي لتحقيق أهدافه، وكانت تعتقد أنّ وجودهم دخل في مداولاته كعامل إيجابي وليس كعامل انتقاص، وهذه إذن ستكون حالة تفجير إرهابي وقتل صريح.
في حين أنّه من الصحيح أنّ هناك فرقًا كبيرًا بين القصف الإرهابي والقصف الاستراتيجي، إلّا أنّ هناك بعض التساؤل مع ذلك أنّ التأثير المزدوج يفسر هذا الاختلاف، وقد يجادل المرء بأنّه إلى الحد الذي رغب فيه ترومان في النتيجة الشريرة لمقتل المدنيين الأبرياء فإنّ ما فعله هو القتل، وهذا لا يعتمد على قبول التأثير المزدوج لحساب الفرق.
يشير جوناثان بينيت إلى أنّه قد يكون من الصعب حقًا تحليل اختلاف ذي مغزى باستخدام التأثير المزدوج، على سبيل المثال لا يعمل الاختبار المضاد للعديد من مؤيدي استخدام التأثير المزدوج على التمييز بين الرعب والحالات الإستراتيجية، كما يشير بينيت: “إنّ رغبة المفجر التكتيكي في قتل المدنيين هي رغبة مترددة حيث إذا استطاع ذلك فسوف يقوم بتدمير المصنع دون قتل المدنيين، ولكن المفجر الإرهابي أيضًا إذا استطاع سيسقط قنابله بطريقة تخفض معنويات العدو دون قتل المدنيين”.
وإذا أراد ترومان قتل المدنيين فإنّ ما فعله كان خطأ ولكن ليس بسبب انتهاك التأثير المزدوج، حيث كان خطأ لأنّه تسبب عن قصد وعن قصد في معاناة هائلة كان من الممكن تجنبها من خلال مسار بديل للعمل، وبالطبع لا يزال بإمكان المرء أن يجادل في أنّ التأثير المزدوج هو دليل مفيد للغاية، فهو يتتبع التبرير حتى لو لم يكن هو نفسه يضمن هذا التبرير، ومع ذلك حتى هذه الصورة من التأثير المزدوج تعرضت للهجوم من قبل الباحثين الذين يدرسون ردود أفعالنا على حالات المعضلات الأخلاقية، والذين يرون أننا لا نستخدم بوعي أي شيء مثل التأثير المزدوج في اتخاذ القرارات الأخلاقية.