فلسفة راسل في تساوي الرغبة بالأخلاق

اقرأ في هذا المقال


فلسفة راسل في تساوي الرغبة بالأخلاق:

سرعان ما توقفت نظرية الرغبة، الرغبة عن مطالبها وشروطها وعاد برتراند راسل إلى المشكلة في (هل كل الرغبات المتساوية أخلاقية؟)، وهي الورقة ألفها في حوالي عام 1896، وكما يقول: “الخير بالنسبة لي في أي لحظة هو ما أريده وليس ما يرضي رغباتي؛ لأننا نرغب في الأشياء التي ترضي الرغبة ماعدا استثناءه بشكل مشتق أنّ تلك الرغبات يجب إشباعها”.

وهذه النقطة الأخيرة مشكوك فيها بشكل واضح، أليست رغبة ريد (Reid) في تحقيق الخير على العموم في جزء منها رغبة من الدرجة الثانية في تلبية بعض رغباتنا الأولية على الأقل؟ ولم يعتقد راسل نفسه أنّ هذه الرغبة لم تكن حقيقية فحسب، بل غالبًا ما كانت سائدة بشكل غير ملائم في الأشخاص المتحضرين لدرجة أنّ معظم ما نفعله يتم من أجل شيء آخر ليس لأنّ لدينا رغبة عفوية من الدرجة الأولى في فعلها؟

وهكذا فإنّ عبارة “(X) هو جيد” يعني أريد (X)، وهو نوع خام من الذاتية (العقيدة القائلة بأنّ المعرفة هي مجرد ذاتية وأنّه لا توجد حقيقة خارجية أو موضوعية) والتي يعود إلى هوبز: “أيًا كان موضوع شهية أي رجل أو رغبته هذا ما يسميه من جانبه جيدًا”، وتحافظ هذه النظرية على الرابط بين المعتقد الأخلاقي والفعل والذي بطبيعة الحال نلاحق ونعزز الأشياء التي نريدها! على الرغم من أنّها:

أ- تختصر الأحكام الأخلاقية إلى بيانات الحالة النفسية.

ب- ينتهك الشرط القائل بأنّ العبارات حول ما يجب أن يكون لا علاقة لها بما هو، لأنّه في هذه النظرية تختزل أحكام المرء الأخلاقية إلى تصريحات حول ما يجري داخل رأسه.

الأحكام الأخلاقية وعرضتها للخطأ في فلسفة راسل:

إنّ النظرية كما هو مذكور هي مادة خام بعض الشيء بالنسبة إلى راسل، وذلك لأنّها تمنع احتمال الخطأ الأخلاقي، وبعد كل شيء من الصعب أن نكون مخطئين بشأن ما نريد، فالنظرية لها عواقب غير سعيدة أخرى، وهي أننا لا نستطيع أن نرغب في ما نعتقد أنّه سيء، ناهيك عن السيء لأنّه من حقيقة أنّ المرء قد يرغب في شيء ما فإنّه يترتب على ذلك بالنسبة له على الأقل أنّه جيد، فكل الرغبات أخلاقية بنفس القدر لأنّها كلها رغبات للخير.

يحاول راسل تجنب هذه المشكلات بالتمييز بين الرغبات الأولية للغايات والرغبات الثانوية للوسائل، فالخير لكل شخص هو ما يريده لذاته وبصفة عامة لا يمكن أن يخطئ في هذا، ولكن يمكن أن يكون مخطئًا بشأن ما إذا كان كائن معين هو الوسيلة لما يريده في النهاية.

علاوة على ذلك إذا كان مخطئًا فقد تكون رغباته الثانوية غير أخلاقية، وكما يدرك راسل يؤدي هذا إلى: “المبدأ السقراطي القائل بأنّه لا يوجد رجل يخطئ عن قصد”، حيث لا يمكن لأحد أن يرغب في ما يعتقد أنّه سيئ، لكن يمكن للفاعل أن يرغب في كل من السيء ولديه رغبات سيئة، لأنّ رغباته الثانوية قد تكون معادية لغاياته النهائية.

للأسف هذا التعديل لا يمكن حفظ النظرية، فوفقًا لنظرية راسل في بعض الحالات وعلى أي حال تعني عبارة “(X) جيد” أنّ المرء يقصد قوله: “أريد (X) لذاته” وهذه الأحكام محصنة نسبيًا من الخطأ، وعلاوة على ذلك يبدو أنّ الناس يرغبون في ما يعتقدون أنّه سيء، لا يُعرف المبدأ السقراطي باسم المفارقة السقراطية من أجل لا شيء! وكما يُعتقد عمومًا أنّ الرغبات في الغايات وكذلك الرغبات في الوسائل يمكن أن تكون سيئة.

أخيرًا فإنّ النظرية حتى في شكلها المعدل تختزل الأحكام الأخلاقية إلى بيانات حالة نفسية، وهكذا تنتهك النظرية قيود راسل النظرية ولا تتفق مع الطريقة التي نتحدث بها عادة.

ماذا عن نظرية الرغبة؟ إذا كانت عبارة “(X) جيدة” تعني “أرغب في طلب (X)”، كما يشير لويس فهناك ارتباط مفاهيمي غير مناسب بين المعتقد الأخلاقي والفعل، ويمكن تعزيز وإثبات أنّه جيد بقدر ما أرغب في ما أرغب فيه.

الأحكام الأخلاقية مثل الأحكام على ما هو عرضة للحقيقة والباطل، على الرغم من أنّها ليست عرضة للباطل لأنّه من الصعب ولكن ليس من المستحيل أن نخطئ بشأن ما نرغب فيه، وقد يُقتنع خاصةً تحت الضغط الأخلاقي بأنّ المرء يرغب في الرغبة وطلب في شيء بينما في الحقيقة لا يفعل، ولكن من الممكن أن يرغب في كل من السيء (أن يرغب بما لا يرغب ويطلب في ذلك) وأن تكون لدي رغبات سيئة بأن يكون لديّ رغبات يرغب ويتمنى في عدم الرغبة فيها.

وهكذا فإنّ الفساد الواعي للذات هو احتمال حقيقي ويتم رفض التناقض السقراطي، لأنّه بذلك يكون مثل المدمن التعيس بحيث يمكنه أن يتصرف بناءً على الرغبات التي لا يرغب في رغبتها، ولكن لا يمكن أن نرغب في الرغبة في الشر لأنّ ما نرغب فيه هو أمر جيد تلقائيًا.

علاوة على ذلك يتم اختزال الأحكام الأخلاقية إلى بيانات الحالة النفسية، لدرجة أنّ الأخلاق تصبح فرعًا من علم النفس التجريبي، وإنّ بديهيات الأخلاق بقدر ما توجد مثل هذه الأشياء معنية بما هو موجود، لأنّ رغباتنا بما في ذلك رغباتنا من الدرجة الثانية هي موجودة أصيلة.


شارك المقالة: