يلفت الفيلسوف روجر بيكون الانتباه مباشرة إلى الأهمية الحيوية لأطروحته حول انتشار الأنواع لفهم نظريته في الإدراك، ولا يمكن فهم نظرية الإدراك على الإطلاق بدون النظرية العقلية حيث يتم تفسير عمل العقل على الجسد باستخدام نفس النظرية، ويجب وضع جميع ظواهر التغيير النوعي في عالم واحد (الروحانيات) كما في العالم الآخر (corporalia) وفي تفاعلهم، وفي نطاق هذه الفرضية الفردية بعيدة المدى حيث لا يوجد عالم لم يُمسّ، كما أنّ قوانين انتشار الأنواع التي يتبعها حاسة البصر بشكل مشترك مع جميع الحواس الأخرى ومع آلة الكون بأكملها.
بيكون والأعمال المبكرة:
يفهم بيكون الروح على أنّها مادة روحية في اتحاد مع الجسد، وفي هذه المرحلة لم يكن يحمل فكرة ابن سينا عن عقل كوكيل منفصل، وبالاتحاد مع الجسد للروح عقلين محتمل وفاعل، فالأول مرتبط مباشرة بالقوى الحساسة وموضوع هذا العقل هو الشيء المادي الوحيد، ويتجه العقل الفاعل إلى الأعلى ويعرف الكائنات الروحية في جوهرها.
بالنسبة لبيكون هناك نوع من الخلط بين المعرفة الفطرية في الروح، وهذه ليست فكرة أفلاطونية، وإنّها تشبه إلى حد كبير الشخصية التي تميل الروح نحو معرفة الحقيقة، ومع ذلك فهي بمعنى ما معرفة فطرية بالمبادئ الأولى للمعرفة، وينير العقل الفاعل الصور ويحررها من ظروف مادية معينة، وثم تتأثر المسلمات بالعقل المحتمل.
بيكون والأعمال اللاحقة:
في كتابه الطبيعة المشتركة (Communia naturalium) يوضح بيكون أنّه كتب روايته عن الإحساس والروح الحساسة والإدراك في المنظور الخطي (Perspectiva)، كنقد للتعاليم المشتركة للمعلمين الأرسطيين في المدارس، وكذلك توصل إلى استنتاج في (Opus maius) أنّ الفلاسفة الكبار في التقاليد اليونانية والإسلامية والمسيحية أكدوا أنّ العقل الفاعل هو الله ومصدر ووكيل التنوير، وهو الآن يجعل هذا الموقف خاصًا به، ويهاجم هؤلاء المعلمين الذين يعتقدون أنّ الفاعل والعقول المحتملة جزء من الروح.
أطروحة بيكون القصيرة عن الروح في الطبيعة المشتركة بعنوان التمييز الثالث للروح (Distinctio tertia de anima)، ويوفر نافذة مثيرة للاهتمام على المناقشات المعاصرة 1267–1270 في باريس، وإنّه ينتمي إلى الجدل البارع لأكويني حول وحدة العقل الممكن (De unitate intellectus counter Averroistas) وسيجر برابانت على كتاب أرسطو عن الروح.
أقسام أطروحة التمييز الثالث للروح:
يقسم العمل إلى سبعة فصول:
1- في إنتاج أجزاء الروح.
2- في الروح الحسّاسة.
3- وحدة الروح الفكرية وتعددها.
4- في تكوين الروح العقلانية.
5- في قوى الروح: هل هي أجزاء من الروح؟
6- على الروح النباتية.
7- على أجزاء الروح الفكرية.
يستعرض الفصل الأول التعليم المشترك منذ عام 1250 وبعد أن لاحظ أنّه قبل عام 1250 بأنّه رأى جميع الفلاسفة واللاهوتيين أنّ الأرواح النباتية والحساسة نشأت عن طريق التكاثر الطبيعي، وأنّ الروح الفكرية جاءت من الخارج، وبرأي بيكون أنّ الروح الفكرية وحدها من صنع الله بينما النفوس النباتية والحساسة في الإنسان تنتج من فاعلية المادة وفقًا لـ قوانين الطبيعة.
يجادل بأنّ أولئك الذين يعارضون هذا الموقف يعتمدون على أوغسطين الزائف الروح والروح، وعلى التاسع والعشرون بواسطة جينادي، ويقول إنّ أولئك الذين يتبعون هذه المصادر يعتقدون أنّ “الأرواح النباتية والحساسة يتم إنشاؤها بالاشتراك مع الروح الفكرية”، ويصف هذا بأنّه نوع من علم النفس الشعبي، وبالنسبة إلى بيكون وجميع الفلاسفة يُظهر علم الأجنة أنّ الجنين يتغذى وينمو قبل تسريب الروح الفكرية، وكان هنري غينت من بين آخرين دافع عن هذا المذهب الخاص بالخلق المشترك للأرواح.
في الفصل الثاني يهاجم بيكون بعض الفلاسفة البارزين في باريس، ولنحو 10 سنوات كان زعيم الفلاسفة رجل مشهور خاطئ، ويؤمن بأنّه قبل وجود الروح العقلانية يجب على المرء أن يفترض مسبقًا اختلافًا جوهريًا معينًا يتم تعليمه من فاعلية المادة التي تضع الإنسان في نوع الحيوان، بحيث لا تفعل الروح العقلية ذلك وهذا مخالف لفلسفة أرسطو وجميع المؤلفين، تشير دراسة الأسئلة على عن الروح (De anima) إلى التقاليد الباريسية السابقة التي يعمل بها بيكون.
في الفصل الثالث أوضح بيكون موضوع جداله، وهذا هو الرأي الذي يُنسب عادة إلى سيجر برابانت وما يسمى بالأرسطية الراديكالية (الرشدية اللاتينية)، حيث أوضح بيكون بأننا معنيون بهذا الطرح الثاني حول وحدة وتعدد الروح العقلية، ولذلك فإنّ الرشديون اللاتينيون يجادلون بأنّ الروح الفكرية هي واحدة من بين جميع البشر، ولذلك فإنهم يغطون خطأهم عندما يجبرون على الرد، قائلين أنّه: “من خلال الفلسفة لا يمكن الاحتفاظ بأي شيء آخر، ولا يمكن أن يكون لديك أي منصب آخر من خلال العقل وحده ولكن فقط من خلال الإيمان وحده”.
هذا هو الافتراض الذي تم تحليله وانتقاده من قبل توماس الأكويني في كتابه حول وحدة العقل الممكن عام 1269، كما أنّه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعقيدة الحقيقة المزدوجة التي ينسبها خصومهم الفرنسيسكان إلى الرشدية اللاتينية، وتتناول حجج بيكون مثل حجج الأكويني على وجه التحديد الأسباب الفلسفية للمواقف الخاطئة للرشديين.
حجج بيكون عن العقل:
الحجتان الأوليان هما حجج أخلاقية فإذا كان هناك عقل واحد متطابق في جميع البشر، فسيكون نفس الشخص فاضلاً وشريرًا، وإنّ إنكار أنّ هذا الفرد يفكر يتعارض مع الفلسفة والإيمان، وهذا مخالف للأخلاق النيقوماخية وسيؤدي إلى تدمير الفلسفة الأخلاقية.
الحجج المتبقية ترى أنّ العقيدة تدمر قوانين الطبيعة أي الفلسفة الطبيعية وعلم النفس وهي:
1- يقدم حجج أرسطو ضد تناسخ الأرواح.
2- يجادل بأنّ هذا العقل سيكون بلا حدود وقوة مساوية لله.
3- يتناول القضية المهمة المتعلقة بالعلاقة بين التخيلات المتنوعة والروح الفكرية، وقد يؤدي هذا إلى تعلم الشخص نفسه والجهل في نفس الوقت فيما يتعلق بنفس الأشياء، ومرة أخرى يمكن أن تؤدي إصابة الأعضاء الحسية إلى إصابة الشخص بالجنون، وإذا عملت الأعضاء الحسية فإنّ وجود التخيلات المتنوعة لن يفرق بين العقل في الأشخاص المختلفين.
4- لن يكون هناك كائن موحد للمعرفة، حيث يميّز بيكون بشكل أساسي بين الشيء الذي هو موضوع المعرفة والتمثيلات (الأنواع المعقولة) التي يعرفها المرء من خلالها.
5- يرى بيكون أنّ الرشديين لا يتركون مجالًا للمعرفة الجديدة.
6- ضد الموقف الرشدي القائل بأنّ كل المنطقيين والنحويين يجب أن يكون لديهم نفس المعرفة، يرى بيكون أنّه يجب على المرء أن يميّز بين العادة المعرفية التي تعرف من خلالها الروح أي شيء يمكن معرفته وموضوع الإدراك بمعنى موضوع المعرفة وهو الوحدة.
7- استنادًا إلى تعليم أرسطو حول (animae) أي الأنواع أو المفاهيم، يرى أنّه مثلما تتكاثر الروح كذلك ستتضاعف المعرفة، وهكذا بالمعنى الحقيقي هناك معرفة مميزة ومختلفة في مختلف البشر.
تضع الفصول من 4-7 حول أجزاء الروح بيكون في سياق حجج الفرنسيسكان والدومينيكان حول أجزاء الروح، وتُظهر هذه الفصول أنّ بيكون كان نشيطًا للغاية في المناقشات المبكرة في باريس حيث انتقدت المدرسة الفرنسيسكانية وحدة الشكل الجوهري في الأكويني بشدة.
ينتقد بيكون موقف الأكويني لدرجة أنّه يعتبرها هرطقة، ويدافع عن فكرة تعدد الأشكال بينما يدافع بقوة عن الوحدة الجوهرية الأساسية للإنسان، ويستخدم بيكون أيضًا ملاحظاته لإعلام القارئ بأن دراسته للمنظور الخطي قد أجريت لانتقاد التدريس المشترك للفلسفة الطبيعية (بما في ذلك علم النفس) والطب في جامعة باريس.
تتميز هذه الرسالة القصيرة بميزة تحديد سياق أعمال بيكون في ستينيات القرن 19 من حيث المناقشات حول الرشدية اللاتينية، ويبدو أنّ بيكون مثل بونافنتورا وبيشام كان معارضًا صريحًا لمعلمي الفنون الشباب في باريس وخاصة سيجر برابانت، ويشترك بيكون وبيشام في نفس الاهتمامات العلمية، ويبدو أنّ أطروحات بيكون مثل المنظور الخطي تمت كتابتها مع وضع هذا السياق في الاعتبار.
بما أنّ بيكون قد قدم نقدًا فلسفيًا للقضايا المتعلقة بالرشدية اللاتينية بالفعل كمدرس في باريس في أربعينيات القرن 14 يجب أن نرى مداخلته في مناقشات 1266-1272 بمثابة نقد لأستاذ الفلسفة الفخري، والتي تشارك الآن في الحجج اللاهوتية للمدارس في باريس.