فلسفة سبينوزا في نظرية الجوهر

اقرأ في هذا المقال


أهم عمل للفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا (Baruch Spinoza) هو إظهار الأخلاق بترتيب هندسي، فعمل سبينوزا على النص طوال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وبحلول هذا الوقت أصبحت فلسفة الفيلسوف الفرنسيرينيه ديكارت (René Descartes) مقروءة على نطاق واسع وبالفعل تأثر تفكير سبينوزا بشدة بما في ذلك وصفه للجوهر، ومع ذلك يختلف حساب سبينوزا في نواحٍ مهمة ويؤدي إلى صورة مختلفة تمامًا عن العالم.

وصف سبينوزا للمادة:

يقدم سبينوزا تعريفًا للمادة في الصفحة الأولى من الأخلاق، ويكتب موضحًا بأنّه: “من حيث الجوهر أفهم ما هو في حد ذاته ويتم تصوره من خلال نفسها”، ثم يتبع سبينوزا ديكارت (والتقاليد) في تعريف الجوهر على أنّه في (حد ذاته) أو كموضوع نهائي، وبالمقابل يتبع التقليد في تعريف (الوضع) على أنّه ما يمتلكه أو يتحمله شخص آخر، وكما يقول سبينوزا فإنّ الوضع هو: “ما هو في آخر …”.

كما يتبع سبينوزا أيضًا ديكارت في التفكير في أنّ:

1- السمات هي الخصائص الأساسية للمادة.

2- من بين تلك الصفات الفكر والامتداد.

3- جميع الخصائص الأخرى للمادة يتم إحالتها من خلال تلك السمة أو طرق وجودها.

4- الله موجود وهو جوهر، وهنا تنتهي الاتفاقية.

ويعد أول اختلاف واضح للفيلسوف سبينوزا عن ديكارت، هو بأنّه بالنسبة إلى ديكارت هناك العديد من المواد الممتدة (على الأقل في التفسير التعددي) والعديد من العقول، ولكن سبينوزا يعتقد أنّ هذا خطأ فادح، ويجادل سبينوزا أيضًا بأنّ المادة فريدة من نوعها ولا يمكن أن يكون هناك سوى مادة واحدة لكل خاصية، وهذه الحقيقة حول الجوهر (بالاقتران مع عدد من الأطروحات الميتافيزيقية الأخرى) ولها عواقب بعيدة المدى على تفسيره للمادة.

ويترتب على ذلك كما يجادل سبينوزا بأن تكون مادة يجب أن تكون معزولة سببيًا وذلك على أساس أنّ:

1- هناك مادة واحدة فقط لكل نوع أو سمة.

2- العلاقات السببية لا يمكن الحصول عليها إلّا بين أشياء من نفس النوع.

ومع ذلك فإنّ العزلة السببية لا تنطوي على عنة سببية، فالمادة الموجودة يجب أن يكون لها سبب بمعنى ما، ولكن باعتبارها معزولة سببيًا لا يمكن أن يكمن سببها في أي شيء خارج نفسها، ويخلص سبينوزا إلى أنّ المادة ستكون سببًا في ذاتها إنّها تتعلق بطبيعة وجود المادة، وليست المادة هي السبب في ذاتها فحسب، بل يخبرنا سبينوزا لاحقًا أنّها السبب الجوهري لكل ما بداخلها.

كما يواصل سبينوزا كذلك من خلال الادعاء بأنّ: “كل مادة هي بالضرورة لانهائية”، وبشكل عام يجادل سبينوزا بأنّه إذا كانت هناك مادة واحدة فقط لكل سمة، فلا يمكن تقييد المادة لأنّ التحديد هو مفهوم سببي والمواد معزولة سببيًا.

وأخيرًا يؤكد سبينوزا أنّ المواد غير قابلة للتجزئة، ويجادل أيضًا بأنّه إذا كانت المادة قابلة للقسمة فإنّها ستكون قابلة للقسمة إما إلى أجزاء من نفس الطبيعة أو أجزاء ذات طبيعة مختلفة، وإذا كان الأول فسيكون هناك أكثر من مادة واحدة من نفس الطبيعة والتي تستبعدها في مكان آخر من أعماله، وإذا كان الأخير يمكن أن تتوقف المادة عن الوجود التي تستبعدها في مكان آخر من أعماله، وبالتالي لا يمكن تقسيم الجوهر.

ما هي المواد الموجودة؟

هنا بالنظر إلى هذا الاعتبار لطبيعة المادة فما هي المواد الموجودة؟ فمما قيل حتى الآن في موضوع الأخلاق سيكون من المعقول أن نفترض أنّ الواقع بالنسبة لسبينوزا يتكون من المواد التالية:

1- الله.

2- مادة واحدة ممتدة.

3- مادة تفكير واحدة.

4- مضمون واحد لكل صفة أخرى في حالة وجود أي منها.

لكن كما اتضح هذا صحيح جزئيًا فقط، وصحيح أنّ سبينوزا يعتقد في النهاية أنّ الله موجود، وأنّ هناك مادة ممتدة وجوهر تفكير واحد، ومع ذلك ينكر سبينوزا أنّ هذه مواد مختلفة، فمادة التفكير الواحدة مطابقة عدديًا للمادة الممتدة المطابقة عدديًا لله، وبعبارة أخرى هناك جوهر واحد فقط وهو الله وهذه المادة ممتدة وتفكير.

حجة سبينوزا الرسمية لهذا الاستنتاج موجودة في في أحد أعماله، ويجادل كالتالي بأن: “الله موجود”، وبالنظر إلى أنّ الله مُعرَّف على أنّه كائن يمتلك كل الصفات، وأنّ هناك مادة واحدة فقط لكل صفة فهذا يعني أنّ الله هو الجوهر الوحيد، وكذلك بالنظر إلى أنّ الله هو الجوهر الوحيد وعلم الوجود لسبينوزا، فإنّه يترتب على ذلك أنّ الأشياء المادية لخبرتنا ليست مواد موجودة بشكل مستقل، ولكنها بدلاً من ذلك هي أنماط من مادة واحدة ممتدة، وكذلك أيضًا فإنّ العقول التي اعتقدها ديكارت على أنّها مواد تفكير، ووفقًا لسبينوزا هي أنماط لخاصية الفكر.

وهكذا تركنا مع الصورة التالية للواقع، فمثل ديكارت يرى سبينوزا أنّ الشيء الأكثر واقعية هو الله الذي تعتمد عليه كل الأشياء الأخرى، ومع ذلك لا توجد مواد مخلوقة، وإنّ الله بصفته جوهرًا واحدًا له كل الصفات وبالتالي فهو مادة ممتدة ومادة تفكير، وما اتخذه ديكارت من أجل المواد المخلوقة هو في الواقع أنماط من الله، ومع ذلك يتفق سبينوزا مع ديكارت في أنّ محتويات الواقع تأتي في نوعين وهما أنماط التمديد وأنماط التفكير وهناك تعددية لكليهما.

لماذا لا تكون مادة سبينوزا مكونة من مادة؟

لن يؤيد سبينوزا تمييز ديكارت بين المادة والمادة المخلوقة لعدد من الأسباب ومنها:

1- أولاً المواد المخلوقة هي نتاج سببي لله، ومع ذلك يتم عزل المواد سببيًا، وبالتالي حتى لو كان هناك العديد من المواد فلا يمكن أن يكون أحدهما ناتجًا سببيًا للآخر.

2- ثانيًا كما رأينا يعتقد ديكارت أنّه على الرغم من اعتمادها السببي على الله، فإنّ العقول والأجساد المحدودة تبرر اسم (الجوهر) جزئيًا على الأقل لأنّ هذه الكائنات هي ذوات نهائية.

أيضًا يوافق الفيلسوف سبينوزا على أنّ كونك موضوعًا نهائيًا هو جزء أساسي من كونه مادة، والمشكلة هي أنّ الأجرام والعقول المحدودة ليست موضوعات نهائية، وقد تم العثور على الأسس الرسمية لسبينوزا لهذه الأطروحة في الحجج إحدى مقالاته الفلسفية، وبشكل عام يدّعي سبينوزا أنّ ما يميّز المواد كموضوعات نهائية هو أنّه يمكن تمييزها عن طريق السمة وحدها.

وفقًا لسبينوزا هناك نوعان فقط من العلامات التي يمكن بواسطتها تمييز الكيانات وهما حسب السمة وحسب النمط، ولا يمكن تمييز المواد كأهداف نهائية حسب الوضع نظرًا لأنّ الأهداف تسبق الأوضاع ميتافيزيقيًا، على سبيل المثال جسمان متناهيان لا يتم تمييزهما عن طريق السمة (نظرًا لأنّ كلاهما ممتد) وبالتالي لا يمكن أن يكونا من المواد.


شارك المقالة: