فلسفة فيلوبونس في نظريات الفيزيائية

اقرأ في هذا المقال


فيلوبونس ونظرية الضوء:

يبدو أنّ التعليق على كتاب أرسطو حول الروح هو الأقدم الذي يحتوي على فقرات تخلى فيها جون فيلوبونس أحيانًا عن التفسير التقليدي من أجل انتقاد عقيدة أرسطية، وهو اتجاه أصبح أكثر وضوحًا في شرح الفيزياء مؤرخًا إلى عام 517، ويعتقد العلماء الآن أنّ بعض هذه الانحرافات على الأقل عن التعليق الصحيح مستمدة من المراجعات اللاحقة للمعارض السابقة في الفصل الدراسي.

يمكن للمرء أن يميز بين نوعين من النقد:

1- التعديل الجوهري للأفكار الأرسطية من جهة.

2- الرفض الصريح من جهة أخرى.

يقدم تعليق فيلوبونس على الروح مثالًا جيدًا على النوع السابق من النقد، وفي (على الروح II 7)، يأخذ أرسطو الضوء على أنّه غير مادي ويصف مظهره باعتباره انتقالًا فوريًا من إمكانية (dúnamis) للوسط ليكون شفافًا إلى حقيقة (enérgeia) للشفافية، وفي الصفحات 330 وما يليها من تعليقه يقدم فيلوبونس نوعًا بنّاءً من النقد الذي يبدو أنّه كان له عواقب وخيمة على تصوره النهائي لنظرية الزخم.

يؤكد فيلوبونس أنّ وجهة نظر أرسطو فشلت في تفسير كل من قوانين البصريات والظاهرة البسيطة المتمثلة في أنّ المنطقة الواقعة أسفل القمر يتم تسخينها بواسطة ضوء الشمس وهو جرم سماوي، ففي روح يسعى أرسطو لتعديل النظرية من أجل إنقاذ الظواهر، ويشرع في إعادة تفسير مصطلح (enérgeia) أي نشيط ليس كحالة من الواقعية بل على أنّه نشاط غير مادي، والذي إلى جانب تشكيل شفافية الوسط هو أيضا قادر على ارتفاع درجة حرارة الجسم.

يجادل فيلوبونس أنّه بنفس الطريقة التي تجعل الروح كنشاط غير مادي في الجسم الحيوان دافئًا، وبسبب هذا التفسير الجديد لمصطلحات أرسطو يُفهم الضوء الآن ليس بشكل ثابت بل كشيء ديناميكي، ومن الممكن تتبع تطور فيلوبونس الإضافي للفكرة.

وفي شرح علم الأرصاد الجوية الذي ينتمي إلى مرحلة تخلى فيها فيلوبونس بالفعل عن الافتراض الأرسطي لعنصر خامس سماوي ثابت (الأثير)، يجادل بأنّ الضوء والحرارة يمكن تفسيرهما بشكل أفضل على أنّهما عواقب لطبيعة الشمس وهي النار، وأوضح أنّ الحرارة تتولد عندما تنكسر الأشعة المنبعثة من الشمس وتسخن الهواء من خلال الاحتكاك.

فيلوبونس ونظرية الدافع:

يحتوي تعليق الفيزياء على مجموعة من الأمثلة على التعليقات النقدية المبتكرة والضارة، وواحدة من أكثر الإنجازات شهرة هي نظرية الزخم، والتي يُنظر إليها عمومًا على أنّها خطوة حاسمة بعيدًا عن الديناميكيات الأرسطية نحو نظرية حديثة قائمة على فكرة القصور الذاتي، وتظهر المفاهيم المشابهة لتلك التي تم نشرها في نظرية الزخم لفيلوبونوس في كتاب سابقين مثل هيبارخوس (القرن الثاني قبل الميلاد) وسينيسيوس (القرن الرابع قبل الميلاد)، ولكن لم يلمح فيلوبونوس في أي مكان أنّه تأثر بأي منهم.

بقدر ما يمكن للمرء أن يقول من النص في فيزياء فإنّه يأخذ نقطة انطلاقه من إجابة أرسطية غير مرضية لمشكلة كانت تحير العلماء لعدة قرون، وهي لماذا يستمر السهم في التحليق بعد أن يترك خيط القوس، أو بحجر بعد أن انقطع عن ملامستها لليد التي رمتها؟

ونظرًا لأنّ أرسطو افترض أنّه:

1- كلما كانت هناك حركة يجب أن يكون هناك شيء يضفي الحركة.

2- يجب أن يكون المحرك والمتحرك على اتصال، فقد استنتج أنّ الهواء المزاح أمام القذيفة يندفع بطريقة ما حوله ويدفع من الخلف وبالتالي دفع القذيفة على طول.

من المؤكد أنّ الحركة السريعة لجسم ما عبر وسيط تخلق اضطرابًا، ولكن هذا الاضطراب لا يدعم أي حركة ولكنه يساهم في إبطائها، وكانت نظرية أرسطو لا تزال رائجة بين الباحثين المتجولين في القرن السادس عشر على الرغم من حقيقة أنّ فيلوبونوس قبل ألف عام قام بتفكيكها تمامًا، وبدلاً من ذلك اقترح وبشكل أكثر منطقية ولكن لا يزال خطأً، أنّ المقذوف يتحرك بسبب القوة الحركية التي تؤثر عليها المحرك والتي تستنفد نفسها في سياق الحركة، ويقارن فيلوبونوس هذا الزخم أو الدافع غير المادي كما يسميه بالنشاط المنسوب سابقًا إلى الضوء.

بمجرد فهم حركة المقذوفات من حيث قوة الدفع بهذه الطريقة أصبح من الممكن لفيلوبونوس إعادة تقييم دور الوسيط، أي بعيدًا عن كونه مسؤولاً عن استمرار حركة القذيفة فهو في الواقع عائق أمامها، وعلى هذا الأساس يستنتج فيلوبونوس رأي ضد أرسطو أنّه لا يوجد في الواقع ما يمنع المرء من تخيل حركة تحدث من خلال فراغ.

وفيما يتعلق بالحركة الطبيعية للأجسام المتساقطة عبر وسيط كان زعم أرسطو أنّ السرعة تتناسب مع وزن الأجسام المتحركة وتتناسب بشكل غير مباشر مع كثافة الوسط، ويرفض فيلوبونوس هذا الرأي من خلال اللجوء إلى نفس النوع من التجارب التي كان جاليليو سيجريها بعد قرون.

فيلوبونس والفضاء والمكان:

ترتبط نظرية الزخم لفيلوبونوس بانتقادات بعيدة المدى لمبادئ أرسطو للفيزياء، وكان أرسطو قد رفض فكرة الفراغ باعتبارها استحالة منطقية، يعترف فيلوبونوس بأنّ المساحات الفارغة في الطبيعة لا تصبح أبدًا واقعية، لكنه يصر على أنّ المفهوم الواضح للفراغ ليس فقط متماسكًا ولكنه ضروري أيضًا إذا أراد المرء شرح الحركة في جلسة مكتملة النصاب، وعندما تتحرك الأجسام وتتبادل الأماكن نتيجة لذلك فإنّ هذا يفترض مسبقًا وجود مساحة فارغة متاحة لملئها.

مرة أخرى هناك بعض الظواهر التي تظهر بوضوح قوة الفراغ، على سبيل المثال التعامل مع ماصة (clepsudra)، والتي تسمح للمرء برفع كميات صغيرة من السوائل أو حقيقة أنّه يمكن للمرء امتصاص الماء من خلال أنبوب، ويرتبط دفاع فيلوبونوس التفصيلي عن الفراغ ارتباطًا وثيقًا بمفاهيمه عن المكان والحيز.

عرّف أرسطو مكان الجسم على أنّه السطح الداخلي للجسم أو كل الأجسام مجتمعة التي تحتوي عليه، بينما يجيب فيلوبونوس أنّ المكان يجب أن يُنظر إليه بدلاً من ذلك على أنّه امتداد ثلاثي الأبعاد مطابق للحجم المحدد للجسم أي حجمه، وكانت هذه أيضًا نظرية الرواقي كريسيبوس، لكن لا يوجد ما يشير في نص فيلوبونوس الموجود (كما هو الحال في أعماله اللاحقة) إلى أنّه رأى نفسه متأثرًا هنا بالرواقيين.

فيلوبونس ونظرية المادة:

مثل المكان فإنّ الفضاء ككل هو الامتداد غير المحدد ثلاثي الأبعاد في كل مكان والذي يخلو من الجسم، على الرغم من أنّه ليس لانهائيًا في الواقع، وهذا ما يقره فيلوبونوس لأرسطو، وتستند مناقشة فيلوبونوس للمادة على هذا المفهوم للفضاء.

في تعليق الفيزياء يجادل في سياق مماثل لأرسطو في (Metaphysics VII 3)، بأنّه في تجريد جميع الصفات والقرارات الأخرى من الجسد، توصل أرسطو إلى مفهوم مادة عديمة الخصائص وغير محددة، وهي فكرة عن مادة مثل المادة الأولية التي عرّفها الأفلاطونيون الجدد لاحقًا على أنّها لا شكل لها وغير مادية، لأنّها لم تكن جسداً فعلياً، ولكن فقط الشرط الأساسي الضروري للأجسام.

على النقيض من ذلك يصل فيلوبونوس إلى شيء يسميه الامتداد المادي (sômatikón diástêma)، وهو مركب من المادة الأولية الرواقية والأفلاطونية الحديثة والكمية غير المحددة ويجب عدم الخلط بينه وبين الفضاء الفيلوبوني.

لا يزال من الممكن اعتبار حجته هنا بمثابة تفصيل أو تصحيح لأرسطو، ومع ذلك في الكتاب الحادي عشر من الأطروحة الجدلية ضد بروكلس يتخلص من المفهوم الأفلاطوني الحديث للمادة الأولية، ويفترض أنّه المستوى الأساسي في علم الوجود الخاص به ثلاثي الأبعاد كما يسميه أي تمديد غير محدد كتلة، في هذا يدعي أنّه يتبع الرواقيين.

من أجل رفض الاعتراض المحتمل بأنّ الأبعاد الثلاثة لا يمكن أن يكون المستوى الأساسي للوجود لأنّ الامتداد الذي ينتمي إلى فئة الكمية الأرسطية، هو حادث ويتطلب افتراض موضوع أساسي مميز، ويجادل فيلوبونوس بأنّ الامتداد هو في الواقع ليس حادثًا، ولكنه اختلاف أساسي لا ينفصل عن الأبعاد الثلاثة، تمامًا مثل الحرارة في النار أو البياض في الثلج.

وبالتالي فإنّ الكمية (الامتداد الجسدي) مكونة للجسم على هذا النحو، وهذا يرقى إلى ترقية نوع واحد من الكمية لفئة المادة، وهناك دلائل تشير إلى أنّ فيلوبونوس كان سيعدل وفقًا لذلك مخطط أرسطو للمقولات إذا كان قد راجع تعليقه المبكر على تلك الأطروحة.


شارك المقالة: