فلسفة كافنديش في حركة الأجسام وعلاقتها بالإدراك

اقرأ في هذا المقال


افتخرت الفيلسوفة مارجريت لوكاس كافنديش بأصالتها وتفاخرت بأنّ أفكارها كانت نتاج خيالها الخاص، وليست مستمدة من كتابات الآخرين، وتضمنت أولى مختارات كافنديش والقصائد والأوهام النسخة الأولى من فلسفتها الطبيعية، وعلى الرغم من أنّ النظرية الذرية الإنجليزية في القرن السابع عشر حاولت تفسير جميع الظواهر الطبيعية على أنّها مادة متحركة، إلاّ أنّها في فلسفة كافنديش احتوت بأنّ جميع الذرات على نفس الكمية من المادة لكنها اختلفت في الحجم والشكل.

كافنديش والإدراك الحسي:

وفقًا لكافنديش فإنّ جسمًا ما لا يخسر أو يكتسب الحركة أبدًا، كما تفترض أنّ الأجساد مليئة بما يكفي فيها أنّ هناك إحساسًا بأنّها سبب تصوراتها الخاصة، ومن المحتمل أن تكون وجهة نظر غير بديهية، وقد تجادل كافنديش بأنّ التفسيرات البديلة المتاحة للإدراك لا معنى لها على الإطلاق، كما أنّ وجهة نظرها الخاصة هي أقرب الأقرباء، وأكثر تماسكًا للرؤية السائدة (الميكانيكي) لعصرها، حيث أولاً ترفض المذهب المدرسي القائل بأنّ إدراك الشيء هو مسألة تلقي من هذا الشيء صورة أو نوع أو شكل غير مادي لنفسه، ومثل هذا الشيء يجب أن ينتقل من كائن إلى آخر وبالتالي يجب أن يكون ماديًا.

ترفض كافنديش أيضًا وجهة النظر الميكانيكية التي ترى أنّ الإدراك هو مسألة انتقال ضوء غير ذكي من جسد إلى آخر ثم إنتاج صورة نشطة للجسم الأول في عقل الثاني، فهي قلقة من هذا الرأي مثل ذرات أبيقور، ولكن ما مدى سخافة صنع كيانات لا معنى لها وسبب المعنى والعقل، وبالتالي الإدراك واضح لتخوف الجميع ولا يحتاج إلى إثبات.

لا تحتاج عبثية الرأي إلى البرهان ولكن كافنديش تشرح بالتفصيل الطرق التي نتوقعها، وهذا الرأي سخيف لأنّه يتضمن أنّ أعضاء الحواس سلبية وخاملة في سياق إنتاج الصور الحسية، والرأي أيضًا سخيف لأنّ الوسط المادي الذي هو ضوء لا يحمل داخل نفسه أي صورة للكائن المدرك، وبالتالي فهو لا يجلب الموارد لإنتاج تصور لهذا الشيء على وجه التحديد أو لإنتاج أي تصور على الإطلاق.

على حد تعبيرها تقول كافنديش إنّه من غير المرجح أنّ يحدث ذلك ويجب أن تقوم الحركة غير المستبدلة والعديمة المعنى برحلة تقدمية من الكائن إلى الإحساس، وهناك طباعة وشكل ولون على المعنى البصري عن طريق الإثارة أو الارتجاج العاري، بحيث يكون الإدراك أو الظهور (كما يسمونه) من كائن يجب أن يكون فقط وفقًا للسكتة التي يحدثها الانفعالات، وبدلاً من ذلك تجادل كافنديش أنّه عندما يدرك جسم آخر فإنّ الجسم الثاني بقوته الخاصة يولد صورة أو نمط للجسم الأول.

نقد فلسفة كافنديش لعملية الإدراك:

بالنسبة إلى كافنديش يعتبر الإدراك عملية نشطة بالكامل تقريبًا، وعلى الرغم من أنّ الأشياء التي نشعر بها تضع قيودًا على الصور التي ننتجها فإننا ننتج تلك الصور بكاملها، وقد يثير خصومها الميكانيكيون الاعتراض وقد نعترض أيضًا أنّه إذا كانت كافنديش على حق فإنّ القوة التي ننتج بها مثل هذه الصور تكون غامضة وخفية وليست تفسيرية على الإطلاق، كما أنّه لدى كافنديش إجابة جاهزة فوفقًا لوجهة نظر خصومها فإنّ الأجسام المجهرية التي تؤثر على حواسنا ليس لها صفات مثل اللون أو الذوق أو الرائحة، ولكنها بطريقة ما قادرة على جعلنا نشعر بهذه الأحاسيس.

من وجهة النظر هذه قد تكون الأجسام المجهرية ذات اللون والطعم والرائحة بمثابة نوع من الزناد، ولكن إنتاج الأحاسيس ذات الصلة يرجع في جزء كبير منه إلى التصرفات والقدرات الموجودة في جانب المدرك، وتوافق كافنديش على أنّ الكثير من عمل الإدراك الحسي يحدث في المدرك، وقد تضيف أنّ أحد الأشياء التي يتجاهلها خصومها هو أنّه نظرًا لأنّ الحركة دائمًا لا تنفصل عن الجسم الذي يمتلكها، فإنّ الحركات التي تدخل في تكوين الصورة الحسية هي عمل المدرك أيضًا.

ترى كافنديش أنّه عندما يبدو أنّ جسمًا ما ينقل الحركة إلى آخر، فإنّ الجسم الثاني يتحرك من تلقاء نفسه ولكنه يفعل ذلك في ضوء اتصاله بالجسم الأول، وكان المعلقون قلقين من أنّه حتى لو سمحنا لكافنديش بالرأي القائل بأنّ الأجسام نشطة وحيوية ومصدر حركتها الخاصة، فليس لديها طريقة لتفسير كيفية تواصل الأجساد مع بعضها البعض بنجاح كبير إذا لم يتم نقل أي شيء بينها.

كافنديش وتفاعل الأجسام:

تطبق كافنديش وجهة النظر القائلة بأنّ الأجسام يجب أن تتلامس مع بعضها البعض من أجل التفاعل، ويبدو أنّها تعتقد أنّه عند نقطة الاتصال المتبادل يقوم أحد الجسد بإطلاق النشاط الإدراكي والحركة الذاتية للآخر، ولكن ما زلنا نتساءل عن كيفية قيام الجسم الأول بهذا، أي لقد تركنا مع السؤال عن كيفية وصول الجسم الثاني إلى الحصول على جميع المعلومات التي يحتاجها للعمل بطريقة منسقة ومنظمة.

لا توضح كافنديش العملية التي يحدث بها ذلك، ولكنها تعطينا ما يكفي من المواد للسماح لنا بالتكهن، وتقول أنّ الجسد الثاني يشكل نمطًا من الجسد الأول، كما تقوم بعمل نسخة منه، وإذا قام الجسم الثاني بعمل نسخة من الأول وإذا فعل ذلك عند نقطة التفاعل فإنّ أحد الاقتراحات الواضحة هو أن يقدم الجسم الأول صورة عن نفسه في تلك النقطة من التفاعل، ثم يقوم الجسم الثاني بعمل نسخة من تلك الصورة، ومن الواضح كيف يمكن أن يعمل هذا حتى في حالات الفعل الظاهرة عن بعد، فالكون عبارة عن كتلة كثيفة من الأجسام المتجاورة التي تتمتع بالإدراك وتتواصل مع الأجسام المحيطة بها.

فقد أوضحت وأكدت كافنديش بأنّها لا يمكن أن تخطئ، وذلك لأنّها لا تقول إنّ الحركات الجسدية للضوء أو الهواء لا يمكنها أو لا تقوم بعمل قلم الرصاص أو النسخ أو رسم أي شكل، لأنّ كل من الضوء والهواء نشطين للغاية في مثل هذه الأنواع من الحركات، لكنها تقول إنّهم لا يستطيعون فعل ذلك على أي أجساد أخرى غير أجسادهم.

لكن لقطع الخلافات المملة وغير الضرورية تقوم بإعادة التعبير عن رأيها حيث تعتقد أنّ الزجاج في مادته الخاصة يكتشف نسخة الوجه أو ما شابه، ومن تلك النسخ الحركات الحساسة في العيون تأخذ نسخة أخرى لذلك العقلاني من الحساس، وبهذه الطريقة يتم تكوين الإدراك العقلاني والإحساس والبصر والمعرفة، كما يحدث الشيء نفسه مع الصدى لأنّ أنماط الهواء تخرج من نسخة الصوت، ومن ثم الحركات الجسدية الحساسة في نمط الأذن مرة أخرى هذه النسخة من الهواء، وبالتالي تجعل الإدراك والإحساس بالسمع.

كافنديش وتصورات الأجسام:

يمكن السؤال هنا إذا كان الأمر كذلك حيث أنّ الزجاج والهواء ينسخان صورة الوجه والصوت، هل يمكن أن يقال أن الزجاج يرى والهواء يتكلم؟ فالإجابة هي لا يمكن بالاستطاعة أن أقول ذلك، فعلى الرغم من أنه يمكن القول إنّ الهواء يكرر الكلمات ويمثل الزجاج الوجه، ومع ذلك لا يمكن التخمين ما هي تصوراتهم، وهذا ما يمكن قوله فقط، حيث أنّ الهواء به عنصر والزجاج معدن ولكن ليس تصور الحيوان.

في الإدراك الحسي والحالات الأخرى للسببية العرضية تمر المعلومات عبر الهواء من جسم إلى آخر، ولكن ليس في شكل ضوء (غير ذكي) يختم الانطباع على أعضاء الإحساس السلبية والخاملة، ونظرًا لأنّ الكون عبارة عن قاعة كاملة تنتقل المعلومات من جسم (عامل) إلى الهواء المحيط به، ثم يقوم الهواء بعد ذلك برسم صورة لذلك الجسم بشكل نشط، ثم يتم نقش هذه الصورة مرة أخرى -اغسل واشطف وكرر- الكل الطريق حتى الوصول إلى جسد (المريض).

على طول الطريق ينتقل جزء من الهواء مع صورة منقوشة للكائن المدرك، وسيقوم البعض بإرسال صورة للكائن إلى أجسام متجاورة، وكل ذلك حتى يتم الوصول إلى المستشعر، ويوضح كافنديش أيضًا أنّ جزءًا مما يفكر فيه الجسم ويكون ذكيًا هو أن يكون لديه معرفة ذاتية، وستقوم الهيئات المتجاورة بنسخ هذه المعلومات بانتظام من أجل زيادة تنسيق السلوك إلى أقصى حد، ففي كثير من الحالات يحدث أن تنتقل هذه المعلومات لمسافات أبعد كثيرًا.

يجب على كافنديش أن تقدم حسابًا وفقًا لهذه الخطوط إذا كانت ستتمكن من رفض آراء خصومها المدرسيين والميكانيكيين باعتبارها أقل قبولًا، فهي نفسها تعتقد أنّ صفات مثل اللون والرائحة والذوق توجد حرفيًا في الأشياء وأنّ إدراك أنماط الجسم كلها، ولا تستطيع الأجسام المجهرية إنتاج الإدراك الناتج حرفيًا، وإذا حثت المُدرك على إنتاج هذا الإدراك من تلقاء نفسها، فأنّها تتيح للمُدرك صورة لتكون بمثابة أساس لنسخة من الجسم المدرك جنبًا إلى جنب مع مجموعة واسعة من ميزاته.


شارك المقالة: