بعد الانتهاء من عمله الفلسفي كتاب الأعراس بدأ ألبير كامو في العمل على ثلاثية مخطط لها على العبثية وهم: رواية والتي أصبحت الغريب، ومقالة فلسفية بعنوان أسطورة سيزيف ومسرحية كاليجولا، وتم الانتهاء من هذه الرسائل وإرسالها من الجزائر إلى ناشر باريس في أيلول في عام 1941، وعلى الرغم من أنّ كامو كان يفضل رؤيتها تظهر معًا حتى في مجلد واحد، إلّا أنّ الناشر لأسباب تجارية ونقص الورق الناجم عن الحرب والاحتلال صدر كتاب الغريب في حزيران من عام 1942 وأسطورة سيزيف في تشرين الأول، كما واصل كامو العمل على المسرحية التي ظهرت أخيرًا في شكل كتاب بعد ذلك بعامين.
وجودية كامو:
لقد وصف الفيلسوف الجزائري ألبير كامو الفلسفة الوجودية في فترة العبثية بأنّها شكل من أشكال الانتحار الفلسفي، بينما في فترة التمرد كان ينظر إلى الوجودية على أنّها نمط فكري مدمر يقلل من حياة الإنسان إلى تاريخها، فالبعد وعدم ترك مجال للتفاعل بين التاريخ والطبيعة، واختزال كل شيء في طريقه إلى التجريدات الأيديولوجية، كما أنّه على الرغم من معارضته المستمرة للوجودية لا يزال العديد من المعلقين حتى يومنا هذا يصنفونه على أنّه شخص وجودي.
سوف تستكشف وجودية كامو من خلال فحص كتابه الغريب ومقاله أسطورة سيزيف (وكلاهما نُشر في عام 1942)، والذي يسلط الضوء على سخافات الوجود الإنساني، ومن المثير للاهتمام عبثية الوجودية نفسها إذا تم نقل الفلسفة إلى أقصى الحدود، والتي ستطور أيضًا تقديرًا للطريقة التي يمثل بها كامو توليف التفكير الوجودي منذ باسكال.
نقد الوجوديين:
في بيانه عن المشكلة وحلها فإنّ لهجة كامو وأفكاره وأسلوبه تذكرنا بنيتشه، تعد نقطة انطلاقهم المشتركة هي التصميم على مواجهة الحقائق غير السارة والكتابة ضد الحكمة السائدة، وفي الوقت نفسه يجادل كامو ضد التيار الفلسفي المحدد الذي يرتبط به نيتشه في كثير من الأحيان باعتباره سلفًا، والذي هو نفسه هو الأقرب إليه للفلسفة الوجودية.
تمت كتابة أسطورة سيزيف بشكل صريح ضد الوجوديين مثل شيستوف وكيركجارد وياسبرز وهايدجر وكذلك ضد فينومينولوجيا هوسرل، ويشارك كامو نقطة البداية والتي يعتبرها حقيقة أنّهم جميعًا يشهدون بطريقة أو بأخرى على عبثية الحالة البشرية، ولكنه يرفض ما يراه على أنّه هروبهم النهائي ولاعقلانيتهم، مدعياً أنّهم “يؤلهون ما يسحقهم ويجدون سبباً للأمل فيما يفقرهم، وهذا الرجاء القسري هو ديني في كل منهم”.
الفلسفة العبثية بين سارتر وكامو:
الفيلسوف جان بول سارتر أيضًا يخضع لانتقادات كامو -ليس سياسيًا فقط- على الرغم من أنّ بعض الأفكار في أسطورة سيزيف استندت إلى غثيان سارتر، إلّا أنّه في عام 1942 لم يكن سارتر يعتبر وجوديًا بعد، ولكن مع تطور فلسفة سارتر واصل استكشاف كيف يشكل النشاط البشري عالماً ذا معنى من الوجود الوحشي الذي لا معنى له والذي كشف النقاب عنه في روايته.
في هذه العملية تصبح عبثية الغثيان عارضًا للوجود والعدم، وحقيقة أنّ البشر والأشياء موجودة ببساطة بدون تفسير أو سبب.، وكما وصفه سارتر فإنّ السخف (العبثية) هو: “الاحتمالية العالمية للوجود الذي هو، ولكنه ليس أساس وجوده، حيث السخف هو الصفة المعطاة وغير المبررة والبدائية للوجود”، وبعد ترسيخ الوجود البشري في مثل هذه الصدفة يواصل سارتر وصف الهياكل الأساسية الأخرى للوجود، والمشاريع البشرية الأساسية وأنماط السلوك المميزة بما في ذلك الحرية وسوء النية حيث كلها تنشأ على هذا الأساس، وتؤدي الصدفة الأصلية إلى رغبتنا في التراجع عنها وإلى المشروع غير المجدي لـ (الوجود).
من الواضح أنّ العبثية بالنسبة لسارتر هي خاصية وجودية أساسية للوجود نفسه فهي تحبطنا ولكنها لا تقيد فهمنا، وبالنسبة لكامو من ناحية أخرى فإنّ العبثية ليست خاصية للوجود على هذا النحو ولكنها سمة أساسية لعلاقتنا مع العالم، وقد يُقال إنّ سارتر وكامو متشابهان حقًا، وأنّ جوهر عدم جدوى فلسفة سارتر يوازي (اليأس) الذي يصفه كامو.
لكن سارتر يرفض التشاؤم الكلاسيكي وخيبة الأمل التي يجدها في كامو وبدلاً من ذلك يمتلك ثقة غير كاموسية في قدرته على فهم وشرح هذا المشروع وبقية العالم البشري، وعلى العكس من ذلك يبني كامو نظرة عالمية كاملة على افتراضه المركزي بأنّ العبثية هي علاقة لا يمكن تجاوزها بين البشر وعالمهم، وإنّه يفترض وجود طلاق حتمي بين الوعي البشري مع التوق الشديد للوضوح والصمت غير المعقول للعالم، كما يرى كامو العالم على أنّه غير عقلاني مما يعني أنّه لا يمكن فهمه من خلال العقل.
كامو والفلاسفة الوجوديون:
وفقًا لكامو فإنّ كل كاتب وجودي يخون رؤيته الأولية بالسعي إلى مناشدة شيء يتجاوز حدود الحالة الإنسانية من خلال اللجوء إلى المتعالي، ومع ذلك حتى لو تجنبنا ما يصفه كامو بجهود الهروب واستمرينا في العيش بدون مناشدات غير عقلانية، فإنّ الرغبة في القيام بذلك مبنية في وعينا وبالتالي إنسانيتنا، فنحن غير قادرين على تحرير أنفسنا من هذه الرغبة في الوحدة وهذا الشوق للحل، وهذه الحاجة إلى الوضوح والتماسك، ولكن من الملح عدم الخضوع لهذه الدوافع وقبول العبث بدلاً من ذلك، وعلى النقيض من الوجودية فإنّ العبث هو سبب واضح مع ملاحظة حدوده.
من الواضح أنّ كامو يعتقد أنّ الفلاسفة الوجوديين مخطئون لكنه لا يجادلهم، وذلك لأنّه يعتقد أنّه ليس هناك حقيقة بل مجرد حقائق، وبدلاً من ذلك يأخذ خلافه الشكل الأكثر دقة وأقل حزماً للنقد الجوهري، مشيرًا إلى أنّ الفلسفة الوجودية لكل مفكر تنتهي بالتعارض مع نقطة البداية الخاصة به: “بدءًا من فلسفة افتقار العالم للمعنى، وينتهي الأمر بإيجاد المعنى والعمق فيه”، ويصر على أنّ هؤلاء الفلاسفة يرفضون قبول الاستنتاجات التي تأتي من مقدماتهم الخاصة، فكيركيغارد على سبيل المثال يشعر بقوة بالعبثية، ولكن بدلاً من اعتباره مرضًا بشريًا لا مفر منه يسعى إلى الشفاء منه بجعله صفة إله يعتنقه بعد ذلك.
التحليل الأكثر استدامة لكامو هو لظواهر هوسرل، وجنبًا إلى جنب مع سارتر أشاد كامو بفكرة هوسرليان المبكرة عن القصد، حيث رأى سارتر في هذه الفكرة على أنّها تكشف عن وعي ديناميكي بدون محتويات -أساس تصوره للحرية- بينما كان كامو مسرورًا لأنّ القصدية تتبع الروح العبثية في التواضع الواضح للفكر الذي يحد من وصف ما يرفض تفسيره، ومع ذلك ينتقد كامو بحث هوسرل اللاحق في أفكار عن الجواهر الأفلاطونية خارج الزمن باعتباره قفزة شبه دينية تتعارض مع رؤيته الأصلية.