فلسفة كامو الوجودية والسياسية

اقرأ في هذا المقال


كان الفيلسوف ألبير كامو كاتبًا جزائريًا فرنسيًا اشتهر بأعماله العبثية بما في ذلك الغريب والطاعون، وكان قد حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1957.

الفلسفة الوجودية:

غالبًا ما يُصنف كامو على أنّه كاتب وجودي ومن السهل معرفة السبب، فالصلات مع الفيلسوف سورين كيركيغارد (Søren Aabye Kierkegaard) والفيلسوف جان بول سارتر (Jean-Paul Sartre) هي براءة اختراع، ويشارك مع هؤلاء الفلاسفة (ومع الكتاب الرئيسيين الآخرين في التقليد الوجودي من أوغسطين وباسكال إلى دوستويفسكي ونيتشه) اهتمامًا معتادًا ومكثفًا بالنفسية البشرية النشطة، ففي حياة الضمير أو الروح كما هي بالفعل من ذوي الخبرة و يسكن.

مثل هؤلاء الكتاب فهو لا يهدف إلى أقل من تفسير شامل وصريح للحالة الإنسانية، ومثلهم لا يُظهر فقط جاذبية فلسفية ولكن أيضًا التزامًا شخصيًا بقيم مثل الفردية والاختيار الحر والقوة الداخلية والأصالة والمسؤولية الشخصية وتقرير المصير.

ومع ذلك تبقى حقيقة مزعجة من حيث طوال حياته المهنية، فقد نفى كامو مرارًا وتكرارًا أنّه كان وجوديًا، فهل كان هذا تقييمًا ذاتيًا دقيقًا وصادقًا؟ ومن ناحية شكك بعض النقاد في هذا الإنكار (مستخدمين المصطلح بمعناه السريري الحديث تقريبًا)، ونسبوه إلى العداء السياسي الشهير بين سارتر وكامو أو إلى عناد معين أو حتى تناقض من جانب كامو، فمن وجهة نظرهم يعتبر كامو على الأقل وجوديًا في خزانة الملابس، وفي بعض النواحي (على سبيل المثال في اهتمامه غير المشروط والعاطفي بالفرد) كعينة أكثر صدقًا من هذا النوع من سارتر.

من ناحية أخرى إلى جانب رفضه الشخصي للتسمية، يبدو أنّ هناك أسبابًا قوية للطعن في الادعاء بأنّ كامو وجودي، ولسبب واحد من الجدير بالذكر أنّه لم يُظهر أبدًا اهتمامًا كبيرًا بالأسئلة الميتافيزيقية والأنطولوجية (ففي الواقع تجنبها إلى حد كبير والمبرر الفلسفي لوجود هايدجر وسارتر)، وبالطبع لا توجد قاعدة تنص على أنّ الوجودي يجب أن يكون ميتافيزيقيًا، ومع ذلك فإنّ نفور كامو الظاهر من المناقشة الفلسفية التقنية يشير إلى طريقة واحدة نأى بها بنفسه عن الفكر الوجودي المعاصر.

نقطة أخرى من الاختلاف هي أنّ كامو يبدو أنّه اعتبر الوجودية على أنّها نظرة عالمية كاملة ومنهجية أي عقيدة واضحة تمامًا، ففي رأيه لكي يكون المرء وجوديًا حقيقيًا يجب أن يلتزم بالعقيدة بأكملها (وليس مجرد أجزاء منها)، وكان هذا على ما يبدو شيئًا غير راغب في القيام به.

هناك نقطة أخرى للانفصال وربما تكون حاسمة وهي أنّ كامو تحدى بشكل فعال ونأى بنفسه عن الشعار الوجودي الذي يسبق الجوهر، وفي النهاية ضد سارتر بشكل خاص والوجوديين بشكل عام يتمسك بإيمانه الغريزي بالطبيعة البشرية المشتركة، ومن وجهة نظره يتضمن الوجود الإنساني بالضرورة عنصرًا جوهريًا أساسيًا للكرامة والقيمة، وفي هذا الصدد يبدو أنّه أقرب بشكل مدهش إلى التقليد الإنساني من أرسطو إلى الفيلسوف إيمانويل كانط منه إلى التقليد الحديث للشك والنسبية من نيتشه إلى دريدا (هذا الأخير مواطنه، وعلى الأقل في التزامه بحقوق الإنسان ومعارضة عقوبة الإعدام وخليفته الروحي ونسله).

المشاركه السياسيه:

أصبح كامو سياسيًا خلال سنوات دراسته حيث انضم أولاً إلى الحزب الشيوعي ثم حزب الشعب الجزائري، وبصفته نصيرًا لحقوق الفرد عارض الاستعمار الفرنسي ودافع عن تمكين الجزائريين في السياسة والعمل، ارتبط كامو لاحقًا بالحركة الأناركية الفرنسية.

في بداية الحرب العالمية الثانية انضم كامو إلى المقاومة الفرنسية للمساعدة في تحرير باريس من الاحتلال النازي، والتقى الفيلسوف جان بول سارتر خلال فترة خدمته العسكرية، ومثل سارتر كتب كامو ونشر تعليقًا سياسيًا على الصراع طوال مدته، وفي عام 1945 كان أحد الصحفيين القلائل في الحلفاء الذين أدانوا الاستخدام الأمريكي للقنبلة الذرية في هيروشيما، وكان أيضًا ناقدًا صريحًا للنظرية الشيوعية مما أدى في النهاية إلى خلاف مع سارتر.

فكر كامو والاستعمار والجزائر:

كان أحد الموضوعات الرئيسية وحتى الانشغالات في دراسات كامو الحديثة هو موقف الكاتب، كما ينعكس في كل من أدبته الخيالية وغير الخيالية، تجاه الاستعمار الأوروبي بشكل عام ورده على (المشكلة) أو (السؤال) الفرنسي-الجزائري، كما كان يطلق عليه غالبًا على وجه الخصوص، وأول ما يمكن ملاحظته في هذا الصدد هو أنّه على عكس سارتر والعديد من المثقفين الأوروبيين الآخرين ولم يقدم كامو أبدًا نقدًا رسميًا للاستعمار.

كما أنّه لم يوقع على أي من البيانات والإعلانات المتكررة التي تدين هذه الممارسة، وهي خطيئة تعرض لانتقادات شديدة بسببها بل واتهم بالجبن الأخلاقي، ففي عام 1958 لشرح نفسه وتبرئته جزئيًا ولكن بشكل أساسي لتوضيح التعقيدات المؤلمة للإصلاح الاستعماري وإنهاء الاستعمار وإعطائها صوتًا، فقد قام بنشر سجلات الجزائر وهي مجموعة من كتاباته حول (المشكلة) المزعجة التي عانى منها شخصيًا بسببها لأكثر من عشرين عامًا.

بالإضافة إلى صمته المتصور بشأن قضية الاستعمار، فالصمت كما تكشف سجلات الجزائر مدفوعًا بخوفه من أن التحدث بعدوانية، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد التوترات أكثر من تأمين الجزائر الموحدة والمستقلة بعد الاستعمار الذي كان يأمل فيه، كما تعرض كامو لانتقادات بسبب المحو الافتراضي للشخصيات والثقافة العربية من رواياته، وقام الكاتب والسياسي الأيرلندي كونور كروز أوبراين بمحاولة جزئية لإنقاذ كامو من هذا النقد من خلال القول بأنّ السقوط يجب أن يُقرأ كسيرة ذاتية يعترف فيها كامو بإخفاقاته الشخصية، بما في ذلك ذنبه في أن يصبح مواطنًا متميزًا في بلد فقير.

استنكر العديد من الكتاب وعلى رأسهم إدوارد سعيد الغياب شبه التام للشخصيات العربية في روايات وقصص كامو، وعلاوة على ذلك فإنّ الشخصيات العربية القليلة التي تظهر كما يشير هؤلاء النقاد هي حتمًا صامتة ومجهولة الهوية، وهم إما شخصيات الظل بما في ذلك ضحية القتل المجهولة في مركز الذروة في عمله الغريب (The Stranger)، أو مجرد جثث مثل الجزائريين الأصليين غير المحسوبين وغير المعروفين الذين يُفترض أنّهم يشكلون الجزء الأكبر من عدد القتلى في الشاطئ (The Plague) ولكنهم بخلاف ذلك ليس لديهم دور في التحدث أو حتى حضور مرئي في الرواية.

على نفس الخط من النقد فإنّ تحقيق مورسو هو رد روائي وخيالي لكامو للكاتب الجزائري كامل داود، وإعادة تصور شخصيات وأحداث الغريب التي رويت من وجهة نظر شقيق العربي المقتول، وتمثل الرواية توبيخًا تصحيحيًا وإشادة أدبية لها الأصل الشهير، ففي مقدمة نسختها الموسعة الأخيرة من سجلات الجزائر تتناول أليس كابلان (Alice Kaplan) هذه الانتقادات وما يتصل بها وتستشهد بمقاطع ذات صلة من كتابات كامو ردًا عليها.


شارك المقالة: