اقرأ في هذا المقال
الاستقلالية الفردية هي فكرة مفهومة عمومًا على أنّها تشير إلى القدرة على أن يكون المرء شخصًا، وأن يعيش حياته وفقًا للأسباب والدوافع التي يتم أخذها على أنّها خاصة به، وليس نتاج قوى خارجية متلاعبة أو مشوهة، بحيث تكون بهذه الطريقة مستقلة، كما إنّها قيمة مركزية في التقليد الكانطي للفلسفة الأخلاقية، ولكنها أيضًا مُنحت مكانة أساسية في نسخة جون ستيوارت ميللليبراليةالنفعية.
منظور عام لمجالات مفهوم الاستقلالية:
يحتل فحص مفهوم الاستقلالية مكانة مركزية في المناقشات حول سياسة التعليم وأخلاقيات الطب الحيوي، والحريات والحقوق القانونية المختلفة (مثل حرية التعبير والحق في الخصوصية)، وكذلك النظرية والفلسفة الأخلاقية والسياسية على نطاق أوسع، وفي مجال النظرية الأخلاقية يمكن مقارنة رؤية الاستقلالية كقيمة مركزية مع الأطر البديلة مثل أخلاقيات الرعاية والنفعية من بعض الأنواع وأخلاقيات الفضيلة.
يُعتقد تقليديًا أنّ الاستقلالية تعني الاستقلال وبالتالي تعكس افتراضات الفردانية في كل من التفكير الأخلاقي وتسميات الوضع السياسي، ولهذا السبب قاومت بعض الحركات الفلسفية مثل سلالات معينة من النسوية رؤية الاستقلالية كقيمة، ومع ذلك في العقود الأخيرة حاول المنظرون بشكل متزايد هيكلة المفهوم من أجل قطع روابطه بهذه العلامة التجارية الفردية، وفي جميع هذه المناقشات يكون مفهوم الاستقلالية هو محور الكثير من الجدل والنقاش، والنزاعات التي تركز الانتباه على أساسيات الفلسفة الأخلاقية والسياسية ومفهوم التنوير عن الشخص بشكل عام.
مفهوم الاستقلالية:
في التقليد الغربي يعتبر الرأي القائل بأنّ الاستقلال الفردي قيمة أخلاقية وسياسية أساسية تطورًا حديثًا إلى حد كبير، وإنّ وضع وزن أخلاقي على قدرة الفرد على حكم نفسه بغض النظر عن مكانه في النظام الميتافيزيقي أو دوره في الهياكل الاجتماعية والمؤسسات السياسية هو إلى حد كبير نتاج الإنسانية الحداثية التي تعتبر الفلسفة الأخلاقية والسياسية المعاصرة جزءًا منها، وعلى هذا النحو فإنّه يحمل ثقل الجدل الذي اجتذب هذا الإرث.
إنّ الفكرة القائلة بأنّ المبادئ والالتزامات الأخلاقية فضلاً عن شرعية السلطة السياسية يجب أن ترتكز على الفرد المتمتع بالحكم الذاتي، بعيدًا عن الاحتمالات المختلفة للمكان والثقافة والعلاقات الاجتماعية تدعو المتشككين من عدة جهات، فالاستقلالية إذن هي إلى حد كبير في دوامة إعادة النظر المعقدة للحداثة.
بعبارة أبسط أن يكون المرء مستقلاً هو أن يحكم نفسه، وأن يتم توجيهه من خلال الاعتبارات والرغبات والظروف، والخصائص التي لا تُفرض على المرء خارجيًا فحسب بل هي جزء مما يمكن اعتباره بطريقة ما الذات الأصيلة، كما يبدو الاستقلالية بهذا المعنى قيمة لا يمكن دحضها، خاصة وأنّ نقيضها -الاسترشاد بقوى خارجية عن الذات والتي لا يستطيع المرء اعتناقها- يبدو أنّها تشير إلى ذروة الاضطهاد، ولكن التحديد الدقيق لشروط الاستقلالية يثير حتمًا الجدل ويدعو إلى التشكيك في الادعاء بأنّ الاستقلالية قيمة غير مشروطة لجميع الناس.
يلعب الاستقلالية أدوارًا مختلفة في الحسابات النظرية للأشخاص ومفاهيم الالتزام الأخلاقي والمسؤولية، وتبرير السياسات الاجتماعية وفي العديد من جوانب النظرية السياسية، وإنّه يشكل جوهر المفهوم الكانطي للعقل العملي، ويرتبط بشكل وثيق بمسائل المسؤولية الأخلاقية، ويُنظر إليه أيضًا على أنّه جانب من جوانب الأشخاص الذي يمنع أو يجب أن يمنع التدخلات الأبوية في حياتهم، كما يلعب دورًا في نظرية وسياسة التعليم، وفي بعض الآراء التي تحدد الهدف الأساسي للتعليم الليبرالي بشكل عام.
أيضًا على الرغم من تحفظات العديد من النسويات فيما يتعلق بالمثالية للاستقلالية، يُنظر إليه أحيانًا على أنّه عنصر مفاهيمي قيم في بعض المُثل النسوية، مثل تحديد والقضاء على الظروف الاجتماعية التي تضر بالنساء وغيرهم من الأشخاص المعرضين (المحتمل).
الفروق الأساسية في مفهوم الاستقلالية:
يجب إجراء العديد من الفروق للتركيز على نوع الاستقلالية الذي يمثل أهمية كبرى للنظرية الأخلاقية والسياسية:
- يشير مفهوم (الاستقلالية الأخلاقية) إلى القدرة على فرض القانون الأخلاقي الموضوعي المفترض على المرء، ووفقًا لكانط يُزعم أنّه مبدأ تنظيمي أساسي لجميع الأخلاق.
2- إنّ ما يمكن تسميته (بالاستقلالية الشخصية) من ناحية أخرى يُقصد به أن يكون سمة يمكن للأفراد إظهارها بالنسبة إلى أي جانب من جوانب حياتهم، ولا يقتصر على أسئلة الالتزام الأخلاقي.
3- يجب أيضًا التمييز بين الاستقلالية الشخصية (أو الفردية) والحرية، على الرغم من وجود العديد من التصورات لهذه المفاهيم، وبالتأكيد ستكون بعض مفاهيم الحرية الإيجابية معادلة لما يُقصد به غالبًا الاستقلالية.
بشكل عام يمكن للمرء أن يميز الاستقلالية عن الحرية من حيث أنّ الأخيرة تتعلق بالقدرة على التصرف دون قيود خارجية أو داخلية وأيضًا (في بعض المفاهيم) بموارد وقوة كافية لجعل رغبات المرء فعالة، وتتعلق الاستقلالية باستقلالية وأصالة الرغبات من القيم والعواطف وما إلى ذلك، والتي تدفع الفرد إلى التصرف في المقام الأول.
4- يميّز البعض الاستقلالية عن الحرية من خلال الإصرار على أنّ الحرية تتعلق بأفعال معينة بينما الاستقلالية هي فكرة أكثر عالمية تشير إلى حالات الشخص، ولكن يمكن استخدام الاستقلالية للإشارة إلى كل من الحالة العالمية (الشخصية المستقلة)، وكمفهوم محلي أكثر أي مستقل بالنسبة إلى سمة أو دافع أو قيمة أو حالة اجتماعية معينة، فالمدخنون المدمنون على سبيل المثال هم أشخاص مستقلون بالمعنى العام، ولكن بالنسبة للبعض عاجزون عن السيطرة على سلوكهم فيما يتعلق بهذا النشاط.
5- يجب أن نفصل بين فكرة الاستقلالية الأساسية والمكانة الدنيا لكون المرء مسؤولاً ومستقلًا وقادرًا على التحدث عن الذات، وبين الاستقلالية المثالية وهو إنجاز يخدم كهدف قد نطمح إليه، ووفقًا له يكون الشخص أصيلًا إلى أقصى حد وخالي من التأثيرات المتلاعبة والتشويه الذاتي.
وبهذا يجب أن يعني أي تصور معقول للاستقلالية الأساسية من بين أمور أخرى، وأنّ معظم البالغين الذين لا يعانون من أمراض منهكة أو يخضعون لظروف قمعية ومقيدة يعتبرون مستقلين، ومن ناحية أخرى قد يتمتع عدد قليل جدًا من الأفراد بالاستقلالية كمثالية لأنّها تعمل كهدف يجب تحقيقه.
السبب في تفسير الاستقلالية الأساسية على نطاق واسع بما يكفي لتشمل معظم البالغين هو أنّ الاستقلالية ترتبط بمحددي الحالة الآخرين الذين يطبقون أو كما يُزعم يجب أن يطبقوا بهذه الطريقة الشاملة، حيث أنّ الاستقلالية مرتبطة على سبيل المثال بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية في بعض الآراء، ويُنظر إلى الوكالة المستقلة على أنّها ضرورية وكافية للبعض لشرط المساواة السياسية، حيث علاوة على ذلك فإنّ الاستقلالية تشكل حاجزًا أمام الأبوة غير الخاضعة للرقابة، سواء في المجالات الشخصية وغير الرسمية أو في المجالات القانونية.
إنّ الافتقار إلى الاستقلالية كما يفعل الأطفال الصغار هو حالة تسمح أو تدعو إلى التعاطف والرعاية والأبوة وربما الشفقة، ولذلك سيكون أحد الاعتبارات الإرشادية في تقييم مفاهيم معينة للاستقلالية على الرغم من أنّه ليس اختبارًا صعبًا وسريعًا، هو ما إذا كان يتصل بشكل صحيح بهذه الأحكام التبعية.