هناك حقيقتان تجعلان من الصعب فصل مساهمات جورج إدوارد مور في الميتافيزيقيا عن مساهماته في نظرية المعرفة، في البداية كانت مساهماته الرئيسية في الميتافيزيقيا في أنطولوجيا الإدراك، والتي غالبًا ما يتم التعامل معها على أنّها فرع من نظرية المعرفة، ثم بعد ذلك كانت مساهماته الرئيسية في نظرية المعرفة بدافع ما أسماه النظرة المنطقية أو العادية للعالم، وهذا مفهوم ميتافيزيقي أو نظرة عالمية أو النظرة الكونية.
فلسفة مور في العلاقات الداخلية:
أصبح مور مهتمًا بالفلسفة في وقت كانت فيه المثالية المطلقة قد هيمنت على الجامعات البريطانية لمدة نصف قرن، في تقليد يمتد من صموئيل تايلور كوليردج وتوماس هيل جرينلفرانسيس هربرت برادلي وجون ماك تاغارت إليس ماك تاغارت، حيث كان ماك تاغارت أول معلم فلسفي لمور حيث ورثت آراء مور الفلسفية الأولى منه مباشرة.
المثالية المطلقة هي نوع من الأحادية الميتافيزيقية، حيث إنّه يعني على الرغم من أنّ العالم يقدم نفسه لنا كمجموعة من الأشياء المنفصلة إلى حد ما (هذا الطائر أو ذلك الجدول أو الأرض والشمس…إلخ) فإنّه حقًا كل واحد غير قابل للتجزئة فطبيعته عقلية أو روحي أو مثالي وليس ماديًا.
وبالتالي فهو أيضًا شكل من أشكال معاداة الواقعية لأنّه يدّعي أنّ عالم التجربة العادية هو شيء من الوهم، لا يعني ذلك أنّ موضوعات التجربة العادية غير موجودة، لكنّها ليست منفصلة كما نعتبرها عادةً، وبدلاً من ذلك فإنّ كل كائن موجود هو ما هو عليه جزئيًا على الأقل بفضل العلاقات التي تربطه بأشياء أخرى، وذلك بشكل أكثر دقة مع كل الأشياء الأخرى، وهذا ما يسمّى عقيدة العلاقات الداخلية والتي فهمها مور على أنّها وجهة النظر القائلة بأنّ كل العلاقات ضرورية.
من وجهة النظر هذه فإنّ فنجان قهوة المرء التي يحتسيها الآن في مكتبه ليس مجرد كيان قائم بذاته ظاهريًا، حيث يرفعه من على الطاولة ويرسمه على شفتيه، وبدلا من ذلك فهي تحتوي كأجزاء أساسية من نفسها على العلاقات مع كل شيء آخر موجود، وهكذا عندما يرسمها على شفتيه فإنّه يرسم الكون معها وهو مسؤول إلى حد ما عن إعادة تشكيل الكون.
وبما أنّ كل ما هو موجود من وجهة النظر هذه يفعل ذلك فقط بحكم علاقته بكل شيء آخر، فمن المضلل القول عن أي شيء واحد على سبيل المثال فنجان قهوة هذا المرء أنّه موجود ببساطة، والشيء الوحيد الموجود ببساطة هو الكل، حيث الشبكة الكاملة للأشياء ذات الصلة بالضرورة.
فلسفة مور في المثالية المطلقة:
يمكن القول بأنّه على الرّغم من قبول مور المثالية المطلقة لفترة قصيرة في سنوات دراسته الجامعية إلّا أنّه من الأفضل تذكره للآراء التي طورها ضدها، ففي الواقع إنّ أكثر ما يميز فلسفة مور الناضجة هو الواقعية الشاملة حول ما جاء ليطلق عليه وجهة النظر المنطقية أو العادية للعالم، والذي يتضمن هذا التعددية الميتافيزيقية الخصبة حيث الاعتقاد بأنّ هناك أشياء كثيرة موجودة بشكل أبسط والتي تقف في تناقض حاد مع أحادية المثالية المطلقة.
بدأت تلميحات شكوك مور حول المثالية المطلقة في الظهور في وقت مبكر من عام 1897 في أطروحته الأولى (غير الناجحة) على جائزة الزمالة حول (الأساس الميتافيزيقي للأخلاق)، وعلى الرغم من أنّه يتطابق فيه علنًا مع المدرسة المثالية البريطانية إلّا أنّ مور أثار هنا أولاً نقطة ثبت أنّها الفجوة في سد المثاليين.
حيث إنّ عقيدة المثاليين حول الطابع الداخلي لجميع العلاقات لها آثار على أنطولوجيا الإدراك، وعلى وجه التحديد فإنّه يشير إلى أنّ كائنات المعرفة أو الإدراك ليست مستقلة عن معرفتها، وبعبارة أخرى فإنّ كون المرء معروفًا (مدركًا وواعياً…إلخ) يحدث فرقًا في طبيعة ووجود الشيء المعروف أي موضوع المعرفة.
في الواقع كان هذا الجانب من وجهة النظر هو الذي ميزه باعتباره مثاليًا حيث كان المثاليون يفترضون عقلًا عظيمًا وغالبًا ما يُطلق عليه ببساطة المطلق، وهو ما أسّس كل الواقع من خلال إدراكه، وهذا الرأي في أنطولوجيا الإدراك يرفض مور بشكل غير مباشر في أطروحته عام 1897، حيث إنّه لا يخاطبها مباشرة وبشكل محدد ولكن فقط في السياق المقيد لنظرية المعرفة الأخلاقية.
في مناقشة نظرية المعرفة الأخلاقية لكانط يجادل مور بأنّ مفهوم كانط للعقل العملي يخلط بين ملكة الحكم والأحكام نفسها (أي حاملي الحقيقة الموضوعية)، والتي يعتقد أنّه يجب أن تبقى منفصلة، وإنّ الحفاظ على تمييز حاد بين الكليات المعرفية وأنشطتها من ناحية وأغراضها من ناحية أخرى، وهو عنصر أساسي في الفلسفة النمساوية الألمانية من بولزانو (Bolzano) ولوتزي (Lotze) إلى هوسرل (Husserl)، ومن المرجح أنّ مور حصل على الفكرة من القراءة في هذا التقليد.
في هذه المرحلة لم يكن لدى مور عقيدة العلاقات الداخلية ولا المثالية البريطانية في بصره، وربما يكون من الأدق القول إنّه كان يعترض على ما يُدعى في كثير من الأحيان بعلم النفس، وذلك من وجهة النظر القائلة بأنّ الحقائق الموضوعية على ما يبدو (على سبيل المثال المنطق والرياضيات والأخلاق وما إلى ذلك) يتم حسابها من حيث عمليات الكليات الذاتية المعرفية أو النفسية.
حيث كان علم النفس شائعًا في جميع إصدارات المثالية الكانطية وما بعد الكانطية تقريبًا بما في ذلك المثالية البريطانية المطلقة، وكانت أيضًا سمة مشتركة للفكر في التقاليد التجريبية البريطانية من ديفيد هيوم إلى جون ستيوارت ميل حيث بالنسبة للمثاليين البريطانيين، وكان علم النفس نتيجة لعقيدة العلاقات الداخلية حيث ينطبق هذا الأخير على أنطولوجيا الإدراك.
لم يمض وقت طويل قبل أن يدرك مور ذلك والذي وبناءً عليه وسع نطاق نقده عام 1897 من أنطولوجيا المعرفة الأخلاقية إلى أنطولوجيا المعرفة بشكل عام، وسرعان ما أصبح هذا السلاح الرئيسي في تمرده ضد المثالية البريطانية، وبدأ هذا بجدية في أطروحة الزمالة الناجحة لعام 1898 والتي شكلت الأساس لورقته البحثية المؤثرة الأولى (طبيعة الدينونة) مور 1899.
وفي كل من هذين العملين يدفع مور التمييز المناهض للنفسية بين الكليات أو الأنشطة الذاتية وأغراضها، وإنّه يقرن هذا مع ذلك بتفسير خاص لطبيعة الحقيقة والافتراضات والأشياء العادية.