مكانة العقل والسلوك لدى فلسفة ميل

اقرأ في هذا المقال


تتضمن طبيعية جون ستيوارت ميل الادعاء بأنّ البشر وعقولهم جزء كامل من الطبيعة، وعلى هذا النحو فهم يخضعون للقوانين السببية بنفس الطريقة مثل بقية العالم الطبيعي والدراسة التجريبيةللعقل، وكما يرى ميل تكشف عن أنّه محكوم بقوانين علم النفس التجميعي.

مكانة العقل لدى فلسفة ميل:

ويختلف ترابطية ميل في النواحي الرئيسية عن أسلافه فيما يخص العقل، فهو يظهر اهتمامًا أكبر بإنصاف عفوية العقل والطبيعة الموجهة للعالم للفكر التمثيلي، وحقيقة أنّ بعض الأفكار المعقدة لا يمكن تفسيرها من حيث التركيب الميكانيكي للأفكار البسيطة الموجودة في تجربة المعنى، وكانت مثل هذه التعديلات في ميراثه الجمعي جزئيًا رد فعل على النقاط التي قدمتها مدرسة جيرمانو كوليردجين (Germano-Coleridgean).

ومع ذلك تظل روايته راسخة ضمن تقاليد التجريبية البريطانية ولا يتردد أبدًا في الالتزام بالادعاء بأنّ حياتنا العقلية محكومة بقوانين سببية تعمل بطريقة حتمية، وفي الواقع يأمل ميل في أن يتحسن فهمنا لمثل هذه القوانين بل ويظهر اهتمامًا بالوعد بفهم الظروف المادية للفكر في الدماغ والجهاز العصبي.

يرى ميل أنّ شخصية عقل الفرد هي وظيفة بالكامل من التجارب التي مر بها الفرد، وبهذا المعنى يتمسك ميل بعقيدة التجريبين في القرن الثامن عشر عن الطبلة الراسا (طبلة راسا هو مفهوم يطلق على عدم وجود أفكار مسبقة أو أهداف محددة مسبقًا، أي سجلًا نظيفًا)، ولكن في يد ميل تتحول إلى ادعاء مميز من القرن التاسع عشر مفاده أنّ الطبيعة البشرية نفسها مرنة.

ومن المؤكد أن تجارب محددة تكتب دروسها في أذهاننا لكن ظروف الخلفية التي تختلف من ثقافة إلى أخرى تلعب دورًا مهمًا بنفس القدر، ويؤثر هذا التثاقف على شخصيات ورغبات وميول البشر والتي تختلف اختلافًا جذريًا اعتمادًا على بيئة البشر، وهي نقطة لاحظها العديد من معاصري ميل الرومانسيين ونقطة أثرت في اتجاه مذهبه النفعي، حيث تُظهر الطبيعة البشرية مرونة مذهلة، فإذا كانت هناك بعض الميول للطبيعة البشرية والتي هي نفسها في جميع الأعمار والبلدان فهذه لا تشكل مطلقًا كل الاتجاهات.

ولكنه يؤثر أيضًا على معتقداتنا وأنماطنا في إدراك العالم، فكما يلاحظ ميل:

“جزء كبير مما يبدو ملاحظة هو حقًا الاستدلال، ولأنّه في كل فعل تقريبًا من ملكات إدراكنا تمتزج الملاحظة والاستنتاجات بشكل وثيق، وما يُقال لنا أن نلاحظه عادة ما يكون نتيجة مركبة والتي قد يكون عُشرها ملاحظة، واستنتاج تسعة أعشار المتبقية.”


ما هي الاستنتاجات الصحيحة من الملاحظات التي تأتي من عمليات الارتباط لتبدو وكأنها ملاحظات بحد ذاتها؟ يبدو بشكل صحيح فقط نوعًا حسيًا معينًا، ولكن مع التكرار يتم دمج الاستدلال بالاقتران مع الملاحظة، ويعتبر المحتوى المستنتج جزءًا من الملاحظة نفسها وعمليات الارتباط، وهذا يعني جعل الملاحظات محملة بعمق، والنظريات التي تحملهم بالطبع سوف تختلف باختلاف البيئة الاجتماعية.

فلسفة علم السلوك لدى ميل:

علم النظام أو المنهجي الذي يعالج موضوع كيفية تأثير التنشئة والبيئة على تكوين الأفراد، حيث مصطلح ميل علم السلوك، فمثل هذا العلم الذي من شأنه أن يستخدم مبادئ علم النفس للسماح لنا بتحديد الظروف الأكثر ملاءمة أو ضررًا لإنتاج الشخصيات التي نعتقد أنّها مرغوبة كما قال ميل: “لا يزال يتعين إنشاؤه”، ومع ذلك يمكن اعتبار الكثير من أعمال ميل محاولة لبدء مثل هذا البرنامج البحثي ورسم آثار الظروف الاجتماعية على خلق الشخصية، حيث شخصيته الخاصة في السيرة الذاتية وشخصية النساء في الخضوع وتلك الخاصة بالمجتمعات الديمقراطية في على الحرية (On Liberty).

فشخصيات الأفراد هي نتيجة العمليات السببية وهذه الشخصيات تحدد أفعالهم، ولن يتردد أي شخص يعتقد أنّه يعرف جيدًا ظروف أي قضية، وشخصيات مختلفة من الأشخاص المعنيين في التنبؤ بكيفية تصرفهم جميعًا.

نظرًا لأنّ الأفراد يخضعون لمثل هذه القوانين، فليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأنّ المجتمعات المكونة من أفراد لن تخضع للقوانين الطبيعية، وبالفعل يعتقد ميل أنّه من الممكن تحديد القوانين التي من خلالها تتطور المجتمعات من حالة البربرية إلى الحضارة كما قال: “القوانين التي تنظم الخلافة بين حالة من المجتمع وأخرى”، والرسم البياني علميًا عملية التاريخ، حيث يسترشد ترتيب التقدم البشري بنوع من الضرورة التي أسستها القوانين العامة للطبيعة البشرية.

إن فهم العالم البشري علميًا – فهمه كجزء من العالم الطبيعي – يضغط بالطبع على فكرة أنّ البشر أحرار بأي معنى حقيقي، ومن الواضح أنّ ميل يمكن أن يُستدل على أفعال البشر بشكل غير مقصود إذا عُرفت أسلافهم، لكنه مع ذلك يؤكد أنّ هذا الموقف الحتمي لا يتعارض إلى أدنى درجة مع ما يسمى شعورنا بالحرية.

وقد تم تحديد أفعالنا سببيًا ولكن مع ذلك يؤكد ميل بأنّه نحن أحرار، ويتبنى ميل حسابًا توافقيًا لحرية الإنسان على الرغم من أنّه من الصحيح أنّ شخصيتنا ورغباتنا بالاقتران مع مجموعة من الظروف تستلزم سببيًا بعض الإجراءات المعينة، فليس صحيحًا أنّه إذا كان لهذا الشخص شخصية بديلة ومجموعة من الرغبات، فإنّ نفس السبب سوف يستلزم نفس الإجراء.

لو كان هذا الشخص لديه رغبات مختلفة أو شخصية مختلفة لكان قد تصرف بشكل مختلف، ويقر ميل بأنّ هذا لن يكون من العزاء إذا كانت شخصيتنا ورغباتنا خارجة عن سيطرة الفرد للتأثير، ولكنه يشير إلى أنّه يمكننا التأثير على شخصيتنا ورغباتنا، وأنّه يمكننا أن نضع أنفسنا في ظروف تغير شخصيتنا ويمكننا ممارسة عادات أفضل، فإذا تم الفحص عن كثب سنجد أنّ هذا الشعور بقدرتنا على تعديل شخصيتنا إذا أردنا، هو في حد ذاته الشعور بالحرية الأخلاقية التي ندركها.


شارك المقالة: