مقدمة في علم النفس المقارن

اقرأ في هذا المقال


من السمات المميزة لعلم النفس الحديث استخدام الطريقة المقارنة، طالما أن عالم النفس يقصر نفسه على الدراسة الاستبطانية لعمل وعيه الخاص، فإن استنتاجاته تستند إلى أساس معين، يجب أن تكون مقيدة بالقيود الحتمية لفردته، عندما يقارن نتائجه الخاصة بنتائج مراقبي الاستبطان الآخرين ويربطها بها، يصبح حتى الآن عالم نفس مقارن، كذلك بتوسيع أساسه يجعل استنتاجاته أكثر شمولية، يتم الوصول إلى مرحلة أخرى من الطريقة المقارنة عندما يسعى إلى ربط نتائج علم النفس الاستبطاني بالاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة الفسيولوجية لتلك العمليات العصبية المصاحبة للحالات النفسية.

علم النفس المقارن:

ترتبط اضطرابات التكوين بتاريخ الأنماط السلوكية وتطورها، كما ترتبط عوامل التحكم بالعوامل المباشرة داخل وخارج الحيوانات التي تؤثر على السلوك، من الممكن أن تكون عواقب السلوك على الحيوان نفسه أو الحيوانات الأخرى أو البيئة، لكنها ترتبط بصورة خاصة بالنجاح الإنجابي للحيوان الذي يعرض النمط السلوكي، هذا النجاح التناسلي أو اللياقة البيولوجية يتغذى ليؤثر على تطور السلوك والأنواع.
يمكن تعريف علم النفس بأنه أحد أنواع العلوم التي تدرس سلوك البشر، حيث من الواضح أنّ فكرة الحيوانات كموضوع له علاقة بالدراسة النفسية تتناقض، مع ذلك فقد كانت الأبحاث الخاصة بالحيوانات أحد مجالات علم النفس منذ أن تمايزت كفرع متميز من البحث وساهمت كثيراً في هذا المجال خلال تلك الفترة، خلق مصطلح علم النفس المقارن صعوبة كبيرة، خلال الكثير من تاريخ المجال تم استخدامه للإشارة إلى جميع الأبحاث التي أجريت على الحيوانات غير البشرية.
من الأفضل استخدام المصطلح، فقط للإشارة إلى جزء من هذا التخصص الفرعي، إن أبحاث الحيوانات التي تهدف إلى فهم عملية التعلم بدقة والتي تهدف إلى الآليات الفسيولوجية هي مساع مهمة ولكن من الأفضل التعامل معها على أنها مختلفة عن علم النفس المقارن الحقيقي، يمكن استخدام مصطلح علم نفس الحيوان كمظلة لجميع الثلاثة؛ مصطلح المقارنة مضلل إلى حد ما في وصف المجال، اقترح بعض المؤلفين أنه من أجل التوصيف إلى المقارنة، يجب أن يستلزم البحث مقارنات علنية بين أنواع الحيوانات المختلفة، تم رفض هذا المنظور بشكل عام، ما هو مهم للبحث في علم النفس المقارن هو الإطار البيولوجي الواسع الذي يوضع فيه البحث.
من الممكن أن نرى الفكر الذي يتعلّق بالعلاقة بين البشر والأنواع غير البشرية في وقت مبكر من تاريخ علم النفس المقارن الفكري، كتب أرسطو عن (Scala naturae)؛ حيث كان يعتقد أنه يمكن أن يضع الأنواع على طول سلسلة متصلة واحدة من الأدنى إلى الأعلى، فهي وجهة نظر تم رفضها في الوقت الحالي، من بين العديد من الفلاسفة البارزين الذين تناولوا هذه القضايا كان رينيه ديكارت، الذي اعتقد أن هناك انقسام أساسي بين الروح البشرية وآليات الانعكاس التي تحكم سلوك الحيوان.

مقدمة في علم النفس المقارن:

لا يمكن لأحد أن يدرس بأي اهتمام وعناية عادات وأنشطة مثل هذه الحشرات مثل النمل والنحل، دون أن يكون مقتنعً بأنها تستفيد من التجربة وأن أفعالها تحت السيطرة، صحيح أننا في الوقت الحاضر لا نعرف سوى القليل عن فسيولوجيا هذا التحكم وعلاقة مراكز التحكم بالمراكز الآلية، لكن قد يتم معالجة هذا عاجلاً أم آجلاً من خلال توسيع معرفتنا بعلم وظائف الأعضاء العصبي للحشرات.
في مقدمة لعلم النفس المقارن يؤكد علماء النفس على ضرورة توخي أكبر قدر من الحذر في التفسير النفسي لأنشطة الحشرات؛ ذلك بالنظر في الحالات النفسية التي قد نستنتج أنها مرتبطة بالنشاط الوظيفي لنصفي الكرة المخية في الفقاريات العليا، من الواضح الآن أن صحة استنتاجاتنا المتعلقة بالعمليات العقلية التي تكمن وراء تصرفات جارنا البشري، تعتمد بشكل أساسي على تشابه العقول، إنّ التشابه سيكون قريب إلى حد ما رغم أنه حتى هنا يجب أن تكون هناك اختلافات فردية طفيفة.
ينتهز كل فرصة لدراسة هذه المظاهر ليس فقط في الرجال والنساء العاديين من جميع المستويات ومن جميع الأجناس، ليس فقط في الأطفال والرضع العاديين، لكن في الحالات المرضية في المستشفيات والمصحات وفي ظل تلك الظروف غير الطبيعية التي يتم تقديمها من قبل المرضى في حالة المشي أثناء النوم أو منوم، طوال هذه التحقيقات الموضوعية بأكملها لا ينسى الطالب الحكيم والحذر أن تفسير الحقائق من الناحية النفسية يعتمد على الاستقراءات التي تم التوصل إليها من خلال الاستبطان، الحقائق ظواهر موضوعية والتفسير من حيث الخبرة الذاتية؛ فلا أحد لديه أو يمكن أن يكون لديه أي خبرة ذاتية غير تلك التي يوفرها وعيه.
يجب تفسير التحريضات التي تم التوصل إليها من خلال الدراسة الموضوعية لبعض المظاهر الفيزيائية، من حيث التحريضات التي تم الوصول إليها من خلال الدراسة الاستبطانية للعمليات العقلية، عن طريق الاستقراء وتأطير الفرضيات لتشمل الحقائق والتحقق من الفرضيات من خلال العودة المستمرة إلى محك الحقيقة، إن الاستنتاجات المتعلقة بالعمليات العقلية للكائنات بخلاف ذواتنا الفردية تستند إلى تحريض مزدوج.
أولاً يجب على عالم النفس أن يصل من خلال الاستقراء إلى قوانين العقل كما كشفت له في تجربته الواعية؛ قد تقترح الفرضيات نفسها منطقياً، وفي هذه الحالة تكون أصلية بقدر ما يتعلق الأمر بالمراقب نفسه، أو قد تكون مشتقة؛ أي مقترحة للمراقب من قبل مراقبين آخرين؛ التحقق من الفرضيات هو مرة أخرى ذاتية بحتة، هذه هي العملية الاستقرائية الوحيدة؛ حيث أنّ الحقائق التي يجب ملاحظتها هي الظواهر الخارجية والأحداث المادية في العالم الموضوعي؛ قد تكون الفرضيات مرة أخرى إما أصلية أو مشتقة
كل من التحريضات الذاتية والموضوعية ضرورية، لا يمكن حذف أي منهما دون التخلي عن المنهج العلمي، ثم في النهاية المظاهر الموضوعية، يجب تفسير السلوك والنشاط من حيث الخبرة الذاتية، كما يجب أن يشرح التحريضات التي تم التوصل إليها من خلال الطريقة الواحدة في ضوء التحريضات التي تم التوصل إليها بالطريقة الأخرى.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كان الانتقال من علم نفس الإنسان إلى علم النفس الحيواني ممكن عن أي طريقة أخرى للتفسير غير تلك التي تنطبق على الأول؛ هل يستطيع عالم النفس الحيواني الاستغناء عن هذا التدريب المنهجي في التحليل والاستقراء الاستبطاني أو الذاتي وهو أمر ضروري للغاية لطالب علم النفس البشري؟ الجواب هو غير ممكن.
حيث إنّ العديد من الأشخاص الذين يتوهمون أنه من خلال الدراسة الموضوعية للحياة الحيوانية، يمكنهم المرور عن طريق الاستقراء المباشر للاستنتاجات المتعلقة بالقدرات النفسية للحيوان، لكن هذا من خلال الجهل بأساليب علم النفس أو ربما يقول المرء بلا ظلم، من خلال الجهل بالطريقة التي يتبعونها هم أنفسهم دون وعي، في دراسة علم نفس الحيوان كفرع من البحث العلمي؛ من الضروري أن تسير المراقبة الدقيقة والمعرفة السليمة للعلاقات البيولوجية للحيوانات جنباً إلى جنب مع التقدير الشامل لأساليب ونتائج علم النفس الحديث.
الطريقة المثمرة الوحيدة هي تفسير الحقائق التي يتم ملاحظتها بعناية في ضوء المبادئ النفسية السليمة؛ ما هي بعض هذه المبادئ التي أخذناها في الاعتبار أو سنأخذها في الاعتبار في هذا العمل، هناك مبدأ أساسي واحد ومع ذلك قد يؤدي العرض الموجز له إلى إغلاق هذا المجال، على هذا المبدأ يوجد العديد من الاعتراضات ومع ذلك، لا يمكن إثارة أي منها بأي وزن حقيقي؛ أولاً هناك اعتراض عاطفي على أنه لا يكرم الحيوان في التعامل مع الرجل، من غير الكريم أن ننسب إليه دوافع أقل لأفعاله عندما تكون قد تمليها دوافع أعلى.
الاعتراض الثاني هو أنه من خلال تبني المبدأ المعني قد نغلق أعيننا عن أبسط تفسير للظاهرة، أليس من الأسهل شرح الأنشطة العليا للحيوانات كنتيجة مباشرة للعقل أو الفكر الفكري من شرحها على أنها نتائج معقدة لمجرد الذكاء أو الخبرة الحسية العملية؟ مما لا شك فيه أنه قد يبدو في كثير من الحالات أبسط، إن البساطة الواضحة للتفسير هي التي تدفع الكثير من الناس إلى تبنيها بسذاجة، لكن من المؤكد أن بساطة التفسير ليست معيار ضروري لحقيقتها.
إن تفسير نشأة العالم العضوي بأمر إبداعي مباشر أبسط بكثير من تفسير نشأته من خلال طريقة التطور غير المباشرة، تفسير الغريزة ومراحل الذكاء المبكرة على أنها تعود إلى العادة الموروثة المكتسبة بشكل فردي، هي بلا شك أبسط من التفسير الذي قد يحل محله الدكتور وايزمان، يعتبر تكوين قانون كولورادو من خلال صدع مفاجئ في قشرة الأرض على غرار تلك التي انفتحت أثناء زلازل كالابريا، أبسط من تكوينه عن طريق اهتزاز التيار خلال العصور الطويلة في ظل ظروف جوية مختلفة.

المصدر: علم النفس المقارن فى التعلق لدى الإنسان والحيوان، راجية الفردوسعلم النفس المقارن، سعاد جبر سعيدعلم النفس، محمد حسن غانم


شارك المقالة: