قصة الأمير الشره

اقرأ في هذا المقال


لا يعلم المرء قيمة الشيء إلّا عندما يفقده، يجب علينا أن نواجه أصعب الظروف لندرك قيمة الحياة، سنحكي في قصة اليوم عن أمير أمضى حياته يأكل بشراهة حتى أصبح سميناً، طلب أبوه الملك أن يعطي مكافأة لمن يساعده في حل تلك المشكلة، حتّى جاء عجوز حكيم، قام بعمل حيلة ودفع الأمير للعيش في ظروف صعبة ليشعر ما معنى الجوع، واستطاع بذلك أن يحل مشكلة الأمير الذي أصبح قوي الجسد والصحة.

قصة الأمير الشره

في أحد الأزمان كان هنالك أمير لديه بعض العادات التي تختلف عن بقية الأمراء؛ حيث كان يعشق أكل أنواع الأكل المختلفة، وكان يأكل ولا يشبع، وكان كذلك ليس له الكثير من الأصدقاء كباقي الأمراء، ولا يخرج من قصره كثيراً؛ بل كان رفيقه الوحيد في القصر هو الطاهي الذي يذهب معه إلى كل مكان.

كان الملك ليس راضياً عن حال الأمير؛ حيث كان لا ينتهي من إعطاء الأوامر للطاهي وكان الجميع يتعاطفون معه، بالإضافة إلى أن الأمير أصبح جسمه مدعاة للسخرية من شدّة الأكل والسمنة، وكان الأمير أيضاً لا يكترث للفقراء الذين يأتون للقصر ويطلبون الطعام، بل كان يفضّل أن يأكل جميع الطعام لوحده.

قام الملك باستشارة الأطباء بشأن مشكلة ابنه الأمير، وبعد عمل الفحص له أخبروه بأن ابنه يعاني من مرض الشراهة بالأكل؛ فأعلن الملك عن مكافأة قيّمة لمن يقدر أن يساعد الأمير بالتخلّص من تلك المشكلة، سمع الناس بتلك المكافأة  وبدأوا يتوافدون على القصر، وكان أوّلهم الخبّاز الذي جاء الملك بالخبز والمعجنّات التي صنعها من الشعير؛ كي يجعل الأمير يتوقّف عن أكل الخبز، ولكن تفاجأ الجميع أن الأمير أعجب بأكل الخبّاز والتهم الأكل كلّه، وطلب منه أن يخبره بطريقة صنعه للطعام.

بعد ذلك جاء اللّحام وكان معه قطعة من اللحم غير مطهوّة جيّداً؛ لعلّ الأمير يعجز عن مضغها بسهولة، ولكن الأمير أعجبه اللحم أيضاً وطلب المزيد؛ ففشل اللحام كذلك، جاء بائع الحليب وأعطى للأمير كأس من الحليب الذي كان محروقاً من شدّة غليه، ولكن الأمير شرب الكأس كلّه وطلب أن يزوّده بالحليب كل يوم.

بعد فشل بائع الحليب تقدّم من بعده الساحر، وكانت خطّة الساحر أن يقوم بحركات بهلوانية من أجل محاولة إلهاء الأمير عن الطعام، ولكن الأمير لم يتوقّف عن تناول الطعام إلّا لعدّة دقائق، وسرعان ما قام بدق الجرس كي يأتي له الطاهي بطعام آخر؛ وبذلك توقّف الساحر عن عمله لأنّه فشل في إلهاء الأمير عن الطعام.

شعر الملك باليأس ولكن بعد قليل دخل من باب القصر عجوز كبير، اقترب من الأمير وهمس في أذنه وقال له: أنا سمعت بأنّك تحب أكل الحلوى كثيراً، وأعلم أنّك لا تحب السفر ولكن بلاد الحلوى تلك في مكان بعيد من هنا خلف الجبال، اندهش الأمير ممّا سمع وقال للعجوز: وهل يوجد بتلك البلاد عجوز؟ رد عليه: نعم إنّها بلاد مليئة بأشجار والشوكولاتة وأنهار العصائر اللذيذة، ألم تسمع عنها؟ صار الأمير متحمّساً للتعرّف على تلك البلاد.

سمع الملك الهمس بين الأمير والعجوز وتملّكته الحيرة؛ فسأل العجوز عمّا يدور بينه وبين الأمير، قال له العجوز: أنا أعدك يا سيدي أن ابنك سيصبح فارساً يحمي البلاد كما تريد، اتفق العجوز مع الملك أن يصطحب ابنه الأمير إلى ما وراء الجبال لبضعة أيام، وكان الأمير لأول مرة يخرج بها من دون أي مرافقة أو حرس، ولم يحضر العجوز معه في تلك الرحلة إلّا بعض الخبز والجبن.

قام العجوز بشراء ملابس للأمير كملابس العامّة، وفي أثناء الطريق كان الأمير يتعثّر كثيراً وطلب من الرجل العجوز عربة، ولكن العجوز أخبره أن يصبر لأن الطريق مليئة بالحفر والشوارع الوعرة، وأحضر له العجوز خيل ليركبها؛ فهو يعلم بأن الأمير كان يرفض ركوب الخيل والتدرّب على الفروسية، ركب الأمير الحصان ووصلوا إلى كوخ صغير ليناموا به.

كان هذا الكوخ هو منزل العجوز، وفي اليوم التالي استيقظ الأمير وكان قد نام على حصيرة؛ فسأله العجوز عن نومه، فرد الأمير أنّه كان جيّداً ولم يبدِ أي انزعاج، وكان العجوز قد تعمّد أن يجعل الأمير يعتاد على الذهاب لأي مكان وحده، فعندما سأله الأمير عن مكان الاستحمام أخبره أن يبحث عنه ويجده، بعد ذلك دخل الأمير مكان الاستحمام الذي كان عبارة عن برميل من الخشب، وبدا الأمير وكأنّه سعيد بذلك.

بدأ الأمير يعتاد على مظاهر الحياة البسيطة في كوخ ذاك العجوز، وكان العجوز قد بدأ يعلّم الأمير على حياكة الملابس أيضاً، وعلى حلب الماعز وسقاية المزروعات، بعد مرور شهرين كان الأمير قد بدأ يتراجع عن شراهته، ويكتفي بوجبة واحدة فقط، حتّى أنّه نسي بلاد الحلوى والعسل التي كان يريد التوجّه لها.

عندما لاحظ العجوز تحسّن صحّته، قام بأخذ الأمير لزيارة إلى منازل بعض الفقراء والأيتام، وكان الأمير قد شكر العجوز أنّه علّمه على معنى كلمة (جوع) والتي كان لا يعرفها، بعد ذلك تعرّف الأمير على عدد من الأصدقاء وصار يعمل كثيراً حتّى أصبح جسمه قويّاً ومفتول العضلات.

انتهت المدّة التي منحها الملك للعجوز، وعندما أمر الملك بإحضار العجوز حضر هو والأمير، عندما رأى الملك ابنه لم يعرفه؛ فقد أصبح مفتول العضلات وقوي الجسد، شكر الملك العجوز على فعل ما عجز الكثير عن فعله، وقال العجوز للملك: أنا أريد أن أعتذر من سيدي الأمير؛ إذ وعدته أن آخذه لبلاد الحلوى ولم أفعل.

قال الأمير للعجوز: لا عليك فأنا قد نسيت أمرها، بعد مدّة من الوقت مات الملك وأصبح الأمير حاكماً للبلاد، وكان قد تعلّم الفروسية وفنون القتال، ولم ينس ذلك العجوز بل إنه بعد وفاته؛ قام ببناء بيت للفقراء والأيتام بجانب كوخه الصغير؛ وذلك تعبيراً له عن حبّه ووفائه وتقديره لمعروفه الكبير الذي صنعه معه.


شارك المقالة: