من أسوأ الصفات هو البخل، سنحكي اليوم عن قصة لرجل كان والي المدينة يحب مجالسته لإضحاكه، وعلى الرغم من تهرّب الرجل منه لشدة بخل الوالي؛ إلّا أنّه كان مصرّاً على إحضاره كل يوم، عانى هذا الرجل مع الوالي أوقاتاً صعبة، وفي مرّة فكّر أن يهرب منه، ولكنّه تفاجأ أن الوالي بانتظاره لكي يرافقه معه في رحلة بعيدة.
قصة أشعب والوالي
كان هنالك رجل يتصّف ببخله العجيب، ولكن من حسن حظّه أنّه في يوم من الأيّام أصبح والي على إحدى البلدان، وعلى الرغم من أنّه أصبح والياً إلّا إن الناس لا يحبّونه ولا يألفونه؛ حيث إنّه كان يتصّف بالبخل والبغض أيضاً، كان يحب الأنس والضحك فقد كان يرسل لرجل يسمّى أشعب معروف بطرائفه المضحكة، ويطلب منه أن يجلس معه ويؤنسه طوال الليل.
عندما كان يأتي أشعب ويجلس ليؤنس الملك يقضي الليل كاملاً، ولكن دون مقابل؛ فلشدّة بخله لم يكن يعطيه درهماً واحداً، كان أشعب يقول في نفسه: يطلب مني هذا الوالي أن أضحكه، وأنا لا أجد حتى ما أشبع بطني به، لن أذهب إليه وسأختلق الأعذار دائماً.
كان الوالي يحب أن يأتي أشعب إليه، وعندما يختلق عذراً كان يرسل جنوده ليحضروه له رغماً عنه، ويبحثون عنه لو كان في باطن الأرض، لم يكن أشعب يدري ماذا سيفعل جراء هذه المأساة التي ابتلي بها، وفي مرّة من المرّات أمر الوالي بإحضاره كالعادة.
سأله الوالي وقال له: لقد سمعت من الناس أنّك لا تحب لقائي وتبحث عن أي عذر لتجنبّه، هل هذا صحيح؟ فردّ عليه أشعب متلعثماً: هذا ليس صحيحاً ومن يكره لقاء الوالي الأكرم، فانتهز الوالي هذه الفرصة وقال له: حسناً إذا كان كلامك صحيحاً فأنا أريد منك أن ترافقني في رحلتي إلى الحج؛ فأنا نويت أن أذهب إلى الحج هذه السنة وأريد شخصاً يؤنسني في الطريق، تفاجأ أشعب وقال للوالي: ولكن أعذرني أيها الوالي فأنا لا أريد الذهاب في هذه المرة فأنا أشعر بالمرض.
شعر الوالي بالغضب من هذا الرد وقال له مهدّداً: إن لم تأتي معي هذا الموسم فسأقوم بحبسك لحين عودتي، فكّر أشعب في نفسه وقال: السجن أحب إلي من مرافقة هذا الوالي البخيل ولكنه شخص متسرّع وأنا أخاف إن رفضت أن يطوّر عقوبتي لأمر آخر؛ لذلك اضطّر أن يوافق على مرافقته وشعر أنّها ستكون أسوأ رحلة في حياته.
ذهب أشعب مع الوالي وأمضى الوالي الطريق في أسئلة متكرّرة، وكان هو يرد بإجابات قصيرة ومختصرة، وكان من بين هذه الأسئلة أنّه قال: ما رأيك يا أشعب بالناس الذين يعيشون في هذا الزمن؟ رد عليه أشعب بدهاء: إن أمرهم غريب يا مولاي؛ فهم يتحدثّون كالملوك ولكن عطائهم كالعبيد، ظلّ الوالي يسأل أسئلة ثقيلة ومزعجة، وأشعب يرد بسخرية.
استمرّت أسئلة الوالي التي كان يهدف بها السخرية والمتعة، دون مراعاة لرفيق سفره، وعندما وصلا إلى المدينة كاد أشعب أن يموت من جوعه؛ فلم يحصل على لقمة طوال الطريق، شعر بأنّه لا يستطيع الوقوف على قدميه؛ فنظر إلى الوالي وقال له: أنا جائع جدّاً يا مولاي أرجوك أرسل خادمك ليحضر لنا بعض الطعام.
نظر له الوالي وضحك وقال: أنا اليوم صائم فإمّا أن تنتظرني حتى أفطر، أو أرسل الخادم، فكّر أشعب في نفسه وقال: إن أرسل الخادم الآن فلن يحضر لي إلا الخبز والملح، علي أن أصبر لحين المغرب حتّى يفطر الوالي، ظنّ أشعب أن الوالي سيحضر طعاماً فاخراً وبدأ يتخيّل به، نظر له الوالي وسأله عما يفكّر به، فرد عليه: أنا أفضّل أن أشاركك في الطعام كي لا آكل وحدي.
ابتسم له الوالي وقال له: حسناً سأدخل الآن لكي أستريح في غرفتي، كان الطعام الفاخر ينتظر الوالي في الغرفة، وبدأ يأكل بنهم، عندما حان وقت الإفطار صار أشعب يبحث عن الوالي في كل مكان ولم يجده، وفجأةً وجد الخادم وقد أتى إليه ببعض الطعام الذي كان خبزاً جافّاً وقطعة صغيرة من الجبن.
غضب أشعب وانتظر الصباح كي يعاتب الوالي، وعندما رآه في الصباح اعتذر منه الوالي وقال له: لقد كان لي رخصة الإفطار لأنّني تعبت من السفر، وكنت أريد ان أنادي عليك لكن ظننت أنّك نائماً، سأعطيك بعض الدراهم لتشتري لحماً مشوياً، فرح أشعب كثيراً بذلك.
عندما أحضر الخادم اللحم المشوي بدأ الوالي يأكل ولم ينادي لأشعب إلّا عندما أكل اللحم كلّه ولم يبق إلّا كسرات من الخبز، فنظر له الوالي وقال: أرجوك أعذرني فلم أشعر بوجودك إلّا هذه اللحظة، لم يكن أمام أشعب إلّا أن يأكل ما تبقّى من الطعام لشدّة جوعه.
عندما خرج أشعب وجد البعض من أصدقائه، فرح وشعر أنّهم نجدة له من الله، فذهب إليهم وتوسّل لهم أن يأخذوه معهم، وعندما أخبرهم بقصّته مع الوالي البخيل، ورأوا أن وجهه أصفر ويبدو عليه التعب، أعطوه الطعام وقالوا له: يا له من رجل بخيل، كيف وقعت بين يديه؟ قال لهم: لن أدخل أي مدينة يحكمها والي منذ الآن.
عاد أشعب إلى منزله وأخبر زوجته بما حدث، وفجأةً سمع صوت طرق الباب، وعندما فتح وإذ به مرسول الوالي يقول له: لقد أرسلني الوالي وهو يقول أنّه استمتع برفقتك في الحج، وهو يريد مرافقتك في رحلته إلى بلاد الهند، كاد أشعب أن يدخل في غيبوبة ممّا سمع وقال: وهل سينتهي بي الحال إلى مرافقة الوالي إلى بلاد الواق واق!