تناولت القصة الأولى في مضمونها الحديث عن فتاة تعرضت إلى المعاملة بأسلوب وحشي من قِبل والدها الذي تسبب لها في حدوث إعاقات عقلية ونفسية، ولم تتماثل للشفاء على الرغم من تلقيها الرعاية والاهتمام، بينما القصة الثانية فقد تناولت في مضمونها حول أحد الأطفال المصابين بواحدة من أنواع المتلازمات التي جعلته وكأنه بشري يتصرف بتصرفات وسلوكيات متوحشة دون إدراك عقلي.
قصة الطفلة جيني وايلي
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن هناك طفلة تدعى جيني وقد عاشت تلك الفتاة في وحدة وعزلة بسبب والدها ويدعى السيد وايلي، حيث أنه كانت جيني من مواليد عام 1957م في إحدى المناطق القريبة من مدينة لوس أنجلوس، وعلى مدار ثلاثة عشر عامًا أبقى عليها والدها في بعض الأحيان إحدى الغرف والتي تبدو وكأنها زنزانة سجن، وفي أحيان أخرى كان والدها يأخذها ويقيدها في أحد الحمامات المهجورة والضيقة.
وفي أحيان أخرى كان يقوم بوضعها في قفص صنعه بنفسه على قدر حجمها بالتمام، بحيث لا يمكنها الحركة على الاطلاق، وبعد أن يقوم بحبسها في أحد الأماكن من تلك المذكورة يقوم بضربها بلوح مصنوع من الخشب في بعض الأوقات، وحينما يتعب من ضربها يقوم بالنباح عليها وكأنه كلب مسعور وشرس للغاية.
وفوق كل ذلك كان يمنعها من التواصل مع أي شخص أبداً، ولكن بطريقة سرية كانت جيني تسرق منه لحظات تتواصل بها مع أفراد عائلتها، وقد مضى على حبس الفتاة تلك الفترة الطويلة إلى أن جاء ذلك اليوم الذي هربت به مع والدتها وتدعى السيدة إيرين من المنزل، وقد كان ذلك في السبعينات من القرن التاسع عشر، وفي تلك الفترة كان ما يعيق حركاتهما وتنقلهما هو أن والدة الفتاة مصابة بالعمى، ففي الكثير من الأحيان كانت تشير إلى أن العمى هو ما منعها من مساعدة ابنتها وإنقاذها من ظلم والدها، وعلاوة على ذلك كله كانت الفتاة ليس لديها أي فكرة عن العالم الخارجي.
وبعد مرور فترة وجيزة من فرارها من المنزل كانت تبحث والدة جيني عن أحد المكاتب التي تُعنى بمساعدة المكفوفين، ولكنها تشابه عليها الأمر ودخلت عن طريق الخطأ إلى واحد من المكاتب التي تُعنى بالخدمات الاجتماعية في لوس أنجلوس، وحينما ألقى عمال الرعاية الاجتماعية نظرة واحدة على الفتاة عرفوا على الفور أنها بحاجة إلى مساعدة من مكتبهم، في بداية الأمر اعتقدوا أنها قد تكون مصابة بأحد أنواع الأمراض وهو ما يعرف بمرض التوحد، ولكن بعد الحديث مع والدتها علموا حقيقة الحياة التي عاشتها الطفلة وما تعرضت له من أذى أوصل بها إلى تلك الحالة.
وحينما بدأت الشرطة التحقق من سوء معاملة الطفلة، توجهت أصابع الاتهام لكل من والدها ووالدتها، ولكن والدتها أقنعتهم أنها ضحية مثل ابنتها، بينما والدها فقد انتحر قبل أن تتم محاكمته وترك ورقة مكتوب عليها لن يفهم العالم أبدًا، وعلى مدار أربع سنوات خضعت الفتاة المسكينة للعديد من التجارب تحت إشراف علماء المعهد الوطني للصحة العقلية، وخلال تلك الفترة تعلمت الفتاة الكلام.
وبخصوص حالتها أوضح الباحثون أنها تدحض النظرية القائلة إن الإنسان يمكن أن يتعلم اللغة فقط قبل سن البلوغ، وفي الكثير من الأحيان كان يتم التنديد بما حدث مع الفتاة المسكينة وأنها تصرفات غير أخلاقية، ولكن ما قامت به والدتها حيال ذلك هو أنها رفعت دعوى قضائية ضد المستشفى والباحثين الذين درسوا حالتها وقامت باتهامهم أنهم يقومون باستغلال حالة ابنتها وجنى الأرباح من وراءها.
ومن المؤسف في نهاية تلك القصة أنه تلك الفتاة لم تحصل على حياة طبيعية على الإطلاق، حيث أنه تم وضعها في العديد من دور الرعاية، ولكنها كانت تتعرض للإساءة يداخلها، كما أنها لم تتعافى أبدًا من الإساءة التي تعرضت لها ولم تصبح في يوم من الأيام إنسانة طبيعية، حتى بعد أن عادت لمنزولها واختلطت بعائلتها.
قصة الطفل بيتر
القصة الثانية تتحدث عن طفل يدعى بيتر، إذ أن بيتر كانت أصوله من دولة ألمانيا وهو من الأطفال الذين ولدوا وهم يتميزون بتصرفاتهم وسلوكياتهم الوحشية، وقد تم العثور عليه للمرة الأولى في المناطق البرية الألمانية في الربع الأول من القرن السابع عشر، وكان عمره في ذلك الوقت إحدى عشر عاماً تقريبًا، وتم الاعتقاد أن والديه قد تخلا عنه لأنهما لا يقويان على تربيته، وبعد أن تم العثور عليه لم يتمكن أحد من التعرف عليه أو على اسمه، إذ كان لا يمكنه التحدث ويكره ارتداء الملابس، وحسب اعتقادات من عثروا عليه أن الذئاب قد ربته.
وفي العام التالي من لحظة العثور عليه تم نقله إلى مدينة لندن، حيث أنه أصبح في ذلك الوقت الحيوان الأليف البشري لأحد الملوك الإنجليز وهو الملك جورج الأول، وقد كان الطفل بيتر مثالًا مبهرًا للمجتمع الإنجليزي الراقي الذي كان يتساءل ما يعنيه للإنسان أن يكون بشر.
وبعد أن حظي بيتر بانبهار المجتمع الإنجليزي به، أحدث ذلك الأمر سأم لدى الكثيرون في القصر من تصرفاته الغريبة والسيئة بالنسبة إليهم، وخاصة في آداب المائدة، إذ كان يصر على النوم على الأرض، وفي النهاية دفع القصر تكلفة إقامة بيتر في أحد المزارع والتي تقع في مدينة هيرتفوردشاير، وهناك أمضى بقية حياته محاطاً بالمزارعين، كما أجبر على ارتداء طوق حول عنقه.
وبعد مرور عدة سنوات توفي بيتر وتم دفنه في واحدة من المقابر التي تعرف باسم مقبرة سانت ماري التابعة إلى مدينة نورثتشيرتش، ولكن لم تندفن قصته معه، إذ أنه بعد فترة وجيزة قاموا مجموعة من العلماء والخبراء من استخدام صوره ومحاولة إجراء الأبحاث حولها، وقد توصلوا إلى أنه في الحقيقة كان يعاني من متلازمة بيت هوبكنز، وهي إحدى المتلازمات التي تحدث بسبب عامل وراثي نادر تسبب إحداث تغيير سمات الوجه بالإضافة إلى حدوث إعاقة ذهنية، وللأسف تبين أن ذلك السبب الذي جعل والداه يتخليان عنه.
العبرة من القصة هي أن الطفل الوحشي هو ما يكون الطفل الذي عاش في عزلة ووحدة بعيداً عن الاتصال بالبشر منذ فترة مبكرة من عمره، وفي أغلب الأوقات يكافح الطفل الوحشي من أجل أن يتمكن من تعلم اللغة والسلوك البشري بمجرد الاتصال بالناس مرة أخرى، ومن جهة أخرى بعض الأطفال الضالين كانوا قادرين على إحراز تقدم عند عودتهم لحياة البشر، إلا أن البعض الآخر فشل في ذلك.
وفي الواقع إن ظاهرة الأطفال الضالين هي ظاهرة نادرة بشكل استثنائي، إذ لم يكن هناك سوى حوالي مئة حالة معروفة حدثت على مر التاريخ البشري كله، وتظهر من خلال مجموعة من القصص مدى مرونة البشر في التعامل مع مثل تلك الحالات، بينما يتم الكشف في قصص أخرى حول مدى أهمية الاتصال مع البشر في سنوات التكوين الأولى للإنسان.