من أكثر الصفات التي تدفع الشخص لأن يستهلك وقته وعمره هي الثرثرة الزائدة؛ فكثرة الانشغال بالكلام تبعد الشخص عن التركيز عن أهدافه وعمله، هذا ما حدث مع أهل المدينة اللذين كانوا يحبّون الثرثرة، وبسبب ذلك تم مهاجمتهم من قبل الجراد لأكثر من مرّة؛ ممّا جعلهم يخسرون جميع محاصيلهم.
قصة أهل المدينة والجراد
في إحدى المدن الكبيرة جدّاً والمليئة بالحقول والبساتين المليئة بالأزهار والأشجار الخضراء يسكن شعب يتصف بالثرثرة، كانت هذه الحقول لوسعها بحاجة كبيرة للعمل من أهل هذه المدينة، ولكن كان أهل هذه المدينة يقضون أغلب أوقاتهم في الكلام أو الحديث الذي ليس له أي فائدة أو أهميّة، وبالتالي كانوا يضيّعون أوقاتهم ويلتهون بحديثهم عن العمل بالحقول ويهملونها لأوقات طويلة.
كان أهل هذه المدينة يتكلّمون كثيراً ويعملون قليلاً، وفي يوم من الأيام جاء لهذه المدينة رجل يقيم في إحدى الجبال وكان لديه علم بشيء سيء سيحدث في المدينة قريباً؛ فجاء وجلس مع أهل المدينة وأخبرهم بأن هنالك جراد بعدد كبير سوف ينتشر في الحقول قريباً، وأن عليهم أن يقوموا باتخاذ الاحتياطات اللازمة، ولكن أهل المدينة اللذين يحبّون الكلام كثيراً كانوا قد بدأوا يتحدّثون عن هذا الرجل وعن صفاته وأنّه يتصّف بالكرم والشهامة والشجاعة، ولم يتخذ أي منهم إجراء أو احتياط جراء الكارثة القادمة لحقولهم.
قرّر هذا الرجل أن يأتي لزيارة أهل المدينة وأن يقوم بتحذيرهم باتخاذ أي إجراء لمواجهة سرب الجراد القادم، وأخبرهم عن خطورة خسارة حقولهم ومحاصيلهم التي يعملون بها، ولكنّهم في هذه المرّة بدلاً من أن يقوموا باتخاذ الاحتياطات بدأوا بتأليف الشعر بذم الجراد، بالإضافة للقصائد الطويلة التي تتحدّث عن صفات الجراد وأضراره.
بالإضافة إلى أن الملحّنين والمطربين بدأوا بتأليف الأغاني عن الجراد، وكانت أغلب هذه الأغاني تحكي عن هزيمة الجراد لكثير من الأمم السابقة، وصار الحكماء يتحدّثون عن قدرة الجراد وسيطرته على الحقول، وكذلك صار الخياطون في المدينة يقومون بحياكة الملابس الخاصّة لمحاربة الجراد القادم.
ولكن لم يخطر ببال أي أحد منهم أن يقوم بعمل أي إجراء احترازي، وكان أهل المدينة يجهلون الخطورة الكبيرة التي ستحدث إن دخل الجراد مدينتهم، بل إنّهم بدلاً من ذلك صار يخطّون العبارات التي تنتقد الجراد وتسبّه وتستهزئ به، علم هذا الرجل الذي يسكن بالجبل بما فعل أهل هذه المدينة وشعر بالغضب الشديد لجهلهم وإهمالهم الشديد وقرّر أن لا يعود ويتحدّث معهم بهذا الشأن وأن يتركهم لمواجهة هذا الأمر دون أي تدخّل.
وفي يوم من الأيام جاء رجل حكيم لأهل هذه المدينة وقال لهم: يجب علينا أن نعلم ما هو سبب قدوم الجراد لمدينتا هل هو عقاب من الله، أم أنّه قادم مع الريح؟ وصار منذ ذلك الوقت أهل المدينة يتحدّثون بهذا الشأن ومنهم من يقول أنّه مجرّد سرب قادم مع الريح، ومنهم من كان يقول بأنّه عقاب من الله بسبب أفعال البعض منهم.
ظلّ أهل المدينة منشغلين بالحديث والكلام حتّى أتاهم هذا الجراد فجأةً من حيث لا يعلمون، وصار الجراد يأكل الأخضر واليابس ولم يتركوا نبتة صغيرة، وعندما انتهى الجراد وغادر المدينة جلس أهلها يتحدّثون عن الذي جرى لهم بسبب هذا الجراد، وكانوا لغاية تلك اللحظة ينشغلون بكلامهم عن الاهتمام بأمر الحقول والجراد.
اضطرّ أهل المدينة للعمل بجد للتعويض عن الأشجار والنباتات والمحاصيل التي خسروها بسبب هذا الجراد، ولكنّهم لم يتوقّفوا عن حبّهم للكلام والحديث، وعندما جاءت السنة التالية وكان موعد قدوم الجراد قد حان، قرّر الجراد أن يقوم بزيارة أهل هذه المدينة مرّةً أخرى؛ وهذا بسبب أنّهم منشغلون بالحديث وهو كان يأكل المحاصيل بكل سهولة.
في ذلك الوقت قرّر أهل المدينة معالجة هذا الأمر، وعندما قاموا باستشارة الرجل الذي يسكن بالجبل وسألوه عن سبب هجوم الجراد المتواصل عليهم، أخبرهم أن السبب هو انشغالهم بالحديث غير المفيد عن العمل المفيد، ومنذ ذلك الوقت صار أهل المدينة يقلّلون من كلامهم، ولا يتحدّثون إلّا بالشيء المفيد، وبدأوا يركّزون بالعمل الجاد.
في ذلك الوقت تم إعادة إعمار المدينة، وبسبب الإجراءات السليمة والجادّة التي قاموا بها لمواجهة هجوم الجراد؛ فقد توقّف الجراد عن مهاجمتهم وقرّر أن يغيّر وجهته لمكان آخر.