يتصف بعض الأشخاص بفظاظة اللسان وسوء التعامل مع الآخرين، سنحكي في قصة اليوم عن أم لديها ابن يتصف بتلك الصفات السيّئة، ولكنها كانت أم حكيمة؛ فقرّرت أن تقوم بشيء كي تستطيع ترويض ابنها على تغيير طباعه السيّئة، واستطاعت بحكمتها أن تفعل ذلك.
قصة الأم الحكيمة
كان هنالك إحدى العائلات والتي تتكوّن من الأب والأم واثنان من الأولاد وهم أحمد ورياض، واحد من هؤلاء الأولاد وهو أحمد كان تعامله لطيفاً مع الجميع، وكان شديد الود ولا يخرج من لسانه ولا ينطق إلّا بالكلام الطيب والجميل، لذلك كان الجميع يحبّه ويحب التعامل معه بشكل كبير، وكان لديه الكثير من الأصدقاء الذين يحبّونه ويحبّون مرافقته في كل مكان.
أمّا رياض فكان على العكس من أخيه؛ فقد كان لديه طبع الفظاظة، وكان ينطق دائماً بالكلام السيء ويتعمّد إيذاء الناس من حوله؛ ولهذا السبب كان الجميع لا يحبونه ويبتعدون عنه دائماً، ولا يوجد لديه أي أصدقاء، ولا أحد يحب أن يرافقه أبداً، كانت والدة رياض تشعر بالضيق جدّاً لأفعاله السيئة، وكانت تعلم أنّه ليس بالأمر السهل أن تروّض طباعه السيئة.
فكّرت والدة رياض وأحمد كثيراً ماذا ستفعل كي تعتمد على أبنائها؛ فخطر في ذهنها حيلة ما، وجاءت في يوم من الأيام وقالت لأولادها: يا أولادي أنا سأضطر لأن أتغيّب عن المنزل لبضعة أيام، فهنالك بعض الحاجات التي أريد قضائها خارجاً، وأريد منكم البقاء في المنزل لحين عودتي، وأرجو منكم الاعتناء بأنفسكم جيّداً والاعتناء بالمنزل أيضاً، نظر أحمد لوالدته وقال لها بوجه بشوش: لا تقلقي يا أمّي يمكنك الاعتماد علينا، ويمكنك الذهاب إلى حيث تشائين وأنتِ مطمئنّة تماماً.
أمّا رياض فنظر لوالدته ولم يقل لها أي كلمة، نظرت والدته لهما وقالت: أريد منكما الاعتناء بحظيرة المنزل جيّداً وأن لا تهملوها قدر الإمكان، خاصّةً الحيوانات الموجودة في الحظيرة أرجو منكم أن تطعموها وتسقوها الماء وأن تعتنوا بها جيّداً، جلس أحمد مع رياض وقال له: ما رأيك أن نتفّق كي نعتني بالمنزل وتقسيم المهام لحين عودة أمّنا من الخارج؟
اتفق أحمد ورياض على تقسيم المهام فيما بينهما، فقال أحمد لرياض: أنت يجب عليك أن تقوم بسقاية الأبقار والاعتناء بها، بالإضافة لحلبها كل يوم، أمّا أحمد فعليه أن يقوم بحمل وعاء الحليب والنزول إلى السوق وبيعه، بالإضافة لجلب كل احتياجات المنزل من الخارج، وهذا الاتفاق تم بينهما من أجل تنفيذ وعدهما لأمهّما بالاعتناء بالمنزل والحظيرة حتّى تعود.
وفي صبيحة اليوم الذي خرجت أمّهما من المنزل بدأ رياض بحلب الأبقار وسقاية كل الحيوانات، ثم قام أحمد بأخذ أوعية الحليب ونزل بها إلى السوق لبيعها، وكان أحمد يفعل ذلك كل يوم، وبسبب لطفه مع الناس وبشاشة وجهه وتبسطّه مع النّاس، كان أحمد يبيع الحليب بوقت قياسي، ويعود كل يوم إلى المنزل وهو يحمل كل احتياجاته بالإضافة لحصوله على النقود أيضاً.
وفي يوم من الأيام كان أحمد يشعر بالتعب؛ فطلب من أخيه رياض أن يذهب هو إلى السوق ليبيع الحليب بدلاً منه، وأن يقوم هو بالاعتناء بالحيوانات والحظيرة، وافق رياض على ذلك وأخذ الحليب ونزل به إلى السوق، ولكنّه تفاجأ بأنّه مكث في السوق لوقت طويل دون أن يستطيع بيع الحليب الذي كان معه؛ وذلك بسبب أنّه كان يختلف عن أخيه أحمد ولم يكن بشوش الوجه أو حسن التعامل مع الآخرين، فلا أحد كان يقبل أن يشتري منه الحليب.
عندما عاد رياض إلى المنزل وهو يشعر بخيبة أمل كبيرة، سأله أخيه أحمد: ما بك يا رياض، لماذا لم تستطع بيع الحليب؟ قال له رياض وهو يشعر بحزن كبير: لقد مكثت في السوق لوقت طويل ولكن لم يقبل أي أحد شراء الحليب منّي، بل كان الجميع يبتعد عني وأنا لا أعرف لماذا؟ قال له أحمد: لا تقلق يا أخي؛ فأنت كان يجب عليك أن تكون بشوش الوجه، وتتعامل بلطف مع الآخرين كي تحصل على ما تريد.
شعر رياض بتأثّر كبير ممّا سمعه من أخيه، وشعر في ذلك الوقت ما هو الفرق بين التعامل اللطيف والسيء، فقرّر أن يصبح ودوداً مع الجميع، وعندما عادت والدته إلى المنزل ووجدت بأن ابنها رياض قد أصبح شخصاً لطيفاً وتوقّف عن الكلام السيء فرحت به كثيراً، وأدركت أن الحكمة التي غابت عن المنزل لأجلها قد تحقّقت.