الأم هي كلمة عظيمة ولها الكثير من المعاني العميقة، سنحكي في قصة اليوم عن صاحب محل مخابز يحكي قصة كفاح والدته التي عملت وتعبت بعد وفاة والده، واستطاعت بفضل كفاحها أن تعتني بأولادها وأصبحت من أشهر التجّار في السوق.
قصة الأم المكافحة
سامي رجل صاحب مخبز له عدّة فروع في أكثر من منطقة، وكان له صديق اسمه مالك، وفي يوم من الأيام دار بينهما حوار كان سامي يتحدّث فيه عن أمّه وعن تعبها معه؛ فبدأ يحكي قصة كفاح أمّه معه بعد وفاة والده، وأنّه لولا والدته لما كان وصل إلى ما هو عليه الآن، وبينما هو يتحدّث إذ امتلأت عينيه بالدموع لشدّة تأثّره بالحديث.
بدأ سامي يحكي عن والده الذي كان يعمل في الفلاحة، فكان والده مزارع بسيط لا يملك إلّا قوت يومه، تعب وأصابه المرض حتّى توفي، وكانت والدته فلاحة بسيطة وغير متعلّمة، ولديها ثلاثة أطفال ومنهم سامي الذي كان يبلغ من العمر عشر سنوات، وفي أيام العزاء كان الناس يقولون لأمّي: كيف ستطعمين هؤلاء الأطفال بعد وفاة زوجك؟ ولكن في هذه اللحظة لمحت في عيون والدتي نظرة لم أنساها لغاية الآن.
يقول سامي: بعد انتهاء أيّام العزاء ذهبت أنا إخواني لنخلد للنوم، وفي ذلك الوقت كنت مستيقظاً وكنت أنظر لوالدتي التي لا زالت مستيقظة، كانت والدتي تصلّي وتدعو، سمعتها وهي تقول: يا الله كن معي فأنا لا ملجأ ولا معين لي سواك، كيف سأطعم أطفالي؟ وكانت والدتي تأخذ الطعام في أيّام العزاء من بعض الناس، ولكن بعد انتهاء العزاء ذهب كل منهم إلى بيته، ولم يكن لدينا في المنزل أي طعام سوى القليل من الطحين والأرز.
كان سامي يظنّ بأنّ والدته من الممكن أن تعود وتطلب من الآخرين بعض المساعدات من أجل الطعام، ولكنّه تفاجئ باليوم التالي أن والدته بدأت بخبز الخبر له ولإخوته، حتى أنّها عملت كميات كبيرة من الخبز من الطحين المتواجد، وذهبت لبيعه في السوق، وعادت لتشتري بثمنه طحيناً آخر لصنع الخبز وبيعه في السوق.
استيقظت الأم في اليوم التالي مبكّراً وبدأت بصنع الخبز لبيعه في السوق، جاء سامي لأمّه وأخبرها بأنّه لا يريد أن يذهب إلى المدرسة؛ وهذا لأنّه يريد مساعدة والدته للذهاب وبيع الخبز في السوق، ولا يتركها تذهب هي لبيعه، ولكن الأم قالت له: يا بني يجب عليك أن تذهب إلى المدرسة، واتركني أنا أقوم ببيع الخبز، لا يجوز أن يراك أحد وأنت تبيع الخبز؛ فهذا الأمر لا يليق بك، ولكن سامي كان مصرّاً على عدم الاكتراث لكلام الناس، وأن لا يترك والدته تذهب وحدها لبيع الخبز.
ظلّ الجدال قائماً بين الأم وابنها، وفي نهاية الأمر اتفق سامي مع أمّه أن يذهب إلى المدرسة، ولكن بشرط أن تنتظره عند عودته ليذهب هو ويبيع الخبز، فوافقت الأم على ذلك، وصار سامي يذهب إلى المدرسة كل يوم ويعود ويساعد والدته بالذهاب إلى السوق لبيع الخبز، وكان الناس عندما يشاهدون طفل يبيع الخبز يقبلون عليه للشرّاء منه.
كان سامي يذهب كل يوم لبيع الخبز في السوق في مكان مختلف، ومع الوقت صار الناس يتهافتون عليه من كل مكان، وصار هنالك إقبال على طلب الفطائر المتنوّعة، وكان سامي يعود ويخبر والدته بهذه الطلبات، وكانت هي تقوم بصنع الفطائر وتعطيها لابنها ليبيعها في السوق، ويعود ويعطي لوالدته المال.
والدة سامي كانت تحسن التدبير؛ فتأخذ جزء من النقود لأولادها، وتحتفظ بالجزء الباقي وتقوم بتوفيره، وبعد مدّة قامت بتجميع بعض النقود، وفكرت باستغلال فرصة سكنها بالريف، بدأت بشراء الألبان والاجبان بكثرة، وبدأت ببيعها في القرية، أعجب أهل القرية بهذا الأمر، وصاروا يقومون بشراء الكثير من الأجبان والألبان.
مع مرور الوقت استطاعت هذه الأم المكافحة أن تجمّع النقود، وصارت تبيع الأجبان والألبان والخبز في أماكن كثيرة، حتّى بنت لها ولنا تجارة كبيرة، ولكن لم يكن هنالك محل تبيع به، ولهذا السبب قرّر سامي أن يلتحق بالمعهد الفنّي، ويقوم بتوفير مصاريف الدراسة لإخوته، واستطاع سامي ووالدته أن يستأجروا محل كبير لبيع الخبز والمعجنّات، ومع مرور الوقت امتدّت هذه التجارة وصار لهذا المحل فروع أخرى، وكل ذلك كان بفضل والدة سامي التي تحمّلت التعب وآثرته على حاجة الناس.