يعيش الأطفال وسط كثير من الجماد، ولكل نوع من هذا الجماد حكاية نتعلّم منها الكثير، سنحكي في قصة اليوم عن حائط يروي قصّته مع الزمن التي تشبه في أحداثه التغيّرات التي تحدث بحياة الإنسان، فمرّةً يحدث له ما يسعده ومرّةً ما يحزنه، ولكن يبقى بداخل الإنسان ما يشعره أنه سيتخطّى كل هذه الأحزان يوماً ما.
قصة الحائط
يروي الحائط قصّته ويقول: قبل أن أصبح حائطاً كنت أتكوّن من التراب الذي يشرب المطر، وكنت أخرج البذور التي كانت داخل فمي في فصل الربيع؛ حتّى تكبر وتتحوّل إلى نباتات وزهور صغيرة، فقد كنت آكل طعاماً مختلفاً عن طعام البشر؛ حيث أنبت من خلال طعامي هذا النباتات الخضراء المبهجة، والزهور ذات الألوان الزاهية.
أكمل الحائط قائلاً: ولكن في يوم من الأيام حدث لي شيء سيء؛ فقد جاءت أم أحمد وقامت بهدمي حتى عدّت كوماً من التراب، ووضعتني داخل أكياس، وبعد ذلك أحضرت القش والماء وعجنتني معهم من أجل بناء حائط آخر يفصل بينها وبين جيرانها.
بعد مرور الوقت شعرت بأنّني أكثر قوّة وصلابة، شعرت بالحزن لذلك فلم أعد أنبت الزهور والنباتات، ولكن عندما قامت أم أحمد بدهني باللون الأبيض شعرت أنّني سعيد وقتها؛ فقد ظهرت كشكل الحمامة البيضاء، وأصبح الديك يصعد ويقفز فوقي بمرح وسعادة، وتستيقظ على صياحه الدجاجات ليصلوا عند أسفل قدمي، بحثاً عن حبوب من الطعام.
وبعد الظهيرة يجتمع الأولاد عندي، ويقومون بعمل حواجز خشبية ويبدأون بالقفز فوقي كالمهر السريع، وعندما يلعبون الغميضّة يختبئ أحدهم ورائي وكأنّه أرنب صغير، وأحتضنه أنا كالأم الحنونة، وبعضهم يقوم بالرسم على ظهري باستخدام الفحم، ويقومون بعمل أشكال جميلة، وبعد ذلك تعود أم أحمد بدهني بالأبيض مرّةً أخرى.
لوني الأبيض يجعل جميع الأطفال يتشجعّون للرسم على ظهري، وبعد الظهيرة تضع أم أحمد سجادتها الملوّنة فوقي وتنام قيلولتها، ولكن بعد مدّة من الوقت عادت البذور لتنمو من داخل، وذات مرّة نبت من داخلي زهر لونه بنفسجي، جاءت إحدى الفتيات ورسمت تحته مزهرية فأصبحت جميل المنظر.
كان جميع أهل الحي يأتون لمشاهدة هذه المزهرية، ولكنّني مع مرور الوقت ازدادت التشققات بداخلي حتّى أصبحت لا أحتمل أن يقفز ديك صغير فوقي، وبينما كانت أم أحمد تجلس مع ابنها إذ سمعت ابنها يقول: يا أمّي هذا الحائط أصبح ضعيفاً يجب علينا هدمه، وردّت عليه أمه: ولكن يا بني كيف سنبقى دون حائط! فرد ابنها أحمد: كلّا يا أمي فأنا أريد أن أبني حاجزاً من الحجارة المصقولة.
في اليوم التالي جاء أحمد حاملاً معه آلة حديديّة كبيرة الحجم؛ فشعرت بالخوف الشديد إلّا أن أم أحمد طمأنتني عندما قالت لابنها: أنا أريد أن يبقى هذا الحائط، هيا اذهب وأدخل هذه الآلة، فقال لها: ولكنّه على وشك الانهيار يا أمي، فردّت عليه الأم: كلّا سأقوم بترميمه بنفسي، أمّا أنت فقم ببناء منزل وحائط أمامه لنفسك، أمّا أنا فيعجبني هذا الحائط، وقامت بمسح يديها الحنونتين علي.
