الشخص الذي يمتلك قلباً طيّباً ويقوم بأعمال الخير ينال بذلك أكثر ممّا يتمنّى، هذا ما حدث مع أحمد الولد الطيب، والذي طبّق وصيّة والده وهي أن يستمرّ بفعل الخير مع الجميع، ونال بطيبه وحسن خلقه أكثر ممّا يتمنّى؛ حيث تزوّج من أجمل الأميرات وعاش بسعادة بفضل الرفيق المجهول الذي سار معه في سفره.
قصة الرفيق المجهول
بينما كان أحمد يجلس مع أبيه المريض؛ إذ شعر الأب فجأةً بأنّ المرض قد اشتدّ عليه؛ فقال لابنه: يا بني انا أشعر بأنّ أجلي قد اقترب، وأنا يا بني سأموت وبداخلي كل الرضا تجاهك، أنت ولد طيب القلب، استمرّ بفعل الخير دائماً ولا تتوقّف، وما أن أكمل الأب حديثه حتى استوفى أجله ومات.
عاش أحمد يتيم الأب ولم يكمل الست سنوات، ولشدّة حزنه على والده ظلّ يبكي على والده حتّى غلبه النوم، وشاهد حلماً غريباً وهو أن الشمس تضحك والقمر يبتسم له وينحني، ورأى فتاة فائقة الجمال تقترب منه كثيراً، ورأى أن والده يقول له: يا بني تلك الفتاة هي زوجتك في المستقبل، ولكن أحمد عندما استيقظ لم يجد أي شيء ممّا رآه في حلمه.
استيقظ أحمد على واقعه المحزن، وبعد دفن والده ظلّ وحيداً في الحياة، وقرّر أن يغادر المدينة التي يسكن بها، وأعطى وعداً لنفسه أن يظلّ طيب القلب وولد صاحب اخلاق طيبة كما ربّاه والده، وبينما هو يسير بحثاً عن مكان آخر يأويه إذ وجد كومة من القش، جلس عليها أحمد وصار يتأمّل مناظر الطبيعة من حوله، وفجأةً أخذه النوم وهو يتأمّل الشمس الساطعة وجدول الماء الصافي والطيور المغرّدة.
استيقظ أحمد في اليوم التالي وأكمل سيره؛ فوجد في طريقه رجلان يخرج الشر من أعينهما، وكانا يفعلان شيء غريب، إذ كانا يقومان بنبش أحد القبور، اقترب منهما أحمد وقال لهما: ماذا تفعلان، هل تقلقان راحة الميت؟ غضب الرجلان منه وقال له أحدهما: وما شأنك أنت؟ قال لهما أحمد: هذا الفعل سيء للغاية، قال له أحد الرجال: نحن نريد معاقبة هذا الرجل؛ فقد مات قبل أن يسدّ دينه، وهو مدين لنا بألف درهم ومات ولم يسدّ دينه.
ولكن أحمد استنكر عليهما هذا الفعل المشين، وقال لهما: ولكن هذا الدين يحاسبه عليه الله وليس أنت، أرجوكما أتركا هذا الميت، وسوف أعطيكما كل ما أملك من نقود، أخذ الرجلان النقود وغادرا المكان، وقام أحمد بإعادة الميت لمكانه وطلب له من الله الرحمة.
سار أحمد وشاهد بطريقه منظراً غريباً؛ حيث شاهد حوريات ترقص حول لمعان الشمس، ومجموعة من العناكب تضع التيجان على رؤوسها، وفجأةً سمع صوت شاب يناديه ويقول له: إلى أين أنت ذاهب يا أحمد، نظر له أحمد فوجده جميل الوجه ويمسك بيده عصا فردّ عليه: أنا أريد السفر إلى العالم الواسع، قال له الشاب: وأنا كذلك أريد السفر إلى هناك، هل تقبل مرافقتي؟ وافق أحمد على مرافقته ومشيا معاً.
صار أحمد يتحدّث مع ها الشاب ويشتكي له أحزانه، وعندما وصلا شجرة كبيرة جلسا تحت ظلّها، ومرت بهما امرأة عجوز تحمل الحطب على ظهرها، وبينما كانت تسير إذ وقعت على قدمها وصارت تصرخ، أسرع أحمد لينقذها، كانت قدم العجوز مكسورة وقال له رفيقه: أنا معي المرهم الذي سيعالج كسرها ولكن عليها أن تعطيني الوردات التي تزيّن ثوبها، قالت له العجوز: أنت طلبت مني ثمناً غالياً مقابل هذا المرهم، وانتزعت الوردات من ثوبها وأعطتهم له.
عالج الرفيق تلك العجوز، وسارا في طريقهما وقرّرا النزول في فندق، جلس أحمد مع رفيقه في هذا الفندق، وكان كل ما يواجهما من مصاعب يتم حلّها بالمرهم الذي يملكه رفيقه، خرجا من الفندق ووصلا لمدينة كان يعيش بها أميرة جميلة وملك عادل، وكانت تلك الأميرة تطرح ثلاث أسئلة على كل من تقدّم لها ومن لا ينجح بها يتم إعدامه، تحمّس أحمد للتقدّم لخطبة تلك الفتاة.
حذّره رفيقه وقال له: لا تفعل ذلك؛ فأنت لا زلت صغيراً على أن تعدم، ولكن أحمد كان مصمّماً على ذلك، نام أحمد ليذهب في اليوم التالي لمقابلة الأميرة، وبينما هو نائم وضع رفيقه بجيبه الثلاث وردات التي أخذها من العجوز، وعندما ذهب وقابل الأميرة طرحت عليه السؤال الأول وكان: أخبرني بماذا أفكّر الآن، فنطقت الوردة الأولى بالجواب وسمعها أحمد وهي تقول: قل للأميرة أنّها تفكّر في حذائها.
أجاب أحمد على السؤال، وتفاجأت الأميرة بجوابه فهو لم يكن ليخطر على بال أحد، ثم سألته السؤال الثاني ونطقت بإجابته الوردة الثانية واختفت، وعندما سألته السؤال الأخير، نطقت الوردة الثالثة وأعطته الإجابة واختفت، نجح أحمد في التحدّي، وعندما عاد لرفيقه وأخبره عما حدث معه قال له: لقد وضعت الثلاث وردات في جيبك وأنت نائم.
تفاجأ أحمد وسأله: من أنت أيّها الرفيق المجهول؟ قال له: هل تذكر الميت الذي أنقذته من الرجال الأشرار، أنا هو ذاك الميت، وفجأةً اختفى هذا الرجل، وأدرك أحد وقتها أن حلمه قد تحقّق، وأنّه نال كل ذلك بسبب طيبة قلبه وأعمال الخير التي قام به، والتي وصّاه والده أن يستمرّ بها.