يُعتبر المؤلف والأديب إدغار آلن بو وهو من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية من أشهر الكُتاب وأبرزهم في مجال كتابة القصص والروايات التي صنفت بأنها قصص مروعة، وهو من أقدم الكتاب في مجال القص القصيرة؛ حيث كان يمارس الكتابة في البداية من أجل تحصيل المال، ومن أكثر القصص التي اشتهر بها قصة الصمت.
قصة الصمت
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة على ضفاف أحد الأنهار الذي يعرف باسم نهر زائير ففي إحدى الليالي المعتمة الصامتة، خرج الشيطان وأخذ يسيطر على تفكير الكاتب فيخرج بقصة تأخذ القارئ إلى عالم الخيال والرعب، وفي اللحظات الأولى همس الشيطان وهو يضع يده فوق رأس الكاتب استمع إليّ المنطقة التي أتحدث عنها هي منطقة كئيبة في دولة ليبيا، وعلى وجه الخصوص حول ضفاف نهر زائير، حيث لا راحة ولا صمت يذكر.
إذ كانت مياه النهر مثل لون الزعفران وهذا النوع من المياه غير صالحة كما أنها لا تنساب باتجاه البحر، لكنها تبقى فترة طويلة تحت أشعة الشمس الحمراء وكأنها في حركة تشنجية صاخبة، وفي كل جهة حول هذا النهر ذي المجري الموحل، تمتد صحراء شاحبة اللون من أزهار تعرف باسم أزهار النيلوفر حيث كل زهرة تحن إلى أختها في هذه الوحدة، وكل تلك الأزهار تمتد باتجاه السماء إذ تمتلك أعناق طويلة، مثل الأشباح وتهز رؤوسها الطويلة، ويخرج منها صوت مبهم يشبه صوت سيل تحت الأرض.
لكنه يوجد هناك حدود لتلك الصحراء وتلك الحدود هي عبارة عن غابة واسعة معتمه بشكل رهيب ومرعب، حيث أنّ الأشجار الصغيرة في حركة دائمة كالأمواج، وعلى الرغم من ذلك لا يوجد ريح في السماء كما أن الأشجار الكبيرة والضخمة تتأرجح من جهة إلى أخرى بشكل قوي، ومن جهة رؤوسها العالية يذرف ندى لا ينتهي أبداً قطرة بعد قطرة، وتلتف حول جذوعها نوع من الأزهار الغريبة والتي تُعتبر من النوع السام في سبات مضطرب، وتتكاثف الغيوم الرمادية اللون على رؤوسها بحفيف رنان باتجاه دائم صوب جهة الغرب، وتبقى هكذا إلى أن ترتمي مثل شلال خلف سور الأفق الملتهب، وكل ذلك يحدث دون وجود أي نسمة من الرياح في الجو.
وفي تلك المنطقة في إحدى الليالي كانت السماء تمطر، كان في الحقيقة ما يتساقط هو حبات من المطر، لكن تلك القطرات حين تصل إلى الأرض تتحول إلى دماء، ويكمل الشيطان أنه كان في ذلك الوقت يجلس في أحد المستنقعات بين أزهار النيلوفر الكبيرة، بينما كان والمطر يتساقط فوق رأسه، ويرى أن كل زهرة نيوفلر تشتاق إلى أختها في جلال وحدتها الحزينة.
وفي تلك الأثناء ارتفع القمر من خلف النسيج الناعم وقد كان يلتف حوله ضباب حزين بلون القرمز، وقع نظره على صخرة عالية وكبيرة بجانب ضفة النهر كان يعكس عليها ضوء القمر، وقد كانت تلك صخرة الرمادية اللون تبدو كأنها متشائمة محفور عليها حروف ما، وتوجه صوب مستنقع النيلوفر إلى أن أصبح قريب من الضفة، كي يحاول أن يقرأ الحروف المنقوشة على الصخرة، لكنه لم يتمكن من فك رموزها بشكل واضح، ومن هنا حاول العودة إلى المستنقع حينما برز القمر بلون حمرة شديد، ونظر مرة أخرى إلى الصخرة والرموز في محاولة أخيره منه، وهنا تمكن من حفظ الحروف وهي: الح- ز- ن.
وهنا توجه بنظره إلى أعلى فوجد رجل يجلس في أعلى الصخرة، حاول أن يخفي نفسه بين شجر النيلوفر كي يراقب حركاته، حيث كان ذلك الرجل ذو جسم ضخم مهيب، يلف كامل جسده بحلة من روما القديمة، وكانت ملامح وجهه غير واضحة، إلا أن تلك الملامح تبوح بخلقة إلهية جميلة للغاية، حيث تتلألأ رغم عتمة الليل والضباب والندى والقمر.
وأكثر ما كان ملفت به هو أنّ جبهته كانت عالية وتنغمر في التأمل والتفكر وعيناه كبيرتان، اتضح لي من تقاطيع خديه أساطير حزينة، فقد كان مليء بالكآبة والتعب والسأم من الحياة الإنسانية، ويتوق بشكل كبير إلى الوحدة والعزلة، كان يجلس الرجل على الصخرة ويسند رأسه إلى يده، وأخذ يلتفت بعينيه حوله، شاهد الشجيرات الصغيرة التي لا تهدأ حركتها والأشجار الكبيرة وفي الأعلى شاهد السماء المليئة بالحفيف والقمر ذو اللون القرمزي، وكان ما زال الشيطان طوال هذا الوقت متخفي بين أشجار النيلوفر يراقب حركاته، كان الرجل يرتجف في حالة العزلة والليل يتقدم أكثر وأكثر في الساعات، ومع كل هذا بقى جالس فوق الصخرة.
وتوجه الرجل من نظره من السماء إلى النهر وإلى المياه ذات اللون الأصفر التي تبدو وكأنها عابسة، وإلى لون أزهار وأشجار النيلوفر الشاحبة، كما كان يستمع إلى تنهدات النيلوفر وهمسه، وكل هذا والشيطان في مخبأه يترصد حركاته وتصرفاته وهو يرتعش في الوحدة من الخوف، لكنه لم بقى مثل ما هو عليه لم يتحرك من مكانه أبداً.
وفي ذلك الوقت دخل الشيطان تحت أطراف المستنقع البعيدة وسار فوق غابة النيلوفر وأخذ بمناداة أفراس الماء التي تعيش في أعماق المستنقع، وعندما سمعت الأفراس ندائه سرعان ما جاءت إلى الصخرة وزمجرت بصوت عالي ومخيف تحت ضوء القمر.
وأثناء ذلك بدأت تضرب في الجو عاصفة مخيفة، ولم تعد هناك أي نسمة في أي مكان، فأصبحت السماء مختلطة بلون أزرق وأسود من قوة العاصفة، وبدأ المطر الذي يضرب في رأس الرجل وعلى أثر ذلك فاضت أمواج النهر وأزبد النهر العذب والرعد بدأ يتهافت واشتدت تنهدات النيلوفر، ثم بعد ذلك بفترة قصيرة تلاشى الرعد وزالت الغيوم الرمادية وتوقفت الأشجار عن التمايل والحركة، وسرعان ما وجه الشيطان نظره نحو الرموز التي كانت على الصخرة، إذ لاحظ أنها قد تغيرت، فتحولت إلى كلمة صمت.
وهنا أخذ النظر إلى وجه الرجل فقد كان وجهه شاحباً من شدة الرعب والخوف الشديد، وعلى الفور رفع رأسه ويديه ونهض عن الصخرة وبدأ ينصت بسمعه إلى أي صوت، لكن لم يكن هناك أي صوت في هذه الصحراء الواسعة التي لا حدود لها، ورأى الكلمة المنقوشة على الصخرة الصمت، ذعر الرجل وفرّ هارباً.
وفي نهاية القصة أشار الكاتب إلى أنّ هناك الكثير من الأساطير والخرافات التي ظهرت على مرّ العصور، والتي بدورها نقلت إلينا عبر الأجيال الكثير من العبر والحكم التي خرجت من أفواه العرافات والمؤرخين، كما أشار إلى أن مثل تلك القصص التي انحدرت إلينا لا تخلو من وجود الجن والشياطين، إذ كانت الغالبية العظمى من الروايات والخرافات القديمة يتمحور حديثها حول وجود الجن والشيطان.