تناولت هذه القصة في مضمونها الحديث حول واحد من الشبان الموهوبين في مجال الموسيقى، وقد وصل إلى مرحلة إبداع واحتراف فيها، إلا أنه في أحد الأيام بدأ يفكر في الوصول إلى طريق النجاح وتحقيق حلمه بأن يكون شبيه بالموسيقي العالمي بيتهوفن، وقد تطورت حالة تلك الأصوات إلى أن أصبح مصاب بأحد أنواع الأمراض النفسية والذي يعرف باسم مرض الفصام، وقد تم تجسيد تلك القصة في واحد من الأفلام السينمائية والذي أصدر عام 2009م.
قصة العازف المنفرد
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أنه في يوم من الأيام كان هناك أحد الشباب ويدعى ستيف، وهو ما يعمل كصحفي مبتدئ، وأول ما بدأ عمله كان في إحدى الصحف المحلية والتي تعرف باسم مجلة لوس أنجلوس تايمز، ولم يكن لدى ستيف أحلام كبيرة وصعبة المنال فهو كل ما يرغب بتحقيقه فقط أن يصبح من بين هؤلاء الصحفيين الذين يتهافت عليهم القراء من أجل قراءة مقالاتهم الصحفية.
ولهذا كان يكتب مقالات في العديد من المجالات المختلفة والمتنوعة من أجل أن تنشر على نطاق أوسع وتكون شاملة لكافة المواضيع، ومع مرور الوقت حقق جزء من حلمه بأن يكون له اسم شهير في الوسط الصحفي، وبعد عدة سنوات نال بالفعل ما كان يحلم به وأصبح يكتب مقالات بشكل عامودي في تلك الجريدة، وقد كان السبب الذي حقق بسببه كافة تلك النجاحات هو أنه قام بكتابة سلسلة من الأحداث حول قصة أحد العازفين على واحدة من الآلات الموسيقية، وقد كان ذلك العازف ليس عازف شهير، بل عازف يمتلك موهبة جميلة جداً وهو يتجول ليل نهار في الشوارع والطرقات، وما هو معروف عنه هو أنه من المشردين.
وأولت ما بدأت قصة ذلك العازف مع الصحفي هو أن الصحفي كان في أحد الأيام في بداية مشواره المهني يمضي بالشوارع هائمًا لا يعلم ما يفعل، فلم يكن لديه أية فكرة حول المقال التالي، وبينما كان يتجول في الحدائق العامة إذا به يقابل من محض الصدفة ذلك العازف المشرد، وهو ما كان مبدع في العزف على آلة الكمان، كان يجلس العازف أسفل تمثال بيتهوفن الشهير الذي كان منصوب في ساحة إحدى المدن الأمريكية وهي مدينة كاليفورنيا، وفي تلك الأثناء كان يعزف بيديه بمهارة منقطعة النظير باستخدام آلة كمان، وتلك الآلة التي بين يديه تبدو مهترئة وقديمة وليس لها سوى وترين فقط لا أكثر.
وفي تلك اللحظة جلس إلى جانبه وحاول أن يتعرف عليه، ولكن العازف كان من الأشخاص الكثيرين الهذيان ويثرثرون الكلام بكثرة وبشكل متتالي، وقد كانت طريقته تلك في الحديث مع الآخرين كذلك، مما يسبب لهم التوتر جراء تكراره للأحداث والكلمات ذاتها، ولكن الصحفي أراد أن يتعرف عليه بشكل أوسع ومن جميع النواحي، وبدأ يتقرب منه في كل يوم أكثر وسلك طريقًا جديدًا معه، وأخذ بسؤاله عن أسرته ومهنته وأبنائه، ولكن ما كان مدهش بالنسبة إلى الصحفي هو أنه العازف أجابه على كامل أسئلته بكل ما أوتي من استسلام، ويبدو في راحة تامة وكأنه يحاور أحد أصدقائه المقربين ويعرفه منذ أكثر من عدة سنوات.
ومنذ ذلك الوقت وبدأت تتصاعد الأحداث بشكل تدريجي، إذ أنه ذات يوم توجه الصحفي من أجل البحث حول حقيقة العازف، ليتوصل إلى أنه لا يمتلك أي مأوى في الواقع، وحينما بحث حول أقاربه وجد أنه له شقيقه واحدة فقط، وعلى الفور توجه الصحفي إلى المنزل الذي تقيم به شقيقته؛ وذلك حتى يحصل على معلومات حول شقيقها العازف، ومن خلال الحديث معها أشارت إلى أن العازف منذ صغره مولع بحب وعشق الموسيقى، كما أنه كان من الأشخاص المهووسين بحب الموسيقي العالمي بيتهوفن وطوال الوقت يستمع إلى مقطوعاته الموسيقية الشهيرة، ولطالما كان يحلم بأن يصبح مثله في يوم من الأيام.
وبعد حوار طويل مع شقيقة الصحفي توصل إلى أن العازف كان قد درس في واحد من أهم المعاهد الموسيقية المتخصصة، وفي أغلبية سنوات دراسته كان أساتذته يثنون عليه جراء إبداعه في العزف على الآلات الموسيقية، وقد كان حينها أصغر عازف منفرد في دار الأوبرا، والتي يتم العزف بها على أشهر المقطوعات الموسيقية، ولكن حينما بدأ العازف في النضوج بدأ نشاطه وحيويته في العزف تتقلص شيئاً فشيئاً، وفي يوم من الأيام وبشكل مفاجئ بدأ في سماع أصوات داخل رأسه، وقد كانت تلك الأصوات تنهه وتنأى به وتوجعه بكلمات قاسية وأنه ليس بالقوة الكافية للعزف.
وقد تم ذكر أنه في إحدى المقابلات التي كان يجريها العازف مع أشهر العازفين، وإذ به يسمع تلك الأصوات داخل رأسه، وتلك الأصوات تشير إليه إلى أن ذلك العازف سيء للغاية، وأن من هم إلى جانبه في اللقاء الصحفي سوف يسخرون منه ويضحكون عليه حتى النخاع، وفي تلك اللحظة فر هاربًا من أمامهم.
وفي يوم من الأيام كان العازف قد سمع تلك الأصوات تتفوه له ببعض الكلمات، ومن خلال تلك الكلمات اعتقد أن والدته تخطط من أجل التخلص منه بأي طريقة كانت، ولكنها كانت سيدة مسكينة وقد توفيت في وقت لاحق من شدة حزنها عليه، وفي مرات أخرى جاءت إليه الأصوات لتخبره أن شقيقته سوف تقوم بوضع مادة سامة له في الطعام، وحينما حاول عدم الاستماع إلى تلك الأصوات ومقاومتها من خلال رفضها ودلف إلى تناول الطعام أخذت بالإشارة إليه أنه يحشر سمومًا في جسده.
حتى وصل به الأمر إلى الامتناع عن الطعام والشراب لفترة لا بأس بها، ومع ازدياد الشكوك حول كل من هم حوله بسبب الأصوات اضطر إلى ترك المنزل بشكل نهائي، ليعيش بعدها هكذا مشرد بالطرقات والشوارع، وقد اتخذ أسفل تمثال بيتهوفن كمكان له، وبقي على هذا الحال إلى أن التقى مع الصحفي.
ومن هنا بدأ الصحفي في كتابة سلسلة من المقالات حول العازف ليتعرف عليه القراء، وبالفعل منذ أول يوم لاقت مقالاته استحسانًا وإعجاباً كبيرًا لدى أعداد هائلة من القراء، حتى أنه ذات مرة قامت إحدى السيدات بإرسال آلة التشيللو الخاصة بها إلى العازف كهدية له، وحينما وجد الصحفي هذا الكم من المشاعر والتعاطف مع العازف، بدأ في مساعدته فعليًا فقام بإلحاقه في إحدى المصحات التي تُعنى بالعلاج النفسي ورعاية الموهوبين ليبدأ رحلة علاج.
وفي النهاية تواصل الصحفي مع شقيقته لكي تأتي وتشاهد شقيقها، وقد شخص الأطباء مرضه بأنه ليس واحد من الأمراض النفسية بل عدد من الأمراض، ولكن يمكن العلاج منها مع بعضها البعض في ذات الوقت، وقد أصبح الصحفي في النهاية صاحب رسالة سامية حقيقية تستحق القراءة.