قصة الفقير والتاجر الطماع
كان هنالك تاجر ثري يسكن إحدى المدن، وكان من المعروف عن هذا التاجر أنّه بخيل النفس على الرغم من امتلاكه الكثير من المال، بالإضافة إلى أنّه كان دائماً يطمع بامتلاك المزيد؛ فيجده الناس يقضي أغلب أوقاته في البحث عن التجارة التي تجلب له المال الوفير؛ وذلك من أجل أن يحصل على النقود الذهبية ويقوم بجمعها في صندوق كبير، وكان يخفيه في منزله.
وفي مرّة من المرّات سمع هذا التاجر عن تاجر آخر يريد بيع النعاج؛ فأسرع واشترى منه النعاج وقام ببيعها بثمن كبير، فرح التاجر كثيراً للثمن الذي حصل عليه مقابل بيعها؛ فقد كان أربعمائة درهم، وضعها في محفظة نقوده وعاد إلى منزله والسعادة الكبيرة في قلبه.
بينما كان هذا التاجر يسير في طريق عودته إلى المنزل، لم يكن قنوعاً بما حصل عليه؛ بل ظلّ يفكّر أنّه يريد شراء النعاج بالنقود التي يمتلكها وبيعها مرةً أخرى بثمانمئة درهم، وبينما هو يحسب ويخطّط وقعت منه محفظة النقود، ولكنّه لم ينتبه لذلك لأنّه كان يفكّر كيف سيجمع نقوداً أكثر.
عندما وصل إلى منزله اكتشف أن محفظته ليست معه؛ فذهب عقله وجنّ جنونه لما حدث له، وظلّ في هذه الليلة مستيقظاً يفكّر بما حدث له وماذا سيفعل ولماذا حدث له ذلك وكيف، وغيرها من الأسئلة التي لم تتوقّف عن الدوران في رأسه، في اليوم التالي استيقظ التاجر باكراً واتجّه إلى حاكم المدينة يتوسلّه أن يساعده في إيجاد حل لمصيبته.
شعر الحاكم بالحزن لحال هذا التاجر فقال له: حسناً سأعلن في الساحة الرئيسية للمدينة عن ضياع محفظة نقودك، ولكن عليك أن تدفع مكافأة قدرها أربعون درهم لمن يجدها، قال له التاجر: حسناً أرجوك يا سيدي أرسل المنادي ليعلن عن ضياع محفظتي وعن المكافأة السخية، بعد مضي ثلاثة أيام جاء رجل يبدو عليه علامات الفقر والشقاء، وكان يحمل بيديه المحفظة التي بها النقود، وقام بتسليمها للحاكم.
نظر الحاكم إلى هذا الرجل المسكين، وأعجب بأمانته وقال له: أيها الرجل الطيب لقد أعدت المال كاملاً على الرغم من حاجتك له، أنت تستحق مكافأة كبيرة، وقام الحاكم باستدعاء التاجر على الفور، حضر التاجر وعندما وجد المحفظة أمسكها واحتضنها كما تحتضن الأم ابنها، وبدأ بإفراغها من النقود، وبدأ بالعد.
على الرغم من أنّه وجد نقوده كاملة لم تنقص شيء، لكنّه لم يكن يريد أن يكافئ هذا الرجل الفقير؛ فصاح بعد ما أكمل عد نقوده: أيها الرجل المحتال نقودي تنقص أربعون درهماً، لقد وضعتها بمكان آخر في المحفظة، رد عليه الرجل المسكين بهدوء: يا سيدي لو كنت أريد سرقة مالك لكنت أخذت النقود كاملة ولم أعدها لك.
أدرك الحاكم وجميع الموجودين بالمكان أن هذا التاجر الطمّاع يكذب من أجل أن يحرم الرجل الأمين المكافأة، ولكنّه ظل يصيح على الرجل كما لو أنّه سرقه بالفعل، غضب الحاكم من هذا التاجر الطمّاع فأمره بالاقتراب منه وطلب منه أن يعطيه محفظة نقوده، نفذ التاجر الأمر وأعطى للحاكم محفظة نقوده على الفور.
عندما أخذ الحاكم المحفظة سأل التاجر: هل أنت واثق من أنّ نقودك هي ثمانمائة درهم؟ فرد عليه التاجر: نعم يا سيدي أنا واثق من ذلك، فقال له الحاكم: حسناً لما لا تقل لي ذلك من قبل؟ إذاً يبدو أن هذه ليست محفظتك بل ربمّا محفظتي أنا؛ فأنا أضعت محفظة يوجد بها ثمانمائة درهم منذ أيّام، غضب التاجر وشعر بالاغتياظ الشديد ولم يعلم ماذا سيفعل.
التفت بعد ذلك الحاكم إلى الرجل الفقير الأمين وقال له: حقّاً إنّك رجل كريم؛ فالكريم هو الذي يهدي الناس وليس الغني، وأنا سأعطيك هذه المحفظة كاملةً لك جزاء أمانتك وكرم نفسك وفعلك الطيب، أخذ الرجل الأمين النقود ونال جزاء إحسانه، أمّا التاجر فعاد منزله بأذيال الخيبة، وكان أضحوكة لأهل المدينة؛ وذلك جزاء طمعه وجشعه الشديدين.