يُعتبر المؤلف والأديب الفرهاد موسى جانوف وهو من مواليد دولة أوزبكستان من أبرز الكُتاب الذين اشتهروا في القرن التاسع عشر، وقد صدر عنه العديد من القصص والروايات التي تمت ترجمتها إلى مختلف لغات العالم، ومن أكثر القصص التي اشتهر بها هي قصة المسألة الحساسة.
قصة المسألة الحساسة
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في أحد الأيام التي جاء بها أحد الممثلين الكوميديين المشهورين والذي يعرف باسم حسان إلى مكتب مدير المسرح، وبعد تبادل التحية والسؤال عن الأحوال فتح الموضوع الذي جاء بسببه، وأخذ بقوله: لقد جئت من أجل تقديم اقتراح وهذا الاقتراح هو أن نقوم بتنظيم مجموعة لدى المسرح الذي تشرف عليه، ومن خلال تلك المجموعة نقوم بإخراج أعمال نقدية ساخرة، وننتقد فيها قليلًا من المساوئ والنواقص لدى بعض الأشخاص، والتي تحدث في الحياة اليومية لدى مختلف فئات المجتمع منذ الزمن القديم حتى الآن، ونضحك ونسخر منها.
وفي تلك اللحظة حدق المدير في الممثل لفترة لا بأس بها، وكأنه يريد أن يقول: يا ساذج هل أتيت إلي بهذا الاقتراح الساخر، وهل تدرك أن هذا يُعتبر اقتراح، بينما الممثل فقد جلس وتحمل تلك النظرة، وهنا قال المدير: اقتراحك ليس بالأمر السيء، لكن إذا فكرنا في الموضوع بشكل عميق، فإن للمسألة وجه آخر حساس، وفي الواقع أنّ حياة الناس لا تخلى من بعض النواقص.
فهي في الحقيقة تحدث بشكل يومي مع جميع الأشخاص، ولكن هل من المعقول أن نبحث عن النواقص الصغيرة ونسبب الاحراجات لفئات معينة ونزعج الناس بها، إنّ غايتنا في الأصل هي تشجيع الناس على الأعمال الباهرة والعظيمة، وبالطبع إن الضحكة وخصوصاً الابتسامة الخفيفة غير المؤذية فهي شيء ضروري، لكن هل من الضروري أن نقوم بالكشف عن النواقص والنقد لأجل إظهار الضحكة على وجوه الآخرين.
ومن أجل أن نصنع البهجة على وجوه الآخرين ألا يوجد هناك اقتراح آخر لديك؟ فإن أردت أن تضحك، فهل من الضروري أن تضحك على نواقص آخرين وأمور حساسة بالنسبة لهم؟، فرد الممثل: وعلى ماذا نضحك إذن؟ فرد مدير المسرح: اضحك على أي أمر يحدث في هذه الحياة ويكون طريف، ولكن لا تضحك على نواقص الآخرين وتحرجهم، وهنا حول المدير الحديث إلى مشورة وحوار، وقال: افترض على سبيل المثال أنك تقف على خشبة المسرح، وتضحك داخل نفسك ضحكة قوية، وتضحك من دون انقطاع، بالطبع سوف يضحك الآخرون؛ لأن الضحكة أمر معدي.
وأكمل حديثه بقولة: ينبغي أن يكون الضحك بدون غاية، وهناك قال الممثل: لا تفكر في غاية إننا لا نريد غاية معينة، بل نريد أن تطغى الضحكة على وجه الجمهور، ويمكننا أن نعمل مثل ما قلت، لكن إذا فكرت في الموضوع بشكل عميق أكثر، فإن للمسألة وجهه آخر حساس جداً، فلنفترض أنني خرجت على خشبة المسرح، وأضحك بنفسي من دون أي سبب، كما قلت ومن الممكن أنه سوف يضحك البعض، لأن الضحكة شيء معدي كما قلت.
ولكن ماذا إذا فكر كثير من الجمهور إنه شبح، وهم يفكرون في من سمح له بالخروج إلى خشبة المسرح، ومن المؤكد يقولون إن مدير المسرح ليس إنسان على قدر المسؤولية، وفي هذه الحال سوف يعود الكلام إلى النقد، وإن نظرنا إلى هذه الجهة من الموضوع، وفي الحقيقة أنه أيضًا سوف يعود إلى النقد كذلك، وماذا لو فعلنا ذلك، وهنا نتصور أنك تخرج إلى خشبة المسرح بكل وقار وشموخ، وفي نفس اللحظة تتعثر بأي بشيء ما وتسقط على الأرض، وهنا سوف يضحك الجميع عليك ويسخروا منك، ففي إحدى المرات تخيلت بنفسي بهلوانًا أعمل في السيرك، فضحكت كثيرًا فلا شيء يمكن أن يمنع الإنسان من الضحك.
وهنا أشار المدير وقال: حسنا بإمكاننا أن نعمل مثلما قلت، لكن إذا فكرنا في هذا الموضوع بعمق أكثر، فإن للمسألة وجه حساس أيضاً وهنا رد الممثل: قصدك أن يكون الضحك على شخص غبي، لكن هناك سيكون رأي آخر عند بعض الجمهور، وهم يفكرون لماذا وقع على الأرض؟ ربما كان هناك مسمار في خشبة المسرح؟ وليس لديهم وقت كافي للصيانة، إذن مدير المسرح ليسوا أناسًا ذوي مسؤولية.
وفي تلك اللحظة سوف يعود الكلام إلى النقد أيضاً، وإن نظرنا إلى ذلك من الجانب الآخر، فهو أيضًا قد يعود إلى النقد كذلك، فقال المدير: إذن فلنفعل كذلك ونتصور مرة أخرى أنك تخرج على خشبة المسرح، وتنظر إلى الجمهور وتقطب وجهك من دون أي سبب يذكر، قال الممثل: هل شاهدت هذا الحدث في السيرك أيضًا؟ رد المدير: نعم لقد شاهدته في السيرك، فقال الممثل: وهل ضحكت كثيرًا؟ المدير: نعم ضحكت كثيرًا، الممثل: حسنًا ويمكننا أن نعمل مثلما قلت، لكن إذا فكرنا في ذلك الموضوع بشكل عميق، فهناك للمسألة وجه حساس جداً أيضاً.
الممثل: حسنًا ولنفترض أنني أقطب وجهي من دون أي سبب، صحيح قد يضحك بعض الجمهور، بينما الآخرون سوف يفكرون لماذا يقطب هذا الممثل وجهه من دون سبب، وأنت خائف أن تضحك على بعض النواقص لمجموعة صغيرة من الناس مما يحدث في الحياة اليومية، لذلك هو يقطب وجهه ألم يفكرون في ذلك الطريق، وأقول: إذن في هذه الحالة سوف يعود الكلام إلى النقد أيضًا.
وإذا نظرنا هذه الجهة من الموضوع، وفي الحقيقة إنه كذلك سوف يعود إلى النقد أيضاً، كيف يمكن توليد الضحكة، إنها مسألة حساسة جدًا، فجأة توجه المدير إلى الأمام، وهمس في أذن الممثل وقال له: اسمع لا تفكر في أي شخص، فإن الغالبية العظمى من الأشخاص يكرهون النقد جدًا، وإنني أطبق هذا الأمر على نفسي، فأنت كما تعلم يحضر إلى المسرح أناس من مختلف فئات المجتمع، وليس جميعهم يحبون النقد.
وتوجه في تلك اللحظة الممثل إلى الأمام وهمس في أذن المدير، وقال: إنّ الذين لا يحبون النقد لا بد أنهم يعانون من عيب ما في أنفسهم، ولذلك يكون السبب خلف ذلك أنهم يكرهون النقد خوفًا من كشف عيوبهم المكبوتة، فأجاب المدير: نعم أحسنت، فرح المدير بذلك فقد اعتقد أن الممثل تراجع عن اقتراحه وقال: إذن هل من الضروري أن نبحث عن نواقص بسيطة في حياتنا، ولماذا لا ننظر إلى الجوانب الزاهية والمزدهرة، فقال الممثل: وماذا نفعل إذاً ببعض الأشخاص الذين لديهم بعض النواقص التي تحدث مع أي إنسان في هذه الحياة؟
وفي تلك اللحظة قال المدير: لا تهتم في هذا فعندما يحدث مع أصحاب النواقص نقد كبير، فإننا سوف نتناوله ونتحدث به على الملأ من دون أي رحمة أو خوف، وحينها نكشف نواقصهم ونقدهم بالكامل، سخر الممثل بذلك الكلام وخرج من مكتب مدير المسرح وهو يرسم ابتسامة ساخرة على وجهه، وهنا أسرع المدير وخرج خلف الممثل وسأله عن سبب ابتسامته، هنا ضحك الممثل بصوت عالي جداً، وقال: إنّ الإنسان يضحك متى يشاء، فلا يمكن أبداً أن يقوم الشخص بخنق الضحكة.