قصة المقبرة

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر الكاتب والأديب ناصر فاضلوف وهو من مواليد دولة كازاخستان من أبرز المؤلفين الذين برزوا في القرن التاسع عشر، حيث أنّه كانت القصص والروايات التي تصدر عنه تلامس القصص الحقيقية على أرض الواقع، وهذا ما جعل المؤرخين يترجمون العديد من أعماله الأدبية إلى العديد من اللغات العالمية، كما بسبب ملامستها إلى أرض الواقع ساعد في نشرها على أوسع نطاق حول العالم، ومن أبرز القصص التي اشتهر بها هي قصة المقبرة.

قصة المقبرة

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول شاب وفتاة كانت قد دار بينهم عقد الخطوبة منذ فترة بسيطة، حيث أن الشاب كان قام في أحد الليالي بدعوة خطيبته الشابة إلى تناول العشاء خارج المنزل، وفي تلك الأثناء قال الشاب: منذ دخولنا إلى ذلك المكان وأنا أحدق النظر بملامحها جميعًا ما عدا عينيها التي أتجنب النظر إليهما، وكلما تلاقت نظراتنا استبعدت نظري على الفور، وهنا سألتني عما إذا كنت أواجه مشكلة ما، وهنا ابتسمت في وجهها وحاولت أن أبتعد بنفسي عن صدق شعورها في تلك اللحظة.

وهنا طلبت وجبتا طعام لي ولها، وبدأت في تناول طعامي دون إصدار أي صوت على الاطلاق، إذ بقيت طوال تلك الفترة ملتزم الصمت، ثم بعد ذلك حاولت من خلال بعض العبارات الفكاهية أن أخلق جو راحة بيننا، وهنا أخذت بطرح العديد من التساؤلات عليّ، فحاولت أن أتصرف على طبيعتي أمامها، إذ تحدثت إليها بشكل كثير كما كانت تعهدني في السابق، لكنني كنت أفشل عند كل محاولة، وعلى الرغم تراكم الكلمات خلف شفتي، لكنني لم أعلم كيف أرتبها بالشكل الذي لا يجعلها تسيء فهمي.

وبعد الانتهاء من تناول العشاء وبينما كانت ترتشف عصير الليمون الذي كانت تطلبه دومًا، أخذت ترفع لي بحاجبيها وتحدق بي نظرة شك في أمري، هنا أدركت في تلك اللحظة أنه لا مفر لي بعد تلك النظرة الشكوكية، وهنا حاولت أن تحتل منصب معالجة نفسية، فقالت وهي مبتسمة: هيا أخبرني ما هي مشكلتك؟ أردت في ذلك الوقت أن أتراجع عن قراري الذي اتخذته صباح اليوم، وأنسى الموضوع بأكمله وأغلقه إلى الأبد، لكني حين فكرت جيداً أدركت أنني إذا فعلت ذلك، فسوف أبقى متلعثمًا طوال حياتي معها، وأشعر بالندم فيما بعد على سكوتي.

وهنا أثارت الحماس من أجل إخراج الكلام الذي كان بداخلي حينما قالت: هيا تكلم إنني أصغي إليك، إذ كانت في تلك اللحظة تشبك كفيها على الطاولة، فبدأت بالحديث وقلت: أنتِ تعلمين أنني أكن لك الكثير من المحبة، وهنا حاولت توجيه نظراتي نحو عينيها وتغمرني الابتسامة، وأكملت حديثي بقولي: كنت في السابق وإن تحدثنا في موضوع مهم، لكننا بعد ذلك نسينا الأمر وانشغلنا بتفاصيل الخطوبة، وهنا فجأة تغيرت ملامحها فسألته وهو يعتريها القلق: أي موضوع تقصده، وهنا شعرت أنها أدركت ما الموضوع الذي أقصده بالفعل.

قلت لها: في يوم أمس عرضت علي فرصة العمر التي طالما حلمت بها، وفي تلك الأثناء أمسكت بيديها وقد كنت راجيًا، أكملت: يجب علينا ألا نفوت تلك الفرصة، فهي فرصة العمر، قالت: تعني أن نسافر، أجبتها: نعم في الأمس اتصل بي صديق قديم، وهنا التزمت الصمت، إذ شعرت بعد أن أطلقت ابتسامة هادئة وسحبت كفيها وأبعدت ببصرها عني، وقلت بغضب: كنت أعتقد أن الأمر سهلًا ما دمتِ أنتِ معي، فردت عليه: كيف سهلًا وأنت تعلم تمام المعرفة رأيي بهذا الموضوع، كما أنني اعتقدت أنك نسيت هذا الموضوع تماماً، فإن الزواج والسفر إلى مكان آخر، سوف يصبح في تلك الحالة عبارة عن مقبرة.

قال لها: لقد انشغلنا ولكنني لم أغض النظر عن موضوع السفر والهجرة، قالت: أنت تخبرني بهذا القرار الآن، فأجاب: كلا نحن الآن نتشاور فقط، فقالت: ها قد سمعت رأيي بالموضوع بأكمله، وقد قالتها بهدوء متصنع على الرغم من أن بداخلها اضطراب وتوتر، فقال وهو مندهش: إلى أين ذهبت لغة الحوار بيننا! وفي تلك الأثناء  تناولت حقيبتها من طرف الكرسي، وقالت وهي تحاول إبعاد نظرها عنه: لقد دعوتني إلى هنا من أجل أن تخبرني بقرارك الذي اتخذته، فعن أي لغة حوار تتكلم، وهنا لحقت بها قد أجلستها على مقعد في حديقة عامة بجانب المطعم، وقالت لي: تعلم تمام المعرفة أنني أريد أن أقف بجانبك إلى الأبد، وأساعدك على تحقيق أحلامك وطموحاتك لكن بشرط أن يكون هنا في هذا البلد وليس دونه.

وهنا سألها: هل يكون المكان مهم إن كنا معًا؟ فردت: بالنسبة لي مهم جدًا، ودارت وجهها إلى الجهة المقابلة، وقد كانت في تلك اللحظة وكأنها تبحث عن شيء، وأكملت حديثها: كنت أعتقد أنني سوف أكتفي بك عن العالم بأكمله، لقد أخطأت بحقي وجعلتني أحب هذا العالم كله، ولم أشعر على الاطلاق أنني ملكك وحدك، فكيف تريد مني الآن أن أتخلى عن كل ذلك والذي بدأت أشعر بجماله الآن، وكأنني أشاهدها للمرة الأولى، ألم تعلم بأنني سوف أكون في في يوم من الأيام بحاجة إلى أهلي وأصدقائي بقربي، وكيف لي أن أفارق بيتنا.

وهنا حاول اقناعها بقوله: معظم النساء تضطر إلى الاستغناء عن كل تلك الأمور بعد الزواج، فردت سريعاً: الابتعاد عنها لفترة قليلة وليس الاستغناء عنها للأبد، فالهجرة مدتها طويلة فتخيل أن حصل مشكلة بيننا، وأردنا أن نبتعد عن بعضنا لفترة، فأجابها بدهشة: ما هذا الهراء الذي تقولينه! فردت: صدقني أن هذه الأمور تحصل دائمًا وإنه شيء طبيعي، فكيف حينها أتمكن من زيارة أختي على سبيل المثال.

حاول أن يطمئنها بقوله: لا تخافي لن تكوني بمفردك إذ إننا سوف نتعرف على جيران أصدقاء، ومع الوقت سوف يكون عندنا أطفال، ولن ينقصنا أي شيء، فأجابت: بلى ينقصنا الكثير، أشحت بوجهي غاضباً، فسألتني حينها: حديثي لا يروق لك، فأجاب: أنت تنشغلين بأمور بسيطة وتتناسين ما هو أهم فكري في الحياة التي تنتظرنا هناك وفي طبيعة الحياة التي سوف نعيشها وفي تربية أطفالنا وفي تحقيق كل طموحاتنا وأحلامنا ومشاريعنا التي سوف تبقى مجرد أحلام صامته إن بقينا هنا

وحاول بشتى السبل أن يقنها أن ذلك الأمر ليس من منطلق الأنانية، فكل شخص في هذه الحياة يرغب في تحقيق أحلامه بالطريقة التي تناسبه، وهنا كانت تنصت إليه بأسى، فتهيأ له أنها قد لانت بعض الشيء، لكنها أصرت على رأيها وغادرت المكان وهي تحشر الدموع في عيناها، توسل إليها كثيراً بأن تبقى معه وأنه لم يخطط لشيء دون وجودها به، لكنها تمسكت برأيها وقالت له: هل تريد أن يكون بيتنا مقبرة لأحلامك؟ فلم أمنعك ولا أقف في طريق تحقيق أحلامك وطموحاتك فذهب حيث تشاء.

المصدر: Cemetery Story


شارك المقالة: