يُعتبر المؤلف والروائي ليو تولستوي وهو من مواليد دولة روسيا من عمالقة الأدب في العالم وقد شاع حوله صيت واسع في القرن التاسع عشر، ومن أبرز القصص التي اشتهر بها هي قصة الملاك.
قصة الملاك
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول شخصية تدعى سيمون حيث يقطن مع عائلته، حيث كان سيمون رجل فقير الحال يقطن في كوخ صغير مستأجر مقابل مبلغ من المال يعطيه لصاحبه، وقد كان سيمون يحصل على رزقه من خلال عمله في جهد وتعب ويصرف كل ما تكسبه يده في شراء الطعام لأسرته، وما أندر الخبز في ذلك الوقت وكان لسيمون وزوجته مدرعة مغزولة من الصوف يلبسها كل منهما بشكل متبادل في فصل الشتاء حتى أصبحت بالية ورثة، وقد يقضي عام بأكمله حتى يقدر على شراء أخرى.
وعندما أقبل فصل الشتاء حتى لجأ إلى أخذ بعض من النقود التي تساوي ثلاث روبلات، إذ كانت مخبأة في صندوق لزوجته وخمس روبلات وعشرين كوبك كان يدين بها بعض من زبائنه، وتهيأ ذات يوم لزيارة القرية إذ ارتدى معطف زوجته فوق قميصه ثم ارتدى ملابسه الأخرى فوقه، وقام بوضع الثلاث روبلات في إحدى جيابه واقتطع لنفسه عصى يتوكأ عليها وتوجه نحو إلى القرية بعد أن تناول إفطاره.
وفي أثناء سيره راح يكلم نفسه سوف أستد الخمس روبلات من الدائنين وأضيفها إلى الثلاث روبلات فيصبح ما معي كافي لشراء مقدار من الصوف لمدرعة الشتاء، وعندما وصل القرية طرق باب أحد الفلاحين الدائنين فلم يجده في البيت فوعدته زوجة الفلاح أنه سوف يحصل على النقود في الأسبوع المقبل، ثم توجه لطرق باب فلاح آخر وهنا أقسم له الفلاح أنه لا يمتلك من المال شيئاً، وسوف يقوم بدفع المال له في وقت لاحق، وأصبح سيمون كل ما يملكه عشرين كوبك قيمة إصلاح حذاءه، وهنا قام سيمون بتركه.
فكر سيمون بأن يشتري صوف المدرعة بما يملكه من نقود وباقي ما يتبقى عليه يجعله دين، لكن البائع رفض ذلك قائلًا بسخرية مدني بالمال وسوف يكون لك ما تريده من الصوف، إننا نعرف كيف يُحصل المرء ديونه، وفي تلك اللحظة بدأ سيمون يشعر بالخوف يسري داخل جسده والتوتر يتسرب إلى قلبه، وهنا توجه إلى المقهى وشرب من الكحول بما مقداره عشرين كوبك وعنده رجع إلى بيته، أثرت الكحول في سيمون إذ شعر بالدفء وزادت من حيويته ونشاطه وبدأ يحس بأن جوانحه تختلج دفئًا وحرارة، على الرغم من أنه لا يرتدي مدرعة الصوف، لقد تناول كأس من الكحول ولم يعد بحاجة إلى مدرعة من الصوف يقي بها جسده من برد الشتاء.
وأخذ يردد ليت زوجتي تشرب قليلاً من الكحول فتشعر ما أشعر به، فرد على نفسه وقال: ويلك أتريد أيها الرجل أن تقضي على نفسك زوجتك إن خبرتها أنك تناولت ذلك، سوف تكسر الآنية فوق رأسك، ولكن زوجتي ما تكتئب ويؤلمها هو أن أعود دون مدرعة الصوف وليس عليّ حق فقد طلبت حقي فأنكره أحدهم وأعطاني الآخر عشرين كوب، وماذا كنت أفعل بها لا أعلم سوى أن أشربها .
كل تلك الخواطر تختلج بداخله حين عودته في طريقه للكنيسة في منعطف الطريق، فرأى جسماً كالثلج في شدة بياضة، فراح يحدق النظر وللحظة اعتقد أنه ثور لكن لم يكن كذلك، فقد كان له رأس مثل رأس الإنسان، لكن من شدة نصاعته لم يتعرف إلى ملامحه، أخذ في الاقتراب منه حتى تمكن من رؤيته بشكل واضح، وهنا كانت الدهشة حين رأى أنه إنسان مجرد من ثيابه يقطن بجانب الكنيسة في هدوء يرمي الرهبة في القلب أثار الرعب والخوف في سيمون، فقد اعتقد أنه لا بد أن أحدًا قام بقتله وتركه هنا، وتحفظ على فضوله خوفاً من إصابته بأذى.
أكمل سيمون طريقه، ولكنه بقي يلتفت إلى الخلف، فشاهد الرجل ينظر إليه، وهنا دب الذعر في سيمون وزاد من قلقه، وبدأ يفكر في أن يعود إليه أم يكمل طريقه، فقد خاف من العودة إليه بأن يصاب بصرع من الخوف الشديد، وهنا سارع سيمون في خطاه نحو الرجل ولا يلتفت على شيء، وأخذ يسأل ماذا تفعل هنا ثم اقترب من الرجل الغريب إذ به شاب يتصف بالجمال وليس على جسمه أي أثار لجروح، جلس متكئ بظهره إلى جدار الكنيسة لا يحرك أي طرف من أطرافه، وعندما شعر بسيمون توجه برأسه نحوه وألقى إليه نظرة وكانت تلك النظرة كافية لأن تستدر كل ما يختلج سيمون من عطف فخلع حذاءه وألقى عن نفسه رداءه.
وساعده سيمون على النهوض فلما نظر إليه وجده جميل الوجه مديد العود، عزم سيمون على خلع قبعته وفكر في وضعها على رأس الشاب فقد شعر أن رأسه يختلج من البرد فردد في نفسه إنني رجل أصلع، بينما الشاب فله شعر كثيف فلا خوف عليه، نهض الرجل ونظر بنظرة شكر إلى سيمون دون أن ينطق بكلمة فسأله سيمون لماذا لا تتكلم إن البرد لقارص؟ فلا بد من أن تعود إلى منزلك.
وسأله مرة أخرى أثناء طريقهم من أين أنت؟ فرد الشاب لست من هذه المنطقة، فرد سيمون: شعرت بذلك لأنني أعرف القوم هنا ولكن كيف قدر لك أن تأتي إلى جوار الكنيسة فأجاب الشاب لست أعلم، سأله سيمون: أساء أحد معاملتك؟ فرد الشاب: لم يعترضني أحد بسوء لقد جازاني الله، تعمق في لهجة الشاب أن كلامه خالص من القلب، ولكنه لا يعلم عنه شيئًا، لما ارتاح جسد سيمون من تأثير الكأس أخذ يلف نفسه برداء ومعطف زوجته بعد أن خلع رداءه وراح يردد في نفسه ذهب تأثير الكحول واحتجنا لصوف المدرعة.
وعندما تذكر حال زوجته شعر بالانقباض في صدره، فقد كانت زوجته في ذلك الوقت تنهض بعبء واجبها المنزلي لوحدها، كانت تتحدث في نفسها إلا أن سمعت بعض الأصوات وشعرت أن أحدهم قادم إلى البيت، فقامت ترى الأمر فشاهدت زوجها ومعه شخص أخر عاري الرأس ويلبس حذاء زوجها، كما لاحظت أن زوجها تفوح منه رائحة الكحول ولا يوجد بيده أي نوع من الصوف فأراد الزوج أن يهدئ من روعها ويظهر لها أنه لم ير شيئًا.
وبدأ الغضب يثور داخلها وقالت لقد جهزت الطعام، ولكن ليس لكل منكما إنك أنفقت نقودك في الشراب، وأنت في الأصل ذهبت كي تحضر الصوف، ورجعت معك شخص مشرد، فليس لدي طعام للمتخاذلين، حاول سيمون تهدئتها ولكنها أصرت على معرفة ماذا فعل بالنقود، فأخرج الثلاث روبلات وقال: ها هي النقود، ولكن ذلك لم يهدئ من غضبها لأنه لم يحضر الصوف.
أخذت النقود من يده حتى تضعها بمكان آمن ورددت قائلة: ليس عندي طعام، وحاول أن يشرح لها أنه لم يشرب إلا بعشرين كوبك ويطلعها على ما حدث معه والحالة التي عثر على الشاب بها، ولكنها ظل الغضب مسيطر عليها وقالت له: أعطني ثوبي فقص عليها ما حدث معه وكيف رأى الشاب عار أمام الكنيسة، وأن الله قد بعثه حتى ينقذه، وهنا احتبست ألفاظ الزوجة ثم قال لها سيمون: ألا تحبين الله؟ فلما سمعت ما جرى مع زوجها رقت وفاض قلبها بالإيمان وراحت الرحمة والعطف يدب في نفسها، فذهبت وأحضرت الطعام والخبز وحينها أشرق وجه الشاب وأضاء البيت كالبدر المنير.