يُعتبر المؤلف والأديب أوسكار وايلد وهو من مواليد جمهورية إيرلندا من أبرز وأهم كُتاب المسرح، وقد نالت كتاباته ومؤلفاته المسرحية شعبية كبيرة في العالم أجمع وعلى وجه الخصوص في مدينة لندن، بدأ الخوض في التأليف في القرن التاسع عشر ومن أبرز قصصه قصة المليونير النموذجي.
قصة المليونير النموذجي
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول شخص يدعى هوفي ارسكاين كان يتميز بالعديد من الملامح الجمالية إذ كان صاحب شعر بني مجعد ويمتلك عينان رماديتين، فقد كان ملفت للنظر ومشرق في طلته ويلقى مكانة محبوبة لدى الرجال والنساء في المنطقة التي يقطن بها، كان كل مميزات الجمال به سوى أنه لا يملك أي من الأموال والنقود.
فلم يرث هوفي عن والده سوى سيف كان يضعه فوق المرآة في المنزل وكتاب عن السفر يضعه بين المجلدات الموجودة في المنزل، لكن في ذلك المجتمع إذا لم يكن الإنسان يمتلك المال فلا فائدة من أن يكون جميل وملفت للنظر؛ لأنّ الشعر والحب لم يكونا من شؤون العاطلين عن العمل، وأنه ينبغي على الأشخاص الفقراء أن يكونوا رجالًا عمليين فقد كان من الخير للإنسان أن يملك دخل ثابت من أن يكون ذا فتنة أخاذة، فقد كانت تلك الحقيقة التي تتطابق مع الحياة الواقعية.
وقد كان هارفن من الأشخاص الذين لا يمتلكون قوى ذهنية خارقة للعادة، ولم يصدر عنه قط أي فكرة متألقة وغير عادية، لكنه كان إنسان قنوع يتمتع بالحياة من خلال مبلغ صغير جداً، كانت تمنحه إياه عمته بعد أن فشل في مرات عديدة في البحث عن عمل، حاول العمل في البورصة لمدة ستة أشهر، كما عمل في تجارة الشاي لمدة قصيرة، ولكنه سرعان ما عزف عن العمل في التجارة.
ثم بعد ذلك توجه للبحث عن عمل في مجالات أخرى ولكن لم ينجح في أي منها، إلى أن وصل به الأمر أن أصبح لا شيء سوى شاب مرح ذو وجه بشوش تكاد لا تفارق الابتسامة شفاهه لكنه بلا عمل، ومما كان يزيد الأمر سوءاً أنه كان يهيم في عشق فتاة تدعى لورا موتون، وقد كانت الابنة لأحد الرجال الذين كانوا يعملون كضابط في الشرطة وقد وصل إلى سن التقاعد، وقد كانت حالته الصحية سيئة، إذ فقد أعصابه ومعدته أثناء عمله في دولة الهند، كانت لورا تبادل هوفي ذات الشعور وقد شهدت مدينة لندن بأكملها على أنهم أجمل حبيبين؛ وذلك لأن المال لم يكن عائق أمام حبهم، ولكن والدها كان يرفض أن يتقدم هوفن لخطبة ابنته، فقد كان يخبره على الدوام أنه حينما يمتلك عشرة آلاف جنية، سوف ينظر في طلبه.
وفي أحد الأيام ذهب هوفي إلى هولاند بارك، حيث كانت تعيش هناك عائلة لورا، فتوجه إلى أحد أصدقائه المتخصص في فن الرسم والذي يعرف باسم آلن تريقور، فقد كان رسام متفرد إلا أنه كان غريب الأطوار وما جذبه لصداقة هوفي هو إشراقه وجهه وكان كلما زاد معرفته الشخصية بهوفي زاد إعجابًا به، وعند اللحظة التي دخل بها هوفي شاهد تريقور يحمل صورة لأحد المتسولين كما كان المتسول يقف على جهة مرتفعة في زاوية الرسم.
وقد كان المتسول رجل عجوز تظهر على ملامح وجهه علامات الحكمة، وفي تلك الأثناء كان يرتدي على كتفه عباءة رثة من القماش وحذاء رديء، وبعد مصافحة هوفي لصديقه وهمس في أذن صديقه يا له من مثال رائع، فرد عليه تريقور أنه بالفعل مثال رائع، وأكمل هوفي حديثه بأنه في الحقيقة كنز، مسكين هذا الرجل يا له من بائس، ولكن على الرغم من ذلك أظن أن وجهه بالنسبة للرسامين هو ثروة كبيرة جداً.
وأكمل حديثه بأنه بلا شك لا يريد المتسول أن يبدو سعيد أو أنك تريد ذلك؟ فسأل هوفي الرسام كم يأخذ النموذج أجر مقابل هذه الجلسة؟ وكم تتقاضى أنت عن الصورة؟ فأجاب الرسام فقال ألفين جنية، سخر هوفي من هذا، وقال هذا جيد، ولكن ينبغي أن يظفر النموذج بنسبة مئوية من النقود؛ وذلك لأن عمله لا يقل تعب وجهد عن عملك، فسأل الرسام كيف ذلك انظر أنت إلى الجهد وطريقة توزيع الألوان على الصورة والوقوف طوال النهار أمام منصة الرسم، ولكن من المؤكد أن هناك لحظات يصل فيها الفن إلى منسوب الفن اليدوي.
وبعد فترة وجيزة جاء الخادم وأخبر تريقور أن الشخص الذي يصنع الإطارات الخاصة باللوحات يريد مقابلته، فاستأذن للحظة وخرج، وهنا استغل المتسول الفرصة وقدم ليستريح على مقعد خشبي، كانت تظهر عليه حالة الشقاء والبؤس، حتى حزن هوفي عليه وأخذ بالبحث في جيوبه ليعرف ما لديه من مال، إذ عثر على جنية وبضع من السنتات وأخذ يفكر هل هذا العجوز يفتقر إلى الماء أكثر مني؟ وهنا قدم للمتسول الجنية وسرعان ما تحرك المتسول وعلى شفتيه الابتسامة الصفراء، وقال: شكرا يا سيدي ولما رجع تريقور استأذنه هوفي في الخروج ووجه ممتلئ بالخجل، وقضى ذلك اليوم مع حبيبته لورا قبل العودة لبيته وفي تلك اللحظة حصل منها على ببعض التأنيب لتبذيره.
وفي ذات المساء حيث كان هوفن يتمشى في نادي الباليت في تمام الساعة الحادية عشر، وهنا وجد تريقور يجلس وحيداً في أحد غرفة التدخين، فسأله أكملت الصورة وهل كل شيء على ما يرام، فأجاب تريقور ذلك المتسول يدين لك بالإخلاص الشديد، فقال هوفن مسكين العجوز البائس وددت لو تمكنت من مساعدته إنه لشيء مخيف أن يصل الإنسان لهذا المستوى من البؤس والإحباط، ثم أكمل هوفن حديثه بقوله أنتم معشر الفنانين لا قلب لكم ولا أحاسيس، فقال تريقور ولكن لا تنسى أن مهنتنا هي تصوير العالم كما نراه نحن وكما يجب أن يكون، كما أخبرت المتسول عن قصتك مع لورا فقد كان تريقور يعلم كل شيء عنها وعن والدها وقصة العشرة آلاف جنيه، صاح هوفن محمرًا من شدة الغضب أتخبر ذلك المتسول عن جميع شؤوني.
رد عليه تريقور أن ذلك المتسول هو من أثرى الرجال في أوروبا، فهو يستطيع شراء مدينة لندن بأكملها، كما يمتلك قصر في كل عاصمة من عواصم الدول، يتناول طعامه في أواني من ذهب، فقال هوفن: ماذا تعني بذلك؟ فقال إن الرجل الذي رأيته في مكان الرسم اليوم هو شخص يدعى بارون هوسبرج وهو صديق مقرب يبيع صوري وقد طلب مني هذا الشهر أن أرسمه وهو متسول ماذا تعتقد من أهواء مليونير.
كان هوفن محرجاً وقال لقد منحته جنيهًا ورقد في المقعد المريح من شدة التعب، انفلت تريقور من شدة الضحك، وقال أعطيته جنيه، إذن فلن تراه ثانية فما أعماله إلا مستمدة من أموال الآخرين، فقال هوفن أظن أن تخبرني يا تريقور ولا تتركني أخدع نفسي، فقال في الحقيقة لم يتصور عقلي أنك تمنح الصدقات بتلك الطريقة، عاد هوفن إلى منزله مكتئب وحزين، وترك تريقور ينغمر من الضحك، وفي صباح اليوم التالي وبينما كان هوفن يتناول وجبة الإفطار وجد بطاقة كُتب عليها المسيو جوستاف فودان وهو من طرف البارون هوسبرج، إذ أمر الخادم بدخوله ودخل الحجرة رجل عجوز وقال بلهجة شعبية فرنسية هل لي شرف الكلام مع المسيو هوفن وقال أرجو يا سيدي أن تقدم للبارون أصدق اعتذاراتي وأسفي.
قال الرجل العجوز مبتسمًا أمرني البارون أن أحمل إليك هذه الرسالة، وقدم له ظرف مختوم وقد كتب عليه هدية زفاف لهوفن أرسكاين ولورا مرتون من متسول عجوز، حيث كان يوجد به شك يحمل مبلغ عشرة آلاف جنية، ولما تزوجا كان تريقور شاهد العروس وألقى البارون كملة في حفلة الزفاف وتعجب تريقور قائلًا إن من الأمور النادرة أن يظفر الشخص بنموذج مليونير ولكن من النادر أكثر أن يتم الظفر بمليونير نموذجي.