دائماً ما تكون شخصيات القصص هم العنصر الأساسي الذي نتعلّم منه، إمّا أن نتعلّم عاقبة الشر أو نتعلّم جزاء الخير وفاعليه، وسنحكي في هذه القصة عن نحلة مميزّة تعلّمنا أن الشخص يجب أن يفعل ما يؤمن به ويحبّه وأن يمثّل نفسه.
النحلة مايا:
كان هنالك مجموعة من النحل يسكنون في خلية في الغابة، وجاء يوم من الأيام وهو فقس البيض، يحتفل النحل بهذا اليوم ويجتمع كلّه بالخلية، فقست نحلة مميّزة من هذا البيض وقامت أمّها وسمّتها مايا، فقالت لها النحلة الصغيرة: ولماذا تطلقين علي هذا الاسم؟ قالت لها أمّها: كل نحلة وكل شخص يجب أن يكون لديه اسم ندعوه به فجميعنا متشابه ومختلف في بعض الأشياء.
نظرت النحلة مايا حولها فشعرت أنها مأخوذة بما ترى، فمن النحل من يضع اللقاح في وعاء يشبه الجرة، ومنهم من ينظف جدران الخلية، ومنهم من يسير بصف منتظم، نظرت لها أمّها وقالت: يجب أن نقسم العمل بينك وبين إخوتك ويجب كل منكم أن يختار ماذا سيفعل، فسألت النحلة مايا: لماذا يجب أن نعمل، نظر لها والدها النحلة في دهشة وقال: أنتِ نحلة غربة فالنحل لا يسأل.
كانت الأم تحب صغار النحل وقامت بتهدئة الأب وقالت له: ما عليك فهي لا زالت صغير، وقالت لابنتها النحلة: يا ابنتي جميعنا يجب أن نعمل فلا يجب أن نكون عديمي الفائدة، فإن لم ننظّف الجدران فسوف تتسّخ، وإن لم نجمع الرحيق.. استوقفتها النحلة مايا وسألت: وما هو الرحيق؟ أجابتها: هو السائل الذي يحضره النحل من الأزهار وتقوم العاملات بصنع العسل منه.
استمّرت النحلة مايا بالأسئلة وقالت: وكيف يحمل النحل الرحيق، فأجابتها الأم: في بطون العسل، فقالت لها مايا: أنا جائعة وسآكله إن وجدته، فقالت لها الأم: كلّا بل يجب أن نعدّه لوجبة الطعام، شعر الوالد بالملل من كثرة الأسئلة وقال للأم: إن بقينا هكذا فلن نبرح اليوم، فسألت النحلة مايا: ولماذا سنبرح؟ ضحكت الأم لابنتها المتسائلة.
مضت الأيام وأخذ كل واحد وظيفة ليقوم بها، فمنهم من يجمع الرحيق ومنهم من يزيح الأوراق الجافّة، ومنهم من يحرس الخليّة، إلّا النحلة مايا فكانت تعمل الأشياء بطريقة مختلفة؛ فعندما كان النحل ينظّف بيديه كانت هي تنفخ بفمها وتظن أن هذا سيجدي نفعاً، وعندما ترى صفّاً من النحل يسير بصف ثابت كانت هي تسير بجانبهم وهي لا تعرف أنّها تسير بشكل خاطئ.
وكان النحل كلمّا يخبرها بذلك كانت تجيب: أنت أنت وأنا أنا فكيف أفعل مثلك! كانت ملكة النحل لا تعرف ماذا ستجعل هذه النحلة تفعل؛ فهي لا تستطيع فعل شيء وكانت دائماً تظهر الانبهار وكانت كثيرة الأسئلة كذلك، وجاءت بيوم تسأل النحلة الملكة عن تاجها فقالت: ما هذا الذي فوق رأسك؟ فجاء والدها وقال لها: توقفّي عن سؤال الملكة.
سألتها الملكة: لماذا لا تذهبين إلى حيث ما يجب عليكِ فعله يا مايا؟ فأجابت: لا أعرف فأنا أجد الجميع مشغولين بالعمل دائماً وهذا لا يجعلني سعيدة، ولكنّني عندما خرجت من البيضة كنت سعيدة بأنّني أستطيع الطيران فأنا حلمي أن أطير وأخرج إلى العالم، أجابتها الملكة بدهشة: ماذا تقولين حلم وسعادة النحل لا يحلم، شعرت الأم بخجل وقالت للملكة: أرجو أن تعذريني فأنا حاولت جاهدة مع ابنتي ولكن يبدو أن حلمها هو الخروج والطيران فلماذا لا نرسلها لإحضار الرحيق.
اندهشت الملكة وقالت: ومنذ متى نسأل النحل بما يريد فالنحل يعرف عمله فور فقسه، ولكن النحلة مايا كبرت وأظنّها قادرة على جمع الرحيق فلا بأس بذلك ولكن عليكِ أن تدربّيها جيداً، فرحت الأم كثيراً وشكرت الملكة، درّبتها أمّها على أنواع الأزهار وأن تتبع سرب النحل وحذرّتها من الطيران لوحدها، وحذّرتها كذلك من الدبابير فهم يسعون لإيذاء النحل.
سألت النحلة مايا أمّها: هل يمكننا لمس الدبابير؟، فأجابت: كلّا فهي تلبس الدروع يمكننا لدغ رقابهم فقط عند الاقتراب ولم يصدف أن تقتل نحلة دبور فكوني حذرة، قالت لها مايا: حسناً سأفعل، فانطلقت النحلة مايا بأول رحلة مع سرب النحل، وعندما خرجت شعرت بالاندهاش والفرحة وهي تنظر للأشجار والأزهار وقالت: سأطير طوال اليوم، فقال لها أحد النحل: نحن نعمل ولا نطير فقط احرصي على البقاء بالسرب.
لم تستمع النحلة مايا لكلامه وطارت بعيداً عن سربها حتى وصلت ماء النهر، فانبهرت بلمعان الماء وعندما حلقّت فوقه ظنّت أن انعكاس صورتها هي شخص آخر وبدأت تكلّمه وتسأله عن اسمه، وفجأةً جاء جراد كان يجلس فوق ورقة شجر ورأى النحلة وظن أنّها شخص بشري يتنكّر بزي نحلة وقال لها: ما جاء بك هنا؟ قالت له: أنا نحلة وأشارت لانعكاس صورتها وقالت: هذه نحلة أيضاً ولكنّها وقحة وتقلّدني، ضحك الجراد لكلامها وقال لها: هذه صورة انعكاسك وأنتِ هي الوقحة تماماً مثل الإنسان الذي يرى الشر بمخيلته.
فسألها عن اسمها وأجابت: أنا النحلة مايا، وقال لها: لقد سمعتك وأنتِ تكلّمين نفسك بالماء، وأخبرته أنها كانت مع سرب النحل لإحضار الرحيق ولكنها تركتهم وطارت، فقال لها الجراد: وكيف تكونين نحلة وتخرجين من السرب؟ ماذا ستفعلين الآن؟ فأجابت: سأجمع بعض الرحيق وأحاول العودة، فقال لها الجراد: هنالك أزهار بالقرب من هنا، فشكرته وذهبت.
بدأت بجمع ما تستطيع من الرحيق وبدأت تسير باتجاه العودة، ولكن شعرت بأن الطريق طويلة فشعرت بالتعب وأرادت التوقّف للاستراحة، وفجأة جاء اثنان من الدبابير فمسكوا بها فصاحت، فقالوا: ستفرح بك الملكة الآن، فأخذوها وقاموا بحبسها بحجرة صغيرة وخافت وحاولت الطيران والهروب ولكنّها فشلت في ذلك.
قالت الدبابير: خطتنا الآن أن نهاجم خلية النحلة مايا فسمعت النحلة بخطتهم، فكرّت النحلة مايا طوال الليل ماذا ستفعل لحماية خليتها من الدبابير، فتذكرّت كلام أمّها عندما قالت: يمكننا لدغ رقاب الدبابير، فعندما جاء الدبور لمايا قامت بالاختباء وهجمت عليه ولدغته وهربت لخليتها وأخبرتهم بكل ما حدث، فاستعدت الملكة والجميع للدفاع عن خليتهم.
وعندما هجمت الدبابير قاموا بلدغ رقابها فانسحبوا هاربين ولم يستطيعوا اقتحام الخلية، وشكر الجميع مايا لأنّها أنقدتهم وقالت لها الملكة: أنا فخورة بك لأنّك شجاعة وقوية ماذا تريدين أن تصبحي عندما تكبرين؟، فأجابت: أريد أن أصبح معلمة وأعلّم الجميع بأن يكونوا مثل أنفسهم فقط وليس كأي شخص آخر، فرحت بها الملكة وضمتها قالت لها: أنتِ معلمة ماهرة يا مايا.