قصة الوحمة The Birth-Mark

اقرأ في هذا المقال


يُعد المؤلف والأديب ناثانيال هاوثورن وهو من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية، من أهم الكُتاب والروائيين الذين لاقوا صدى واسع على مستوى العالم؛ وذلك يعود إلى الأسلوب الإبداعي الذي اتبعه في كتابة القصص القصيرة، ومن أكثر القصص التي اشتهر بها قصة الوحمة، كما كان ناثانيال ينتمي إلى طائفة دينية تعرف باسم المتطهرين وقد كان في كثير من الأحيان يعتاد على ذكرهم في معظم رواياته وقصصه، وتم العمل على إصدار كتاب الوحمة سنة 1843م في إحدى المجلات التي تعرف آنذاك باسم مجلة الرائد، وهذه القصة تدور حول فكرة الهوس بالكمال البشري .

 قصة الوحمة

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول شخصية مفكر بارع وفيلسوف وعالم مشهور بين الناس في ذلك الوقت باسم إيلمر، كان ينشغل في كثير من الأبحاث والأعمال وقراءة الكُتب، وفي أحد الأيام رأى فتاة غاية في الحُسن والجمال، ومنذ تلك اللحظة بدأ البحث ورائها وتتبعها فقد ترك كل ما كان يقوم به من إبداعات وإنجازات وتركز كامل تفكيره في الفتاة والتي كانت تدعى جورجيا، ولكن ما كان يثير استغرابه في ذلك الوقت أنه وعلى الرغم من كمية الجمال التي تتمتع بها الفتاة إلا أنها توجد عليها علامة لونها أحمر من جهة خدها، وكانت تلك العلامة تبدو على شكل يد، وقد كان كل المجريات التي يقوم بها إيملر حول جورجيا هو رغبته في الحظي بحبها والزواج منها.

كانت تلك العلامة تثير انتباه إيملر بشكل كبير لدرجة أنها أصبحت تأخذ حيزاً من تفكيره، فعلى الرغم من كمية الحب والعشق التي يكنها لجورجيا إلا أنه أراد التخلص من تلك العلامة بأي طريقة، ونظراً للدرجة التي كان يفكر بها في تلك العلامة ففي أحد الأيام حينما خلد إلى النوم رأى في منامه أنه يقوم بقطع تلك العلامة من على خد جورجيا كما لو أنه يقشط قشرة عن التفاحة وقد بقي يقشط في تلك العلامة إلى أن وصل إلى قلب جورجيا.

وحينما استيقظ من منامه نسي تماماً ما كان قد رآه في الحلم، إلى أن جاءت اللحظة التي قامت بها جورجيا في سؤاله عن بعض الكلمات التي كان يرددها أثناء نومه، وفي تلك الأثناء بدأ إيملر بتذكر تفاصيل الحلم الذي شاهده ويسرده عليها  بالكامل، وهنا عزمت جورجيا على أن تخاطر بحياتها من أجل التخلص من تلك العلامة، وقد كان ذلك أيضاً من أجل أن تزيح الرعب الذي كان يشعر به إيملر عند رؤيته لتلك العلامة على وجهها، فقد كانت تلاحظ عند نظر إيملر إلى تلك العلامة يثير في نفسه التوتر والرغبة في نزعها.

وفي صباح اليوم التالي أخذ إيملر جورجيا إلى المكان الذي كان يقيم به أبحاثه وتجاربه، وحث جورجيا على القنوط لفترة بسيطة تحت المجهر الموجود في أحد مختبراته؛ من أجل النظر بدقة إلى تلك العلامة ورؤيتها بوضوح أكثر، وفجأة حينما رأى إيملر العلامة تحت المجهر أصابه حالة من الرعشة والخوف الشديد، مما جعل جورجيا تدخل في حالة إغماء وتغيب عن الوعي بالكامل، حاول إيملر في كل الطرق أن تستعيد جورجيا وعيها، وبعد أن تمكن من ذلك سرعان ما احتضنها بشدة وقدم لها بعض العقاقير التي كانت من صنعه وحينها حاول أن يلتقط صورة لجورجيا، بينما ما أثار اشمئزاز إيملر أنّ الصورة قد خرجت بشكل باهت جداً ما عدا العلامة كانت ظاهرة وواضحة بشكل كبير.

ويوم بعد يوم بدأ إيملر يحدث جورجيا عن التجارب التي كان يجريها وعن النجاحات التي قد حققها على مرّ الوقت، وشيئاً فشيئاً أخذ بإقناعها على خوض بعض تلك التجارب والاختبارات من أجل التخلص من تلك العلامة في وجهها، وحين سماع جورجيا لتلك الأحاديث بدأ الشك يدخل إلى عقلها على أنّ إيملر كان يخوض على تلك العلامة العديد من التجارب والاختبارات دون أن يحيطها علماً بذلك.

وعندما صرحت له بالشكك الذي كان يدور في ذهنها سرعان ما اتهمها إيملر أنها مجرد جاسوسة جاءت لتطلع على كل التجارب والأبحاث التي يقوم بها في مختبره الخاص، وعلى أثر ذلك قام إيملر بتحطيم كافة الأدوات والأجهزة التي كان يعمل بها، فلا يُبقي على شيء ولو صغير من تلك المعدات، وعلى الرغم أن جميع تلك الأدوات والمعدات كانت باهضة الثمن في ذلك الوقت ولا يستطيع أي شخص الحصول عليها، لكنه كرهها وكره العمل في ذلك المختبر، فقد أثار شك جورجيا غضبه وخوفه من أن تكون ظهرت في حياته كونها مجرد جاسوسة على إبداعاته فقط.

ومرت أيام قليلة إلى أن هدأ ورجع إلى طبيعته الهادئة، حينها جاءت إليها جورجيا وطلبت منه أن يقوم بفعل ما يريد من أجل التخلص من تلك العلامة، حينها بدأ بإجراء تحليلات وتجارب ودراسات في كيفية الحصول على الدواء المناسب من أجل التخلص نهائياً من تلك العلامة، وبعد أن توصل إلى الدواء المناسب رأى أن هناك بعض الآثار الجانبية التي من الممكن أن تترتب عليه.

عرض ذلك المستحضر على جورجيا وأول ما بدأ به هو الحديث عن الآثار التي يولدها المستحضر وحذر جورجيا منها، إلا أنّ جورجيا عزمت على تناوله مغامرة في حياتها، فقد كان موضوع العلامة قد أرهق نفسيتها بشكل كبير وأحدث حالة من التوتر النفسي لها وقد أثرت على علاقتها بإيملر، أخذت جورجيا في وضع أول جرعة من المستحضر الذي أعده لها إيملر للتخلص من العلامة، وعلى الرغم من تحذيرات إيملر المستمرة عن هذا المستحضر، ومدى خطورة الآثار التابعة له، إلا أنّ جورجيا تعهدت بتحمل أي آثار تعقبه.

وبعد فترة قصيرة قام إيملر بالوصول إلى جرعة أخرى من الدواء، والذي كان قبل وضعه على العلامة قام بتجربته على أحد أنواع النباتات عن طريق وضع بعض النقاط الصغيرة على أجزاء منه، وحينها الدواء أثبت فاعليته من خلال تجديده لخلايا النباتات، عندها عزمت جورجيا على وضع ثقتها بالكامل بإيملر والبدء في الجرعة الثانية من الدواء، فقد أرادت في ذلك الوقت العزم على أي شيء مقابل فقدان والتخلص من تلك العلامة إلى الأبد، بالإضافة إلى التخلص من الحزن التي كانت على الدوام تشاهده في عيون إيملر حينما يحدق النظر بها، وعند تناولها للجرعة سرعان ما غرقت في النوم، وهنا بدأ إيملر يبدي ملاحظاته حول فاعلية الدواء فيراقبها وشيئاً فشيئاً يلاحظ أن العلامة أخذت بالتلاشي والاختفاء.

وبعد أن فاقت جورجيا من نومها رأت أنّ العلامة قد اختفت تماماً فرحت جداً بفاعلية الدواء آنذاك، كما كان الفرح يسيطر على إيملر كذلك، فأخيراً تمكن من التخلص من تلك العلامة التي طالما عثرت عليها حياتها، ولكن لم يكن ذلك مجاناً ففي ذلك الوقت بدأت تظهر الآثار الجانبية للدواء، إذ أخبرت إيملر أنها تشعر بحالة من الموت البطيء، وما أن اختفت العلامة بشكل نهائي تمامًا توفيت جورجيا معها في ذات الوقت.


شارك المقالة: